د. عادل اللقانى
خبير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
alakany@gmail.com
"في عالم تشتد فيه الثورة الرقمية ويتعاظم فيه تأثير التكنولوجيا على مختلف مناحي الحياة، تقف الصحافة العربية أمام منعطف تاريخي يفرض عليها التحديث أو التلاشي. وفي هذا السياق جاءت مبادرة "الذكاء الاصطناعي في الإعلام العربي" التي أطلقتها جمعية "اتصال" بالتعاون مع "أكاديمية دبي للإعلام" كخطوة استراتيجية تحمل آمالًا كبيرة في إعادة تشكيل المشهد الإعلامي العربي بما يواكب العصر ويُحافظ على الهوية. وقد شهدت القاهرة أولى فعاليات المبادرة من خلال مائدة مستديرة جمعت نخبة من خبراء الإعلام والتكنولوجيا لمناقشة آليات تنفيذ المبادرة وتحديد خطواتها المستقبلية . وتُعنى هذه المبادرة ليس فقط بإدخال الذكاء الاصطناعي إلى غرف الأخبار،بل بتطوير تقنيات تفهم وتعبر عن اللغة العربية بلهجاتها المتعددة وتمنح المحتوى الإعلامي طابعًا ثقافيًا يعكس واقع المجتمعات العربية المتنوعة. في هذا التقرير نلقي الضوء على أهمية المبادرة وأثرها المرتقب على الصحافة القومية والخاصة ، والتحديات التي تواجه الإعلام العربي، والمقترحات التي يمكن أن تدفع هذه المبادرة نحو تحقيق اهدافها".
فى البداية يمكننا ان نطرح السؤال التالى : ماهى اهمية هذه المبادرة وتوقيت اطلاقها ؟
فى الحقيقة تعد مبادرة "الذكاء الاصطناعي في الإعلام العربي خطوة استراتيجية بالغة الأهمية في مسار تحديث الإعلام العربي وتعزيز مكانته في العصر الرقمي. فهي لا تقتصر على مجرد إدماج الذكاء الاصطناعي في منظومة الإعلام بل تسعى إلى معالجة واحدة من أبرز الإشكاليات التي طالما واجهت الإعلام العربي والمتمثلة في ضعف الحضور الرقمي للغة العربية، إلى جانب محدودية الأدوات التقنية القادرة على التعامل معها بكفاءة ودقة.هذا اضافة الى ان توقيتها الان مهم جدا نظرا لان الصحافة العربية عامة والمصرية خاصة تمر بمحنة كبيرة هذه الايام فى ضعف المحتوى، ومحدوديةالانتشار، وعدم تلبية احتياجات الجمهور، وانعدام الثقة مع القارىء. ورغم ان أهمية هذه المبادرة في كونها تعمل على سد الفجوة التقنية واللغوية من خلال تطوير حلول متقدمة تعالج اللغة العربية بلهجاتها المتنوعة الا ان أحد أبرز أوجه التميز في المبادرة هو سعيها لخلق بيئة حاضنة للابتكار من خلال ربط المطورين الشباب والشركات الناشئة بالمؤسسات الإعلامية، مما يفتح الباب أمام تبني الأفكار الخلّاقة وتحويلها إلى أدوات وتقنيات ذكية قابلة للتطبيق تعزز من قدرات الإعلام العربي ، وتدفعه إلى آفاق جديدة من التطور والريادة وهذا فى الحقيقة امر بالغ الاهمية لما سنعرفه من حقائق فيما يلى .
دعونا الان نترك الاعلام بشكل عام ونتعرض عن كثب لمشكلات الصحافة القومية فى بلادنا العربية وكيف يمكن لهذه المبادرة ان تساهم فى حل مشكلاتها :
تواجه الصحافة القومية أو الرسمية في مصر والعالم العربي العديد من التحديات المعقدة التي تمتد عبر جوانب متعددة تشمل البنية المؤسسية، التمويل، المحتوى، الجمهور، والتطور التكنولوجي. هذه المؤسسات الكبرى تعاني من مشكلات جذرية تبدأ بالجمود الإداري الذي ينبع من عقلية بيروقراطية قديمة تفتقر إلى المرونة وسرعة اتخاذ القرار بالإضافة إلى ضعف الكفاءات الإدارية الحديثة وغياب ثقافة الابتكار المؤسسي.
على الصعيد المالي ، تعاني هذه الصحف من أزمة مستمرة تتمثل في اعتمادها الكبير على التمويل الحكومي مع عدم قدرتها على توليد دخل ذاتي من الإعلانات أو الاشتراكات، وهو ما يؤدي إلى تضخم في أعداد العاملين مقارنة بالإنتاجية الفعلية، إضافة إلى تراكم الخسائر وعدم القدرة على تطوير البنية التحتية بشكل ملحوظ.
من جهة أخرى فقدت الصحافة القومية كثيرًا من مصداقيتها وثقة الجمهور بها حيث يُنظر إليها في كثير من الأحيان كأدوات دعائية تخدم السلطة الحاكمة مما يقلل من جديتها كمصدر مستقل ويجعل تغطياتها الإعلامية تفتقر إلى تناول القضايا الحقيقية التي تمس المواطن بشكل مباشر.
أما على صعيد التكنولوجيا فهناك تراجع ملحوظ في مواكبة التحول الرقمي حيث تتأخر هذه المؤسسات في تبني أدوات مثل الصحافة التفاعلية، صحافة البيانات، الذكاء الاصطناعي، وتحليل سلوك الجمهور مما ينعكس سلبًا على مواقعها الإلكترونية التي تبدو ضعيفة من حيث التصميم والتحديث والمحتوى لا سيما مقارنة بالمنصات الخاصة والدولية.
ويُضاف إلى ذلك ضعف المحتوى الإعلامي نفسه حيث تظل المواد المنشورة نمطية وتقليدية خالية من الابتكار أو التحليل العميق مع غياب واضح لمدارس صحفية متخصصة كالصحافة الاستقصائية وصحافة البيانات مما يجعل المحتوى أقل جذبًا وتأثيرًا.
هذا الواقع السىء يؤثر بشكل خاص على الجمهور الشبابي الذي يبتعد تدريجيًا عن الصحافة القومية مفضلًا الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي ،والمنصات الرقمية الحديثة للحصول على الأخبار في ظل عجز هذه الصحف عن إنتاج محتوى يتناسب مع أنماط الاستهلاك الجديدة.
ولا يمكن تجاهل عامل الرقابة والتوجيه السياسي الذي يحدّ من حرية التعبير مما يقلل من جودة العمل الصحفي ويجعل التغطيات تفتقد إلى التوازن والشفافية ، هذا فضلا عن وجود منافسة شديدة من المؤسسات الإعلامية الخاصة والدولية التي تجذب المعلنين والجمهور بشكل أكبر بينما تُفرض على المؤسسات القومية قيود وحواجز لا تُفرض على منافسيها مما يجعل المنافسة غير عادلة في كثير من الأحيان.
في النهاية تقف الصحافة القومية في مصر والعالم العربي عند مفترق طرق حاسم، إما أن تخوض إصلاحًا شاملاً يشمل التحرر المهني والتحديث التكنولوجي والحوكمة الرشيدة، أو أن تستمر في دائرة التراجع حتى تفقد قيمتها تمامًا في عصر الإعلام الرقمي المتطور.
اذا كيف تساهم هذه المبادرة فى حل هذه المشكلات ؟
تمثل هذه المبادرة خطوة نوعية في مسيرة الصحافة القومية في بلادنا حيث يسهم الذكاء الاصطناعي في تعزيز حضور اللغة العربية من خلال تطوير نماذج لغوية متقدمة تدعم الفهم والتحليل والتوليد مما يرتقي بجودة المحتوى الإعلامي . فباستخدام تقنيات معالجة اللغة الطبيعية يمكن ابتكار أدوات مثل المساعدات الذكية، ومحركات البحث المتخصصة، وتطبيقات التدقيق اللغوي، إلى جانب الترجمة الآلية الدقيقة، كلها عوامل تعزز إنتاجية الإعلام العربي وتوسع من انتشاره.
أما بالنسبة للصحفيين، فتتيح أدوات الذكاء الاصطناعي إمكانيات تحليل سريعة ودقيقة للبيانات الضخمة، مستخلصةً من خلالها الاتجاهات والرؤى التي تساعد في إثراء القصص الصحفية. بالإضافة إلى ذلك يمكن للذكاء الاصطناعي أن ينتج ملخصات محتوى، يكتشف الأخبار المزيفة، ويرصد توجهات الجمهور، الأمر الذي يعزز من جودة التغطيات الإعلامية ومصداقيتها. وعلاوة على هذا تساعد هذه التقنيات في الحد من التكاليف وتعويض نقص الموارد البشرية التي تعاني منها الصحافة القومية عبر أتمتة مهام مثل تحرير الأخبار، تحليل البيانات، وجدولة النشر، مما يوفر الوقت والمال.
من جهة أخرى، تمكن هذه المبادرة المؤسسات الإعلامية من الوصول إلى جمهور أوسع عبر تخصيص المحتوى باستخدام خوارزميات ذكية تستهدف اهتمامات فئات مختلفة، وهذا بدوره يزيد من التفاعل ، ويجذب شريحة الشباب التي تمثل المستقبل. كما تلعب أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة دورًا حيويًا في مكافحة الأخبار الزائفة من خلال التحقق من صحة المعلومات والتمييز بين المحتوى الحقيقي والمفبرك مما يعزز ثقة الجمهور في الصحافة القومية. ولا يتوقف الأمر هنا إذ يمكن للذكاء الاصطناعي أيضاً أن يسهم في رقمنة الأرشيف الوطني والإعلامي بفهرسة المحتوى التاريخي وتحويله إلى صيغة رقمية قابلة للبحث والاستخدام مما يمثل ثروة معرفية هائلة.
باختصار إذا ما تم تنفيذ هذه المبادرة بفعالية وتعاون بين الحكومات، المؤسسات الإعلامية، والمطورين التقنيين، فإنها ستعيد للصحافة القومية مكانتها المتميزة عبر تحديث أدواتها، تعزيز قدراتها التقنية، وزيادة تفاعلها مع الجمهور في العصر الرقمي الحديث.
ولكن اذا كان هذا حال الصحافة القومية فماذا عن المشكلات التى تواجه الصحافة الخاصة والمشروعات الاعلامية الصغيرة فى بلادنا ؟
طبيعة المشكلات التي تواجه الصحف الخاصة والمشروعات الإعلامية الصغيرة تختلف عن تلك التي تواجه المؤسسات الإعلامية الكبرى. هذه الصحف تعانى من مشكلات اقتصادية وتمويلية جوهرية حيث تفتقر إلى مصادر تمويل مستقرة نتيجة غياب الدعم الحكومي، والرعاة الدائمين، وتعتمد بشكل رئيسي على الإعلانات التي تقلصت بشدة لصالح المنصات الرقمية الكبرى مثل فيسبوك ويوتيوب. هذا إلى جانب ارتفاع تكاليف التشغيل التي تشمل رواتب الصحفيين والكوادر الفنية، وصعوبة تمويل تطوير المواقع الإلكترونية وتطبيقات الهواتف المحمولة.
على الصعيد المهني والتحريري غالبًا ما تواجه هذه المشروعات ضعفًا في التدريب الصحفي، إذ يعمل بها كثير من الصحفيين الشباب الذين يفتقرون إلى المهارات اللازمة بسبب نقص فرص التدريب بالإضافة إلى غياب التخصصات الصحفية المهمة مثل التغطية الاقتصادية أو العلمية أو التحقيقات الاستقصائية. ويزيد من هذه التحديات ضعف التحقق من المعلومات حيث يعتمد البعض على مصادر غير موثوقة أو يعيدون نشر محتوى دون تدقيق كافٍ، مع ميل واضح للتركيز على الأخبار الرائجة لجذب المشاهدات على حساب الجودة والمصداقية.
