تطورات تقنيات الوصول اللاسلكي الثابت (FWA) والشبكات المفتوحة تعيد تشكيل مستقبل الاتصال

  • كتب  : ساره نور الدين

     

    إن زخم تكنولوجيا الجيل الخامس (5G) لا يقتصر على تقديم سرعات أعلى للهواتف الذكية فحسب، بل إنه يُعيد صياغة طريقة بناء الشبكات وتوصيل خدمات الإنترنت الثابت (Fixed Wireless Access – FWA). تُشير الإعلانات الأخيرة في المؤتمر العالمي للجوال MWC2025، والتي تضمنت حلول FWA المتطورة وتبني معماريات Open Radio Access Network (Open RAN)، إلى نقطة تحول محورية في صناعة الاتصالات.

     

    وكان من أبرز الإطلاقات، 4 تحديثات تعتبر ثورية إن صح القول أعلنت عنها كوالكوم Qualcomm، ولكن بدلاً من التركيز على براعة Qualcomm التكنولوجية، سنتناول هنا كيف يمكن لهذه الابتكارات أن تُعيد تشكيل منظومة الاتصال العالمية.

     

    إعادة تعريف الوصول الثابت اللاسلكي (Fixed Wireless Access – FWA)

    شكّل الإعلان عن منصة Dragonwing FWA الجيل الرابع Dragonwing FWA Gen 4 Elite حدثاً مثيراً في عالم التكنولوجيا يستحق التوقف عنده. تخيل الإنترنت كطريق سريع، وهذه المنصة الجديدة هي بمثابة طريق سريع متعدد الحارات يمكنه نقلك بسرعة مذهلة. تتميز هذه المنصة بقدرات استثنائية تتجاوز التوقعات التقليدية، حيث تعِد بسرعات تنزيل مذهلة تصل إلى 12.5 جيجابت (Gigabit) في الثانية وهو ما يعني أنك ستتمكن من تحميل فيلم كامل عالي الجودة في أجزاء من الثانية.

     

    كيف تُعيد التطورات في تقنيات الوصول اللاسلكي الثابت (FWA) والشبكات المفتوحة تشكيل مستقبل الاتصال

    ما يجعل هذه المنصة فريدة هو دمجها المتقدم لتقنيات الذكاء الاصطناعي مباشرة على الأجهزة. تخيل سائقاً محترفاً يتحكم في هذا الطريق السريع، يتوقع الازدحام، ويختار أفضل المسارات، ويضبط السرعة تلقائياً. هذا الذكاء يعزز الأداء بقوة حوسبية مذهلة تصل إلى (40 TOPS) وهي اختصار للعمليات الحسابية التريليونية في الثانية، مما يعني أن الجهاز يستطيع معالجة معلومات بسرعة تفوق الخيال. تخيل كأنك تمتلك معالجاً يمكنه حل ملايين المسائل الرياضية في ثانية واحدة وهذا بالضبط ما يفعله الـ 40 TOPS، حيث يمكنه إجراء 40 تريليون عملية حسابية في لحظات!

     

    هذه ليست مجرد ترقية بسيطة، بل قفزة نوعية حقيقية تقربنا خطوة كبيرة من تجربة إنترنت مستقرة تضاهي جودة شبكات الألياف البصرية (Fiber Optic Networks). إنها تفتح الباب لمستقبل رقمي أكثر سرعة وذكاءً، حيث يصبح الإنترنت أشبه بتيار ماء متدفق يلبي احتياجاتك في لحظات.

     

    يبدو أن تكنولوجيا الإنترنت اللاسلكي الثابت (FWA) تقف على أعتاب ثورة اقتصادية حقيقية. فالأرقام تتحدث بوضوح: من سوق بقيمة 42.85 مليار دولار في عام 2024، من المتوقع أن يقفز هذا القطاع إلى أكثر من 57 مليار دولار هذا العام، وصولاً إلى مبلغ مذهل يتجاوز 3.24 تريليون دولار بحلول عام 2037.

    لماذا كل هذا النمو الهائل؟

    الإجابة بسيطة: هناك الكثير من المناطق في العالم تعاني من نقص في خدمات الإنترنت التقليدية. تخيل مناطق نائية أو ريفية لا تصلها كابلات الألياف البصرية – هنا يأتي دور تقنية FWA. فهي تمثل أملًا للملايين الذين يفتقرون إلى اتصال إنترنت موثوق وسريع.

