هل تتغلب التكنولوجيا على الإنسان في سباق تصميم مستقبل المجتمعات والأنظمة والصحة؟

  •  

     

     

     

    • ريتشارد ويز: الفضول تجاه المستقبل لغة عالمية للبشرية
    • إيلودي فريمان: الغابات ستكون صيدليات المستقبل
    • رينيه روربك: الشركات التي تستشرف المستقبل ستنمو أسرع من منافسيها بثلاثة أضعاف
    • أندور جاردنر: الانسجام مع الطبيعة يساهم بالوقاية من الأمراض بدلًا من البحث عن حلول بعد وقوع المشكلات
    • أناتولا أرابا: تمكين المشاع الإبداعي وتعزيز الوصول المفتوح إلى المعرفة والثقافة لا يقل أهمية عن حماية الحقوق الفردية في عصر الذكاء الاصطناعي
    • سليمة إكرام: الذكاء الاصطناعي يحوّل دروس الماضي إلى أدوات لتصميم مستقبل قائم على التعاون والانسجام والنمو المستدام
    • هزاع النعيمي: دبي تطور جاهزية مستقبلية محورها الإنسان بالتركيز على بناء القدرات، وترسيخ ثقافة الاستعداد لفرص المستقبل، وتعزيز المهارات القيادية
    • فالنتين فولكوف: تقنية المراقبة البصرية باستخدام الموجات القريبة ستتيح في المستقبل القريب متابعة فورية لمؤشرات صحية متعددة

     

    كتب : محمد الخولي

     

     توقّع خبراء دوليون في اليوم الأول من "منتدى دبي للمستقبل 2025"؛ أكبر تجمع عالمي لخبراء ومصممي المستقبل ومؤسساته الدولية من حوالي 100 دولة في "متحف المستقبل"، أن تكون الآفاق المستقبلية للمجتمعات والأنظمة والصحة العالمية مجهولة ما لم يتعزز الوصول المفتوح إلى المعرفة الإنسانية والتقنيات الذكية التي تلعب دوراً حاسماً في تصميم المستقبل وصناعة فرصه بشكل متوازن يشمل أثره الإيجابي جميع الفئات والقطاعات والأجيال.

    جاء ذلك خلال جلسات تخصصية شارك فيها المتحدثون وناقشت المحاور الرئيسة الخمسة التي يبحثها منتدى دبي للمستقبل هذا العام وهي نظرة متعمقة في المستقبل، استكشاف المجهول، مستقبل المجتمعات، مستقبل الصحة، مستقبل الأنظمة.

    قياس الاستعداد

    وضمن محور نظرة متعمقة في المستقبل، ناقشت جلسة حوارية رئيسية كيفية تقييم الجاهزية للمستقبل وأدواتها، بمشاركة الدكتور رينيه روربك، رئيس كرسي الاستشراف والابتكار والتحول في كلية EDHEC للأعمال في فرنسا، والدكتور هزاع خلفان النعيمي، مساعد الأمين العام لقطاع التميز والخدمات الحكومية بالأمانة العامة للمجلس التنفيذي لإمارة دبي، والدكتورة هبة شحادة، قائدة فريق الاستشراف بمؤسسة دبي للمستقبل.

    وأكد المتحدثون ألّا فائدة فعلية ترجى من الاستشراف ما لم يقترن بآليات وأدوات قياس عملية ومعيارية ومعتمدة لتقييم مستويات الاستعداد لتحديات وفرص المستقبل، وربط السياسات والاستراتيجيات المستقبلية بذلك الاستشراف.

    وأكد الدكتور هزاع النعيمي على أهمية بناء الثقة بين الجميع من جهات حكومية ومتعاملين وشركاء في مختلف القطاعات كأساس لتحقيق التميّز والريادة في الخدمات الحكومية التي تشكل الأساس الفعلي لتصميم مستقبل يمكّن الأفراد والمجتمعات ويحقق الاستباقية والمرونة والرقمنة وتكامل الخدمات والتجارب الحكومية المبتكرة.

    وعن أهمية مؤشرات الجاهزية للمستقبل في دبي قال الدكتور النعيمي: "دبي تحقق جاهزية مستقبلية محورها الإنسان من خلال التركيز على بناء القدرات، وترسيخ ثقافة الاستعداد لفرص المستقبل، وتعزيز المهارات القيادية لتحويل تلك الفرص إلى واقع على الأرض بالتكامل بين الإبداع البشري والتقدم التكنولوجي، مع التقييم المستمر للأداء ومراجعته بالتعاون بين الجميع."

    بدوره، اعتبر روربك أن التحدي اليوم لم يعد امتلاك البيانات والرؤى من قبل المؤسسات؛ بل أصبح يكمن في بناء فهم مشترك للمستقبل، والقدرة على المساهمة الفاعلة في عملية صنع القرار في المستقبل.

    ولفت روربك إلى أن الشركات الحريصة على استشراف وتخطيط وتصميم فرص المستقبل قادرة على النمو بشكل أسرع بثلاثة أضعاف من منافسيها.

    استشكاف بلا حدود

    وفي جلسة بعنوان "كيف تلهمنا دروس الماضي لتصميم مستقبل أفضل؟" ضمن محور استشكاف المجهول بالمنتدى، اعتبرت الدكتورة سليمة إكرام، أستاذة علم المصريات بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، في الجلسة التي أدارها الدكتور آرون مانيام من "جامعة أوكسفورد، أن صدى أنماط الماضي الحضارية الناجحة يتردد عبر مختلف الحقب الزمنية، مضيفةً: "لا بد لنا من تقدير قصتنا الإنسانية المشتركة، والموازنة بين الابتكار والحكمة، مع استخدام الذكاء الاصطناعي بحذر، لتحويل دروس الماضي إلى أدوات لتصميم مستقبل قائم على التعاون والانسجام والنمو المستدام."

    من جهته، أكد ريتشارد ويز، رئيس نادي المستكشفين العالمي، في جلسة بعنوان "استكشاف الغد: هل للاستكشاف حدود؟" أن الفضول المعرفي والإنساني تجاه المستقبل لا حد له منذ فجر البشرية، وأنه المورد الأهم في رحلة الحضارة الإنسانية نحو التقدم المستمر، وأن الحدس في عصر التكنولوجيا ليس مجرد فطرة إنسانية بل بوصلة، وأن التعاطف لا يزال مصدر قوة للبشرية، مضيفاً: "لا بد لنا من احترام تنوع وجهات النظر لجعل التواصل الثقافي والحضاري شرارة تصنع مستقبلاً أكثر انسجاماً وتوازناً."

    وقال ويز إن أهمية الفضول تكمن في كونه لغة عالمية للبشرية، مشيراً إلى أن تشجيع مشاركة القصص، والاستكشاف بجرأة، والتحلي بالأمل تمثل أدوات لإطلاق العنان لقدراتنا على التواصل والإبداع وإيجاد حلول حقيقية لتحديات المستقبل. واختتم بالقول: "كل سؤال نطرحه وكل مغامرة نخوضها تقربنا أكثر فأكثر من فهم أنفسنا والعالم الذي نتمنى صنعه لأجيال المستقبل."

    تخيّل وتخطيط

    وضمن محور مستقبل المجتمعات، وفي جلسة مخصصة للمواهب الشابة ضمن برنامج زمالة المستشرفين الشباب التابع لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف"، عرضت الشابة بياتريس ويلسون، عضو البرنامج، أهمية تمكين الأجيال الصاعدة بمهارات وأدوات استشراف المستقبل من خلال مبادرات بناء القدرات المدعومة من القطاعين الحكومي والخاص والمنظمات الأممية والمؤسسات الدولية.

    ودعت ويلسون إلى تدريب كلٍ من المعلمين والمتعملين على كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي بفعالية، حتى يتمكنوا من الاستفادة منه بشكل أفضل في بيئات تشاركية. كما سلّطتُ الضوء على محو الأمية الإعلامية والمعلوماتية للتصدي لتحيّز وهلوسات الذكاء الاصطناعي، وتحديد المعلومات المضللة.

    وفي جلسة أخرى في نفس المحور، دعا سنام كوفي أغبودجينو، مؤسسة مبادرة "وولاب" لمراكز التكنولوجيا في توغو، وتريسي وورلي، مؤسِسة "راديكال فيوتشرز"، إلى تضمين الاستشراف المبني على البيانات والمعلومات والتقنيات الذكية في تصميم سياسات واستراتيجيات مستقبل القارة الأفريقية ومجتمعات العالم ككل.