أما من الناحية التكنولوجية فتتأخر الكثير من هذه المشروعات في عملية التحول الرقمي فالكثير منها لا يمتلك مواقع إلكترونية فعالة أو تطبيقات متوافقة مع الهواتف، كما يقل الاستثمار في أدوات تحليل الجمهور أو تحسين محركات البحث، بالإضافة إلى الاعتماد على وسائل نشر بدائية وغياب أدوات التفاعل مع الجمهور مثل النشرات البريدية أو روبوتات الدردشة.
وأخيرًا تعاني بعض التجارب الاعلامية الجديدة من ضعف الثقة خاصة تلك التي تنشأ بسرعة وبدون استراتيجية واضحة مما يؤدي إلى إغلاقها سريعًا ويخلق انطباعًا سلبيًا عامًا تجاه الصحف الخاصة والمشروعات الإعلامية الصغيرة بشكل عام.
اذا السؤال الان والذى سبق طرحه على الصحافة القومية : كيف يمكن لهذه المبادرة ان تساهم فى حل هذه مشكلات الصحافة الخاصة ؟
فى الحقيقة مبادرة "الذكاء الاصطناعي في الإعلام العربي " تبرز كأداة فعالة يمكنها المساهمة بشكل كبير في حل المشكلات التي تواجه الصحف الخاصة والمشروعات الإعلامية الصغيرة فهى تساعد في تخفيف الأعباء الاقتصادية والتمويلية عبر استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تقوم بأعمال التحرير، التصميم، النشر، وتوزيع المحتوى بشكل آلي، مثل توليد الأخبار القصيرة تلقائيًا من وكالات الأنباء أو المصادر الرسمية مما يوفر الوقت والجهد على المحررين. كما تمكّن هذه الأدوات الصحف من تقديم خدمات جديدة تدر عوائد إضافية كإنتاج محتوى صوتي آلي أو فيديوهات تعتمد على النصوص مما يفتح آفاقًا إعلانية جديدة .
على الصعيد المهني والتحريري تقدم المبادرة منصات تدريب تفاعلية ذكية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتعليم الصحافة الرقمية وتقنيات التحقق من المعلوما ت وذلك باللغة العربية مع دعم إنتاج المحتوى عبر أدوات توليد الأفكار، كتابة العناوين الجذابة، تحسين جودة اللغة، وإنشاء ملخصات أو تحقيقات مستندة إلى تحليل البيانات. كما تساعد هذه الأدوات الصحفيين في كشف الأخبار الزائفة من خلال فحص الصور والروابط والمعلومات المشكوك فيها بسهولة ويسر.
من الناحية التكنولوجية، توفر المبادرة حزمة إعلامية رقمية مفتوحة المصدر تحتوي على نظام إدارة محتوى بسيط وذكي بالإضافة إلى دعم تحسين محركات البحث وتحليل الجمهور. كما تسعى لإطلاق بنية تحتية عربية للذكاء الاصطناعي تشمل واجهات برمجة التطبيقات باللغة العربية مما يسهل على الصحف الصغيرة دمج قدرات ذكية في مواقعها دون تكاليف باهظة.
وفي مجال التسويق وبناء الجمهورتمنح المبادرة الصحف أدوات تحليلية تلقائية تمكنها من فهم جمهورها وتخصيص المحتوى حسب الاهتمامات والموقع الجغرافي إضافة إلى أدوات لزيادة التفاعل مثل روبوتات الدردشة، التخصيص التلقائي للنشرات البريدية، ومولدات العناوين الجذابة التي تسهم في تعزيز العلاقة مع الجمهور وتوسيع قاعدة المتابعين.
بهذه الطريقة، تقدم مبادرة "الذكاء الاصطناعي في الإعلام العربي" حلولاً شاملة ومتنوعة تساهم في تطوير الصحف الخاصة والمشروعات الإعلامية الصغيرة، وتجاوز العقبات التي تواجهها على مختلف الأصعدة.