     

    الميزة الاقتصادية واضحة للجميع، شركات الاتصالات لن تحتاج لاستثمارات ضخمة في بنية تحتية معقدة، بل يمكنهم استخدام شبكات الاتصال المحمولة القائمة مما يجعل توصيل الإنترنت أسرع وأرخص. بمعدل نمو سنوي يقارب 40%، نتحدث عن قفزة تكنولوجية واقتصادية حقيقية ستغير شكل الاتصالات العالمية. إنها ليست مجرد تقنية جديدة، بل ثورة حقيقية ستصل بالإنترنت إلى أماكن لم تكن تتخيلها من قبل. المستقبل الرقمي يقترب بخطوات سريعة، وتقنية FWA ستكون بوابته الرئيسية.

     

    Open RAN أو (شبكات الوصول الراديوية المفتوحة) يمثل ثورة حقيقية في عالم الاتصالات اللاسلكية. في الماضي، كانت شبكات الاتصالات مغلقة تماماً، حيث تشتري شركات الاتصالات كل معداتها من مصنع واحد محدد. أما اليوم، فتح Open RAN الباب أمام التشغيل البيني (Interoperability) الذي يسمح باختيار معدات وبرمجيات من موردين مختلفين. إنه يشبه تحرير سوق مقيد، حيث يستطيع مشغلو الشبكات الآن دمج تقنيات متنوعة بحرية أكبر، مما يؤدي إلى خفض التكاليف وزيادة المرونة التكنولوجية.

     

    بدلاً من الارتباط بمورد واحد، أصبح بإمكان الشركات بناء شبكاتها بطريقة أكثر مرونة واقتصادية، تماماً مثل بناء سيارة من قطع شركات مختلفة بدلاً من شرائها من مصنع واحد.

     

    في بعض الدول، بدأت شركات الاتصالات بتجربة تقنية جديدة تُسمى”Open RAN”، والتي تُحدث تغييراً في طريقة بناء وتشغيل الشبكات. على سبيل المثال، في فيتنام واليابان، قامت شركات مثل Viettel وNTT DOCOMO بتطبيق هذه التقنية بنجاح. في هذه التجارب، استخدمت هذه الشركات تقنية “Massive MIMO” وهي طريقة تعتمد على استخدام عدد كبير من الهوائيات في نفس الوقت لتحسين جودة الإشارة وزيادة سرعة الاتصال.

     

    تُبنى هذه الشبكات على منصات مثل Qualcomm Dragonwing Cellular Infrastructure، مما يؤكد أن التكنولوجيا أصبحت جاهزة للاستخدام التجاري. بفضل هذه التجارب العملية، يُظهر مستقبل الاتصالات إمكانيات كبيرة لتحسين جودة الخدمة وتوفير الإنترنت بسرعة واستقرار أعلى للمستخدمين في حياتهم اليومية. يكمن جوهر الإنجاز في قدرة مشغلي الشبكات على إدارة أنظمتهم بمرونة وكفاءة غير مسبوقة، متحررين من قيود الأنظمة المغلقة التقليدية.

     

    الارتقاء بالأداء مع الاتصال المدعوم بالذكاء الاصطناعي

    تشكل تقنيات الذكاء الاصطناعي جزءاً أساسياً من هذه التطورات. ببساطة، أطلقت Qualcomm مودم X85 5G، الذي لا يقدّم سرعات تنزيل تصل إلى 12.5 جيجابت في الثانية ورفع تصل إلى 3.7 فحسب، بل يحتوي أيضاً على معالج ذكاء اصطناعي مدمج (Integrated AI Processor). هذا المعالج يساعد على تحسين جودة الاتصال وتنظيم حركة البيانات بشكل أكثر كفاءة.

     

    وتشير التقارير إلى أن المودم X85 يقوم بمهام الذكاء الاصطناعي أسرع بنسبة 30% مقارنةً بالأجيال السابقة، مما يساهم في إطالة عمر البطارية وتقليل زمن الاستجابة، وبالتالي يُحسّن تجربة المستخدم على الأجهزة مثل الهواتف الذكية العاملة بنظام Android، وأجهزة الكمبيوتر، وحتى في التطبيقات المستخدمة في السيارات.

     

    إن دمج الذكاء الاصطناعي على مستوى الجهاز يُعد خطوة محورية، خاصة مع تعقيد الشبكات المتنامي، حيث يُساعد في إدارة حركة المرور بشكل ديناميكي وضمان تقديم أداء عالٍ وموثوق به.

     

     

     

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن