بقلم : خالد حسن
يشهد العالم الافتراضي حاليا حربا متنامية بين المواقع الإلكترونية للسيطرة على كعكة الإعلانات الرقمية ، والتي تتجاوز نحو 50 % من حجم سوق الإعلانات العالمية خلال عام 2020 والتي تجاوزت نحو 600 مليار دولار ، وفقا لتقديرات وكالة الإعلانات زينيث أوبتيميديا" ، ومن المتوقع أن تصل إلى 770 مليار دولار في عام 2024 في ظل حالة المنافسة السوقية السائدة والقوية التي تعيشها غالبية الشركات والمؤسسات في مختلف دول العالم، سعياً منها إلى تعظيم مبيعاتها بالاعتماد على زيادة إنفاقها على الحملات الإعلانية والتسويقية ومن ثم تعزيز فرص الربح لديها.
إلا أن شبكات التواصل الاجتماعي العالمية " الفيسبوك واليوتيوب وتويتر وجوجل " تستحوذ حاليا على نصيب الأسد من كعكة الإعلانات العالمية حصة فمثلا من المتوقع أن تصل حصة جوجل إلى 90 مليار دولار في عام 2021 من الإعلانات حيث تعد الإعلانات منجم الذهب والمورد المالي الرئيسي لتحقيق هذه الشبكات أرباحا متزايدة بصورة تتجاوز 50 % سنويا .
ومنذ سنوات دخل لسوق الإعلانات ضيف جديد وهو إعلانات مقاطع الفيديو والتي نجحت في تحقيق معدل نمو تجاوز 18 % سنويا بل إن البعض يتوقع أن تصل إلى 34 مليار دولار في عام 2020 الأمر بالطبع الذي أدى لزيادة حدة الحرب بين الكبار خاصة إذا أخذنا في الاعتبار تزايد قاعدة مستخدمي الإنترنت عبر الهواتف الذكية مما سهل من عملية تصفح المحتوى مقاطع الفيديوهات حيث استفادت منصات وسائل التواصل الاجتماعي من سرعة اعتماد التكنولوجيا على الهواتف الذكية ، بحيث تمكن المعلنون من الدخول إلى حياة المستهلكين اليومية حيث باتت تشكل وسائل التواصل الاجتماعي نقطة محورية في حياتهم الاجتماعية وكذلك المصدر الرئيسي للأخبار وعليه فإن الإعلانات المنشورة على هذه الوسائل تمر بسلاسة على حساباتهم، وهي أكثر فعالية من الإعلانات الأخرى .. خاصة على الأجهزة المحمولة .
ومع تغلغل الإعلانات في حياتنا اليومية وفي كل وسائل التواصل والإعلام حولنا بل وأخيرا الدخول إلى أحلامنا ـ نعم أحلامنا أثناء النوم عبر ما يعرف بمشاريع " حضانة الأحلام " وهو ما دعا علماء ينبهون لضرورة إصدار قوانين للتعامل مع استخدام أحلام البشر كمنصة للإعلانات التجارية وبالتالي فإن هذه التجارب ربما تجعل من فيلم الخيال العلمي الشهير إنسيبشن"" Inception حقيقة !
حيث أصدار مجموعة من العلماء ، تتكون من 40 عالما من 11 دولة مختلفة في العالم، تحذيرا من نوع جديد ناشئ من الإعلانات التجارية أسموه " التلاعب المنامي التجاري " تحاول فيه الشركات التلاعب بأحلام البشر .
واتهم العلماء مجموعة من الشركات منها كورز لايت” (Coors Light) و”مايكروسوفت” (Microsoft) و”سوني” (Sony) و”بيرجر كينج” (Burger King ) بتجريب طرق لإعادة تصميم محتوى أحلام البشر، وهو الأمر الذي دفع العلماء ، المتخصصين في علوم النوم والدماغ ، لكتابة رسالة مفتوحة دعوا فيها إلى زيادة الرقابة الحكومية على هذه التجارب مؤكدين في رسالتهم “بصفتنا باحثين في مجال النوم والأحلام وعلوم الدماغ، فإننا نشعر بقلق عميق بشأن خطط التسويق التي تنتهجها بعض الشركات بهدف تحقيق أرباح على حساب التدخل في أحلام البشر الطبيعية. ونحن نعتقد أن هناك حاجة ماسة وملحة لاتخاذ إجراءات استباقية وسياسات وقائية جديدة لمنع هذه الشركات من التلاعب بأحد الملاجئ الأخيرة لعقولنا وذواتنا المحاصرة بالفعل.. أحلامنا”.
وكانت هذه الشركات قررت التعاون مع الباحثين لإجراء تجارب تستهدف وصول إعلانات منتجاتها لأحلام البشر وذلك بالتزامن مع التقدم الكبير في أبحاث النوم والقدرة على التأثير على الأحلام وذلك من خلال "تصميم إعلانات يمكنها أن تدخل أحلام المستهلكين باستخدام مقاطع صوتية ومصورة"، وفقاً لموقع مجلة العلوم "ساينس ماغ". ولكن مع الاقتراب من تحقيق ذلك الأمر، أطلق 40 باحثاً الأسبوع الماضي دعوة للتعامل القانوني مع ما وصفوه بـ”التلاعب المنامي التجاري".
وأكد العلماء في خطابهم المنشور على الإنترنت أن ”الإعلان عبر حضانة الأحلام ليست نوعاً من التحايل الطريف، ولكنه منحدر زلق ذو عواقب حقيقية" والمقصود بحضانة الأحلام " Dream Incubation " هو استخدام البشر صورا أو أصواتا أو غيرها من الاشارات الحسية لتشكيل الرؤي التى يحلمون بها ليلا .
من ناحية أخرى الخبراء ان محاولات التلاعب بالأحلام لا يعد أمرا حديثا، إذ تعود تاريخياً لعصور سابقة، حيث ابتكر البعض طقوساً وتقنيات بغرض التأثير على الأحلام أثناء النوم عبر التأمل أو الرسم أو الصلاة أو حتى استخدام مواد مخدرة. فعلى سبيل المثال، اعتاد اليونانيون في القرن الرابع قبل الميلاد، لدى إصابتهم بالمرض، النوم داخل معابد الإله أسكليبيوس، على أمل الكشف في الحلم عن طريقة العلاج، وفقاً لموقع مجلة العلوم.
وبعد مرور آلاف السنين، نجح العلماء حديثاً في " تحديد المرحلة التي تحدث فيها غالبية الأحلام" من خلال مراقبة موجات المخ وحركات العين وحتى صوت الشخير واكتشف العلماء أيضاً إمكانية ”تعديل محتوى الأحلام باستخدام مؤثرات خارجية كالأصوات والروائح والضوء والكلام"، كما تمكنوا من الحديث مع الحالمين اثناء نومهم وفقا لنتائج دراسة سابقة .
وفى هذا الإطار حذر الباحث بمعهد ماساتشوستس للتقنية في الولايات المتحدة، والمشارك في كتابة الخطاب، آدم هار، من أن البشر " غير محصنين" وأكثر عرضة للخضوع للاقتراحات أثناء النوم تحديداً، على حد تعبيره حيث نجح بدوره في اختراع قفازات يمكنها تتبع انماط النوم وإرشاد مرتديها للحلم بأمور محددة، باستخدام مؤثرات صوتية عند وصول النائم لأكثر مراحل النوم عمقاً، وفقاً للمختبر الإعلامي للمعهد.
ويخشى الموقعون على الخطاب من أن يؤدي عدم وجود قوانين مختصة بمسألة استخدام الأحلام كوسيلة للإعلانات إلى ”احتمال قيام الشركات يوماً ما باستخدام مكبرات صوت ذكية للتعرف على مراحل نوم البشر، وتشغيل أصوات يمكنها التأثير على أحلامهم وسلوكهم .
فى تصورى أنه من المهم أن يكون هناك تحرك محلي ودولى واسع لاتخاذ إجراءات قانونية إستباقية وسياسات وقائية جديدة من خلال التنسيق الدولى وعبر منظمة الأمم المتحدة لإصدار قوانين ومواثيق تشريعية دولية لمنع انتشار مثل هذه السياسات الاعلانية التجارية الجديدة ومنعها من التلاعب بعقولنا ومحاصرة واختراق اخر مواقع الدفاع عن خصوصيتنا وأنفسنا ، وهى " أحلامنا " ، ويكفى ما نعانيه حاليا من تغلغل لا محدود للإعلانات في حياتنا .