ماذا اذا عن الافكار والمقترحات الجديدة التى يمكن ان تساهم بها المبادرة لتطوير الاعلام العربى بشكل عام ؟
توجد العديد من المقترحات الجديدة والمبتكرة التي يمكن أن تُحدث نقلة نوعية في مجال الإعلام العربي عبر استخدام الذكاء الاصطناعي ومن بين هذه الأفكار : بناء أرشيف رقمي عربي ذكي حيث يمكن إنشاء قاعدة بيانات ضخمة تضم أرشيفات الصحف والمجلات والبرامج التلفزيونية التاريخية مع توظيف الذكاء الاصطناعي لفهرستها، تحليلها، وربطها سياقيًا. هذا المشروع لا يقتصر على استرجاع التراث الإعلامي العربي فحسب بل يوفر ايضا أداة تعليمية وبحثية للصحفيين والباحثين والمؤرخين. إلى جانب ذلك هناك حاجة ملحة لتطوير أدوات ذكاء اصطناعي تدعم اللهجات العربية المتنوعة مثل المصرية والخليجية والشامية والمغاربية وليس فقط العربية الفصحى. هذا التوجه من شأنه تمكين إعلام مجتمعي أكثر قربًا من الناس ويساعد في إنتاج محتوى صوتي وبصري باللهجات المحلية التي تزيد من تفاعل الجمهور. ومن جهة أخرى يمكن إنشاء مرصد عربي يعتمد على الذكاء الاصطناعي لرصد التضليل الإعلامي والكشف عن الشائعات والمحتوى المضلل والخطاب التحريضي في الإعلام الرقمي العربي. هذا المرصد سيكون أداة مهمة لتحسين جودة الخطاب الإعلامي وتعزيز ثقة الجمهور بالمحتوى العربي الموثوق. والاهم من ذلك هو إطلاق "وكالة أنباء عربية ذكية" تعتمد بالكامل على الذكاء الاصطناعي في جمع الأخبار، تحريرها، وترجمتها الفورية إلى لغات متعددة كالإنجليزية ، والفرنسية مع تقديم تغطية موحدة لأخبار الدول العربية من منظور عربي. هذا المشروع يمكن أن يساهم في تقديم صوت إعلامي عربي موثوق على الساحة الدولية وتصحيح الصورة النمطية للعالم العربي.
ماذا عن الاثار المباشرة وغير المباشرة المتوقعة لتطبيق المبادرة فى الصحافة والاعلام العربى ؟
الاثار المباشرة قد تتمثل فى ان تطبيق مبادرة "الذكاء الاصطناعي في الإعلام العربي سيترك أثرًا كبيرًا ومتعدد الأبعاد على الإعلام العربي حيث ستساهم المبادرة في تحسين جودة المحتوى وتسريع وتيرة الإنتاج من خلال أتمتة كتابة الأخبار العاجلة وتقارير الأحداث مما يقلل الفارق الزمني بين وقوع الحدث ونشر الخبربالإضافة إلى توفير أدوات تحرير ذكية تدعم الصحفيين في تحسين اللغة والأسلوب، كما ستزيد التفاعل مع الجمهور عبر استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل اهتماماتهم وتخصيص المحتوى لهم فضلاً عن توفير بوتات دردشة تفاعلية وخدمات إعلامية شخصية تعزز من تجربة المتلقي. علاوة على ذلك، ستساعد الأتمتة في تقليل التكاليف التشغيلية عبر تقليل الحاجة إلى فرق كبيرة من المحررين والفنيين، وخفض مصاريف النشر والصيانة التقنية باستخدام حلول ذكية ورخيصة. كذلك، سيمكّن الذكاء الاصطناعي المؤسسات الإعلامية من توسيع نطاق التغطية الإخبارية عبر مراقبة مصادر متعددة ومتنوعة، ما يفتح المجال لتغطية أوسع وأشمل للأحداث.
أما على الصعيد غير المباشر فستعمل المبادرة على رفع مكانة الإعلام العربي في الفضاء الرقمي العالمي من خلال تطوير محتوى عربي عالي الجودة يعزز الهوية الثقافية واللغوية، كما ستسهم أدوات كشف الأخبار الكاذبة والمضللة في تحسين ثقة الجمهور بالمؤسسات الإعلامية ، كما سيحفز هذا التوجه الابتكار الإعلامي عبر دفع المؤسسات لتبني تقنيات حديثة مما يخلق بيئة عمل أكثر ديناميكية وابتكارًا. كذلك ستعيد المبادرة تشكيل نماذج العمل الإعلامي من خلال ظهور أشكال جديدة مثل المحتوى المولد آليًا، الصحافة التنبؤية، والمحتوى المخصص وستدفع نحو تعليم وتدريب أجيال جديدة من الإعلاميين تكون متمكنة تقنيًا وجاهزة لمواجهة تحديات المستقبل.
من هم الشركاء فى هذه المبادرة ؟
يتعاون عدد من الشركاء الأساسيين لضمان نجاح المبادرة وتحقيق أهدافها ، حيث تبدأ الحكومات والهيئات الرسمية مثل وزارات الإعلام والاتصالات بوضع السياسات التنظيمية والإطار القانوني المناسب الذي يُسهل تطبيق المبادرة، إضافة إلى دعمها مالياً وتقنياً وتوفير البنية التحتية الرقمية اللازمة. من جهتها تلعب المؤسسات الإعلامية مثل الصحف والقنوات والمواقع الإخبارية دور التطبيق العملي لأدوات الذكاء الاصطناعي في الإنتاج الإعلامي كما تشارك في تدريب الكوادر وتقديم التغذية الراجعة لتطوير هذه الأدوات. وتأتي الجامعات ومراكز البحث العلمي لتعزز المبادرة من خلال تطوير أبحاث وتقنيات الذكاء الاصطناعي باللغة العربية، وتصميم برامج تدريب متخصصة للصحفيين والفنيين. أما شركات التكنولوجيا ومزودو خدمات الذكاء الاصطناعي فتوفر البرمجيات والأدوات التقنية مثل نماذج اللغة العربية وتحليل البيانات، وتدعم التطوير التقني والتحديث المستمر، وتقدم حلولاً تقنية مخصصة تناسب خصوصية الإعلام العربي. وتلعب المنظمات الدولية والمؤسسات الداعمة دور التمويل للمشاريع التجريبية، وتقديم الخبرات الدولية وأفضل الممارسات، بالإضافة إلى دعم بناء القدرات وتعزيز التعاون الإقليمي. وفي الوقت ذاته، يضطلع المجتمع المدني ومنظمات الصحافة الحرة بضمان الالتزام بالأخلاقيات الإعلامية، وتمكين حرية التعبير، والمشاركة في مراقبة جودة المحتوى والمصداقية.
وكيف يمكن ان نضمن النجاح بين هؤلاء الشركاء ؟
لضمان نجاح مبادرة "الذكاء الاصطناعي في الإعلام العربي " لابد من بناء تعاون فعّال بين الشركاء يقوم على رؤية موحدة وأهداف واضحة تعكس تطلعات الجميع. ويتطلب ذلك وجود إدارة تنسيقية مرنة تُشرف على تقسيم الأدوار بوضوح، وتضع آليات تنظيمية تضمن المتابعة والتقييم المستمر. يتحقق النجاح أيضاً من خلال تفعيل قنوات تواصل مفتوحة، وتوفير الدعم الفني والموارد اللازمة إلى جانب برامج تدريب وتأهيل مستمرة ترفع كفاءة الصحفيين والمبرمجين. كما يُسهم قياس الأداء بمؤشرات دقيقة في توجيه المبادرة نحو تحسين النتائج باستمرار. وأخيراً فإن ترسيخ ثقافة الشراكة القائمة على الثقة والاحترام وفتح المجال للابتكار والشركات الناشئة يشكلان أساساً لاستدامة هذا المشروع الطموح وتوسّعه.
ماهى المراحل الزمنية المتوقعة لتنفيذ المبادرة ؟
لضمان تنفيذ مبادرة "الذكاء الاصطناعي في الإعلام العربي بنجاح داخل قطاعات الإعلام العربي، لا بد من توزيع الجهد على مراحل زمنية مدروسة تمتد لثلاث سنوات على الأقل، تبدأ بمرحلة الإعداد والتأسيس، وتمتد إلى التجريب، ثم التوسع، وصولًا إلى التقييم والتطوير المستدام.
كيف يمكن للصحفيين والاعلاميين إنجاح هذه المبادرة ؟
يُعد المشاركة الفعالة فى برامج التدريب للتقنيات الجديدة من قبل الصحفيين خطوة محورية في نجاح مبادرة الذكاء الاصطناعي في الإعلام العربي فهم الفئة التي ستتعامل يوميًا مع هذه الأدوات في جمع المعلومات، وإعداد التقارير، وتحرير الأخبار، وتحليل البيانات. لذا فإن مدى قبولهم لهذه التقنيات وتفاعلهم معها سيكون العامل الحاسم في فاعليتها وقدرتها على تطوير المحتوى الإعلامي. ومن خلال هذه الأدوات يستطيع الصحفيون تحسين جودة المحتوى وتعزيز مصداقيته، إذ تُسهِم التكنولوجيا في تدقيق الأخبار، والتقليل من الأخطاء، ورصد الأخبار الكاذبة، وهو ما يمنح الإعلام العربي قوة وثقة أكبر لدى جمهوره. ولا يقتصر دورهم على الإنتاج فقط، بل يمتد إلى التفاعل الذكي مع الجمهور وتقديم تغذية راجعة مهمة تسهم في تحسين أدوات الذكاء الاصطناعي وتطويرها لتكون أكثر توافقًا مع طبيعة العمل الإعلامي ومتطلباته ،وهنا يصبح دورهم ليس فقط مستخدمًا للتقنية بل مساهِمًا في تشكيلها. في المحصلة يمثل مجتمع الصحفيين والاعلاميين قلب هذه المبادرة وروحها فهم الجسر الحقيقي بين التكنولوجيا والجمهور، وبمشاركتهم الفعالة فقط يمكن تحويل الذكاء الاصطناعي من أداة تقنية إلى وسيلة مؤثرة في نهضة الإعلام العربي ودعم حضوره في الفضاء الرقمي العالمي.
"فى الختام لا تمثل مبادرة "الذكاء الاصطناعي في الإعلام العربي" مجرد محاولة لإدخال أدوات تقنية جديدة في منظومة العمل الإعلامي بل تُعد رؤية استراتيجية شاملة تهدف إلى إعادة بناء الإعلام العربي على أسس تواكب العصر وتحافظ في الوقت ذاته على خصوصيته الثقافية واللغوية. لقد أصبح من الضروري اليوم أن يتجاوز الإعلام العربي أزماته التقليدية ويتجه نحو تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي ليس فقط لتحسين الأداء ومواجهة مشكلات عديدة بل لتعزيز التفاعل مع الجمهور واستعادة الثقة وتقديم محتوى أكثر تأثيرًا وارتباطًا بالواقع العربي والجمهور . ان نجاح هذه المبادرة يتوقف على مدى التزام الأطراف المعنية من مؤسسات إعلامية، وجهات حكومية، وشركات تكنولوجيا، وصحفيين بالعمل المشترك والتطوير المستمر فالذكاء الاصطناعي لا يغني عن العنصر البشري، بل يفتح أمامه آفاقًا جديدة للإبداع والتميز. إن هذه الخطوة قد تشكل نقطة تحوّل حقيقية تُعيد للإعلام العربي دوره الحيوي في التنوير والتأثير وتضعه في موقع فاعل داخل المشهد العالمي المتغير بسرعة" .