كتب : وسيم امام
في ظل أزمة حادة تعيشها الغابات في عموم كوكبنا، وسلسلة الحرائق المأساوية التي طالت غابات الأمازون وأستراليا ولبنان وسورية، ومازالت تبعاتها الكارثية مستمرة حتى الآن، تبرز أهمية المبادرات والابتكارات الرامية إلى إيجاد حلول مستقبلية لحماية الغابات والتصدي للاحترار العالمي.
وفي هذا الإطار، أطلقت شركة يوريسكو موبيليتي، العاملة في مجال التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء وتقنيات المدن الذكية في لبنان والعالم العربي، بالتعاون مع مهرجانات الأرز الدولية، مبادرة الغابات الذكية في لبنان، لتطبيقها في سبع غابات، تُصنِّفها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) في قائمة التراث العالمي منذ 20 عامًا؛ وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
وطورت شركة يوريسكو موبيليتي نظامًا يعتمد خوارزميات الذكاء الاصطناعي وتقنية إنترنت الأشياء لمراقبة الغابات وحمايتها، للتصدي لتقلص الغطاء الحراجي في هذه الغابات إلى نحو 12%؛ وفقًا لتقارير محلية، بسبب تفشي الحشرات وغيرها من القضايا المرتبطة بتغير المناخ، وسط موجة حارة ورياح قوية ضربت البلاد وعرضت لبنان، في العام 2019، لسلسلة حرائق غابات هي الأسوأ منذ عقود.
التقنية في خدمة البيئة
ويستخدم النظام الجديد التعلم العميق للآلات لفهم الخصائص الطبيعية لغابات لبنان السبع، وفق قائمة بيانات تساعد في التنبؤ بمخاطر الحرائق الناجمة عن عوامل غير طبيعية والإبلاغ عنها آليًا عن بعد.
ويتيح النظام الجديد مقارنة البيانات والتغيرات عبر العصور، مع معلومات متعلقة بدرجة حرارة الهواء والتربة والرطوبة والضغط الجوي وسرعة الرياح وانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في وقتنا الراهن، من خلال لوحة القيادة التفاعلية.
وعند ازدياد خطر حدوث الحرائق أو ارتفاع نسبة انبعاثات الغازات الدفيئة، يطلق النظام إنذارات تلقائية عبر رسائل البريد الإلكتروني والرسائل القصيرة والمكالمات الهاتفية الآلية، إلى هيئات الاستجابة السريعة؛ مثل منظمات الدفاع المدني أو البلديات أو المنظمات غير الحكومية المُناصِرة للبيئة.
وقالت الشركة في بيان صحافي، إن «الحلول التقليدية أصبحت غير مجدية لأنها مبنية على صيغ رياضية ثابتة، وتستبعد الخصائص الطبيعية للغابة المعنية. أما نظامنا فيعتمد طريقة عمل واضحة؛ تتضمن جمع البيانات وإعدادها ومعالجتها، لاختيار نماذج تعلم الآلة الأمثل لكل غابة، إلى جانب نظام مركزي يربط جميع الغابات معًا» وفقًا لموقع سمارت سيتيز وورلد البريطاني.
طائرات دون طيار
وتعمل الشركة على دمج هذا النظام مع طائرات دون طيار، لإرسال الصور والإحداثيات الجغرافية للحرائق في الوقت الحقيقي، مع مراعاة تطوير برنامج الغابات الذكية ونشرها وصيانتها في الغابات السبع التي تضررت بشدة بسبب الحرائق الأخيرة.
وأشار زياد طوق، المدير التنفيذي التقني لشركة يوريسكو موبيليتي، إلى أن شركته عرضت النظام مجانًا على الحكومة اللبنانية لتوزيعه على الغابات المتبقية، إذ تُقدَّر تكلفة المبادرة بنحو 700 ألف دولار؛ وفقًا لموقع عرب نيوز اللبناني.
وعي عربي
واللافت عقب سلسلة كوارث الحرائق العالمية، ازدياد الوعي بمخاطرها في العالم العربي، لتبرز مبادرات تعتمد التقنيات الذكية، طورها باحثون عرب؛ نذكر منها مبادرة تسعى لزراعة مليون شجرة غاف (برسوبس) باستخدام تقنية الطائرات دون طيار والذكاء الاصطناعي في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي سلط الضوء عليها مرصد المستقبل، مطلع العام الحالي.
وطور الإماراتي راشد عبد الله الغرير، رئيس لجنة التدقيق والمخاطر في شركة الغرير للاستثمار، الطريقة المبتكرة الرامية إلى تنفيذ خطتها بالاستعانة بتقنية الطائرات دون طيار.
وقد تشكل طريقة الغرير الجديدة حلًا بيئيًا لإعادة الغطاء النباتي في مناطق عدة حول العالم تضررت من الحرائق. ويسعى الغرير للوصول إلى هدفه المنشود في فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز العامَين، ولتجربة الطريقة، أطلق الغرير مشروعه في إمارة الشارقة كمرحلة أولى، تهدف إلى إلقاء 4 آلاف بذرة، من طائرة دون طيار، آليًا بالاستعانة بخوارزميات ذكاء اصطناعي خاصة، بعد التواصل مع هيئة البيئة والمحميات الطبيعية في الشارقة.
وتتلخص مهمة خوارزميات الذكاء الاصطناعي بإيجاد أكثر المناطق مواءمة لنمو البذور، ومتابعة نموها لاحقًا بجولات استطلاعية، لضمان ديمومة المشروع. إذ تُجري الطائرات دون طيار مسحًا لتلك المناطق، لتحديد معايير سرعة الرياح واتجاهها والرطوبة، وبعد إرسال تلك البيانات وحفظها في تطبيق خاص على الإنترنت، يجري الذكاء الاصطناعي مقارنة للوصول إلى بيئة مُثلى للزراعة، للوصول خريطة متكاملة.
ويعمل الفريق حاليًا على البحث عن مواقع أخرى في مختلف مناطق دولة الإمارات، للوصول إلى أفضل معدلات النجاح، مع تحديد شهر أغسطس/آب المقبل، كأفضل توقيت لإطلاق المشروع، وسط توقعات بالوصول إلى نتائج قابلة للقياس في المستقبل القريب.
وتعكس تلك المبادرات الطموحة، زيادة الوعي البيئي في أوساط الشباب العربي، وبحثهم الشغوف عن مستقبل أكثر استدامة على الرغم من ظروفهم الصعبة. وفي ظل الاستنزاف المفرط للموارد، يحتاج كوكبنا لسياسات أكثر صرامة لمواجهة التغيرات المناخية، وتظافر الجهود الرسمية والأهلية لحماية البيئة، ومن هذا المنطلق تنبع أهمية الجهود العربية التي تصب في بوتقة المبادرات العالمية المتزايدة.