بقلم : خالد حسن
بصرف النظر عن آراء الخبراء والتقارير الدولية والتي تؤكد جميعها أن العالم يتجه نحو نظام عالمي جديد واختلاف البعض حول شكل نظام العولمة الاقتصادية الحالي والاقتصاد الحر القائم على " دعه يعمل دعه يمر " وفقا للاستغلال الأمثل للموارد المتاحة سوف يشهد تغييرا كليا في ضوء ما أسفرت عنه جائحة فيروس كورونا " كوفيد _ 19 " والتي انتشرت في غالبية دول العالم والخسائر المالية التي ضربت معظم القطاعات الاقتصادية إلا الفائز الحقيقي من وراء هذه الأزمة هو قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات " CIT ".
حيث كانت من أهم تداعيات الفيروس هو انتشار شعار " خليك بالبيت " وتزايد دعوة الحكومات لشعوبها للالتزام بعدم الخروج من المنزل إلا للضرورة القصوى ، منذ نحو شهرين تقريبا على مستوى العالم ، مع إغلاق الكثير من المحلات التجارية وتقليل وقت وجود الموظفين الحكوميين بالجهات والوزارات الحكومية وتزايد الأمر إلي القيام بفرض بعض الدول لحظر تجوال جزئي أو شامل لضمان محاصرة انتشار الفيروس وهنا جاء دور أدوات وحلول تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في توفير أداة جديدة للتواصل سواء فيما بين المواطنين وأسرهم أو بين الموظفين وشركاتهم أو بين الشركات وعملائها أو بين الجهات الحكومية والمواطنين ,
ونجح قطاع " CIT " بصورة كبيرة جدا ، خلال الفترة الماضية أن يقدم نفسه للجميع على أساس أنه النواة الاستراتيجية ليس لتطوير وتحسين جميع الخدمات ، سواء القطاع الحكومي أو الخاص فقط، وإنما هو شريان الحياة الرئيسي في ظل ما يعرف بالحياة الرقمية .. ناهيك عن كونه الأداة البديلة " المثلى " للحفاظ على دورة الحياة الاقتصادية في الكثير من القطاعات وميكنتها بما يقلل من أخطاء العنصر البشري .
ولعل من أهم إيجابيات جائحة فيروس "كورونا "بالنسبة لقطاع " CIT " أنها أكدت عظم الجدوى الاقتصادية للاستثمارات المالية التي ضخها في هذا القطاع سواء أكانت اسثمارات من جانب القطاع الخاص أم الحكومة بل وأكدت ضرورة مضاعفة هذه الاستثمارات خلال السنوات القادمة ليس لمجرد العائد الاستثماري الضخم منها ولكن كونها باتت تمثل مطلبا أمنا قوميا بالمعنى الحرفي للكلمة ، على غرار توفير المياه لحياة المصريين ، وبدون توافر بنية تحتية قوية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات يمكن ان تكون مصر خارج منظومة الاقتصاد العالمي الذي يتجه بمنتهى القوة نحو الرقمنة والاعتماد على التكنولوجيا للحفاظ على مكانته ومكاسب أهم اللاعبين الدوليين .
كذلك أثبت القطاع أنه أهم أحد أدوات توازي القوى في عصرنا الحالي فالدول التي نجحت بالفعل استثمار بنيته التكنولوجية والتحتية للاتصالات كانت هي الأكثر قدرة على مواجهة تداعيات الفيروس سواء من خلال تطبيق منظومة " العمل على بعد" للحفاظ على العمالة في مختلف مؤسساتها أو من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة ، الذكاء الاصطناعي والروبوتات وإنترنت الأشياء والحوسبة السحابية، في تطوير ورفع كفاءة العملية الإنتاجية مما يعني تحقيق الهدف الإنتاجي في وقت زمني أقل وتقليل تواجد الموظفين في أماكن العمل الفعلية بالإضافة إلى تحسين جودة المنتجات بصورة كبيرة بل وتحقيق أهداف التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة .
كما نجح القطاع بصورة كبيرة في كسب ثقة الكثير من المواطنين والذين كانوا وما زالوا يتشككون في قدرة هذا القطاع وذلك من خلال دوره في رصد المصابين ومراقبة انتشار الفيروس وإنتاج أجهزة التنفس الاصطناعي بجانب استخدام تطبيقات المحمول للتوعية وتقديم المساعدة الفورية وغيرها من الخدمات التي تشغل بال الكثير من المواطنين والمصابين علاوة على دور هذا القطاع في المسئولية المجتمعية حيث يمكن أن نطلق عليه القطاع الرائد للمشاركة بقوة في مواجهة كل التحديات المجتمعية وعلى رأسها العمالة المتضررة من تطبيق الإجراءات الاحترازية للحيلولة دون انتشار فيروس كورونا .
ومن المهم أيضا الإشارة إلى نجاح القطاع في تقديم العديد من الحلول التكنولوجية الإيجابية علي غرار حلول الدفع الإلكتروني كذلك حلول التجارة الإلكترونية والتي كانت بمثابة الحل الأمثل لتلبية احتياجات المواطنين من السلع الغذائية وكل السلع والمنتجات بما ساهم بصورة كبيرة في الحد من ازدحام وتكدس وتواجد المصريين في الأماكن والشوارع ومن ثمة تغيير الكثير من العادات الاستهلاكية التقليدية للمستخدمين .
وفي تصوري أن قطاع " CIT " يمكنه ان يكون له دور إيجابي ملموس في تطوير كل من مجالي الصحة والتعليم من خلال الاستفادة من الحلول المحلية الحالية أو تطوير حلول جديدة للتوسع في تطبيق منظومات " الصحة عن بعد " لتلبي احتياجات المواطنين لاسيما في الأماكن الجغرافية البعيدة عن المستشفيات خاصة في ظل القصور والعجز الكبير الذي كشفت عنه جائحة " كورونا " في منظومة الصحة في الكثير من الدول كذلك التوسع في تطبيق منظومة " التعليم عن بعد " عبر منصات إلكترونية متخصصة لتقديم المناهج الدراسية بصورة ابتكارية وتفاعلية بين الطالب والمعلم وتقديم بديل للذهاب إلى المدارس والجامعات بما يعنى فتح آفاق جديدة للعملية التعليمية قائمة على التفكير والابتكار والبحث بدلا من الحفظ والتلقين .
وبالطبع فإن استمرار الدور الإيجابي للقطاع يعتمد بدرجة كبيرة على مدى قدرة الدولة المصرية في تلبية الاحتياجات الأساسية لهذا القطاع ومساعدتها باعتبار أن تكنولوجيا المعلومات هي أهم صناعات المستقبل ، وليس صناعة عالية المخاطر ، ومن ثمة فإنه يجب تسهيل إجراءات حصول شركات التكنولوجيا المحلية على التمويل الذي تحتاج إليه وكذلك مساعدة الشركات الناشئة وأصحاب الأفكار الابتكارية في تنفيذ مشروعاتهم وتطوير حلولها لترجمتها في صورة منتجات وتطبيقات ملموسة لتلبية الكثير من الاحتياجات وبما يساهم في تحسين حياتنا اليومية .
في النهاية نتوقع ونتطلع أن تقود الدولة المصرية ، ممثلة في الحكومة ، في قيادة ضخ الاستثمارات المالية في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية للاستفادة من الفرص والإمكانيات التي يتيحها هذا القطاع خاصة مع الدعم الكبير الذي يوليه الرئيس عبد الفتاح السيسي ـ رئيس الجمهورية لدعم عمليات التحول الرقمي وفقا لرؤية مصر 2030 وما يستتبع ذلك من التوسع تدريب وتأهيل الكوادر البشرية على التقنيات الحديثة.