    وشدد المتحدثان في جلسة بعنوان "كيف يشكل الخيال مستقبل أفريقيا؟" ضمن محور مستقبل المجتمعات على أهمية الرؤى الطموحة التي تحملها أجيال الغد في بناء مستقبل مليء بالفرص للمجتمعات في قارة أفريقيا.

    وأكدا على أهمية الطموح لصناعة الواقع، وعلى ضرورة توسيع آفاق الخيال لرسم تصورات مستقبلية بديلة للسرديات السائدة، داعين إلى إبراز وجهات النظر الإفريقية وإمكاناتها في إعادة تصور الأنظمة المستقبلية، والانتقال من ردود الفعل تجاه الأنظمة الحالية إلى بدء حوارات حول النظم المجتمعية المرغوبة.

    صحة أفضل

    بدوره، توقّع الدكتور فالنتين فولكوف، مؤسس "إكسبانسيو" أن تقود التقنيات غير المرئية مستقبل الرعاية الصحية في مدن ومجتمعات الغد، مؤكداً أن الرعاية الصحية والقدرات البشرية ستتعزز مستقبلاً من خلال استخدام المواد المتقدمة والمنتجات الحيوية النانوية متناهية الصغر لتعزيز الحواس، وفي مقدمتها البصر.

    وفي جلسة بعنوان "كيف ستقود التكنولوجيا غير المرئية مستقبل الرعاية الصحية"، ضمن محور مستقبل الصحة، قال فولكوف إن التعايش مع التقنيات الذكية والمستقلة سيصبح واقعاً في مستقبل الرعاية الصحية مشيراً إلى أن تقنية المراقبة البصرية باستخدام الموجات القريبة تتيح متابعة فورية لمؤشرات صحية متعددة، تشمل جفاف العين، ودرجة الحرارة، ومعدل ضربات القلب، وضغط العين الداخلي، مما يعزز القدرة على التشخيص المبكر وتحسين جودة الرعاية الصحية.

    من جهته، أوضح رومان أكسلرود من الشركة نفسها أن الجيل القادم من تقنيات مراقبة الصحة يتطلب قدرات عالية في الحوسبة، مشيرًا إلى أن شركة اكسباسيو تعتمد على أجهزة مراقبة الصحة وتقنيات الذكاء الاصطناعي لاتخاذ قرارات دقيقة. وأضاف أن الأجهزة القابلة للارتداء توفر بيئة مثالية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، مما يسهم في تطوير حلول صحية أكثر كفاءة.

    وضمن محور مستقبل الصحة أيضاً، أكدت الدكتورة إلودي فريمان أستاذة الحفاظ على الطبيعة في جامعة براون، والدكتور أندرو جاردنر ، المدير المساعد لإدارة الحفاظ على التنوع الحيوي بجمعية الإمارات للطبيعة، أن الرعاية الصحية المستقبلية سوف تستوحي المزيد من الممارسات الصحية الذكية من البيئة الطبيعية المحيطة بنا بالاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي على تحليل بياناتها الضخمة بسرعات هائلة.

    وفي جلسة بعنوان "هل يمكن أن نستلهم من الطبيعة ابتكارات تشكل مستقبل الصحة؟" شدد الخبيران على ضرورة الحفاظ على الغابات وتنوعها الحيوي كونها تشكل صيدلية لابتكار أدوية مستقبلية نوعية بمساعدة الذكاء الاصطناعي.

    وأوضح أندرو غاردنر أن صحة الإنسان ترتبط ارتباطًا وثيقًا بصحة البيئة، وأن العديد من الأمراض المزمنة ما هي إلا انعكاس للتأثيرات السلبية التي نحدثها في البيئة. وأكد أن جهود الجمعية تركز على تشجيع المجتمعات للعيش في انسجام مع الطبيعة كوسيلة وقائية للأمراض، بدلًا من البحث عن حلول بعد وقوع المشكلات.

    ومن جانبها، أشارت إيلودي فريمان إلى أن الطبيعة غنية بمركبات دوائية طبيعية تنتجها النباتات كآلية دفاعية ضد المخاطر التي تواجهها، مضيفة أن الأبحاث تسعى إلى تحديد المسارات الكيميائية الحيوية التي طورتها النباتات، بهدف تطوير شبكة علاجية قائمة على الطبيعة وتوسيع آفاق الطب لتحقيق مستقبل صحي أفضل للبشرية.

    أنظمة مستقبلية مرنة

    وضمن محور مستقبل الأنظمة، وفي جلسة بعنوان "صعود روّاد الأعمال المائية"، أكد محمد شلباية، رئيس مجلس إدارة شركة "بيبسيكو" لقطاع المشروبات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على أهمية الاستثمار العالمي والزخم المُتزايد حول حلول المياه التي يقودها الشباب، داعياً إلى تمكين رواد الأعمال من الأجيال الشابة من المساهمة في إحداث تحوّل مستدام يقلب تحدي شح المياه إلى فرص لبناء مستقبل مرن يحقق الأمن المائي.

    وأكّد شلباية على ضرورة بناء منظومات ريادية متكاملة تجمع بين التكنولوجيا والتمويل والشراكات متعددة الأطراف، مؤكداً أن الحلول المستدامة لأزمة المياه تتطلب تضافر الجهود بين القطاعين العام والخاص ودعم الابتكار الشبابي.

    وقال: "تمكين الجيل الجديد من رواد الأعمال وتزويدهم بالمعرفة والموارد يفتح آفاقاً لتحويل ندرة المياه إلى فرصة اقتصادية واجتماعية، ويحتاج ذلك إلى تحالف حقيقي بين الحكومات والمؤسسات والمستثمرين والمجتمعات المحلية ورواد الأعمال والمبتكرين الشباب. فعندما تتوحد هذه القوى حول هدف مشترك، يمكننا إحداث نقلة نوعية تضع منطقتنا في طليعة الابتكار المائي وتبني مستقبلاً أكثر مرونة وازدهاراً للجميع."

    بدورهما، دعا كلٌ من أندرو ستينز، الأمين العام المساعد للمنظمة العالمية للملكية الفكرية، وأناتولا أرابا، مؤسِسة مختبر "ري إيماجن ستوري لاب"، في جلسة بعنوان "هل أنظمة الملكية الفكرية الحالية جاهزة للمستقبل؟" إلى تطوير نظام الملكية الفكرية الحالي بسرعة كافية تواكب توسع الابتكار بمعدلات غير مسبوقة، لتمكين المبتكرين في بيئة جديدة تتيح الإبداع، في أي مكان وفي أي وقت.

    وقال ستينز: "الملكية الفكرية ليست مجرد آلية قانونية، بل هي البنية التحتية الأساسية التي تتيح للإبداع البشري البقاء والازدهار وتحقيق أثر حقيقي في العالم. فمنذ البدايات، كان الإبداع والخيال في صميم ما يجعلنا بشراً. ومع دخولنا عصراً يطمس فيه الذكاء الاصطناعي الحدود بين الإبداع البشري والآلي، يجب أن يتطور نظام الملكية الفكرية ليعالج أسئلة جديدة حول الأصالة والملكية. ويجب أن تتكيف أطرنا مع دورات الابتكار السريعة، وطبيعة المحتوى الرقمي، والأهمية المتزايدة للهوية الشخصية بل وحتى الوعي كأشكال جديدة للملكية."

    بدورها، أشارت أناتولا أرابا إلى أن مفهوم الملكية الفكرية قد تطوّر من كونه قانونياً إلى أن أصبح بمثابة الغلاف الجوي الذي يحمي ويغذي الخيال الإنساني الجمعي، ويتيح للأفكار أن تزدهر وتتواصل وتتطور مثل الخلايا الحية في الطبيعة، معتبرةً أن مستقبل الملكية الفكرية يجب أن يستند إلى مبادئ المشاركة والملكية المشتركة، بما يتيح لمزيد من المبدعين وخاصة الشباب فرصة تشكيل وحماية قصصهم وابتكاراتهم بأنفسهم، وأن تمكين المشاع الإبداعي وتعزيز الوصول المفتوح إلى المعرفة والثقافة لا يقل أهمية عن حماية الحقوق الفردية، خاصة في عصر تتسارع فيه التقنيات وتنتشر فيه الأعمال المولّدة بالذكاء الاصطناعي والهويات الرقمية.

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن