لمواكبة الثورة التكنولوجية المتسارعة : مصر تضاعف جهودها لدعم الأنشطة الريادية التكنولوجية عبر إطلاق منصات رقمية ومبادرات وإنشاء بيئة قانونية

  •  

    تكلفة أقل..التسويق..المرونة..الكفاءة..توسيع السوق والابتكار أهم الإيجابيات المرتبطة بريادة الأعمال الرقمية

    ريادة الأعمال الرقمية أكثر من مجرد نشاط اقتصادي بل أسلوب تفكير يرتكز على الابتكار وتحقيق القيمة واستغلال الإمكانات التكنولوجية

     

    كتب : ساره نور الدين

     

    أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً حول "ريادة الأعمال الرقمية"، استعرض فيه الإيجابيات المرتبطة بها، وأشكالها المتعددة، مشيراً أنه في ظل الثورة التكنولوجية المتسارعة، يشهد عالم الأعمال تحوُّلًا جذريًّا تقوده التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي؛ مما أدى إلى إعادة تشكيل مفاهيم ريادة الأعمال التقليدية؛ حيث لم يَعُد تأسيس المشروعات يعتمد فقط على الفكرة أو رأس المال، بل أصبح يتطلب فهمًا عميقًا لأدوات التسويق الرقمي، وتحليلًا دقيقًا للبيانات، واستثمارًا ذكيًّا في أدوات الذكاء الاصطناعي، وهذا العصر الرقمي أتاح لرواد الأعمال فرصًا غير مسبوقة للوصول إلى الأسواق العالمية، وفي الوقت نفسه، فرض تحديات جديدة تتطلب مهارات رقمية، وقدرة على التكيف السريع مع التغيّرات المستمرة في بيئة الأعمال، ومن هنا، أصبحت ريادة الأعمال الرقمية أكثر من مجرد نشاط اقتصادي، بل أسلوب تفكير، ومنهجية متكاملة ترتكز على الابتكار، وتحقيق القيمة، واستغلال الإمكانات التكنولوجية لإحداث تأثير مستدام في الأسواق.

    أشار التحليل إلى أن ريادة الأعمال تُعرف بشكلها التقليدي بأنها العملية التي تهدف إلى إنشاء وتطوير النشاط الاقتصادي من خلال دمج المخاطرة والإبداع مع الإدارة السليمة، كما يُمكن تعريفها على أنها نشاط إبداعي يشمل القيام بأشياء لا تُمارس عادةً في سياق العمل الاعتيادي، ولكن في الوقت الحالي ومع التقدم التكنولوجي الكبير، انتقل مفهوم ريادة الأعمال من النماذج التقليدية القائمة على الأساليب اليدوية والتواصل المباشر، إلى نماذج رقمية أكثر مرونة وابتكارًا تعتمد على التكنولوجيا الحديثة، ومن هنا ظهر مفهوم "ريادة الأعمال الرقمية" الذي يُشير إلى إنشاء مشروع تجاري وبيع الخدمات أو المنتجات عبر الإنترنت، دون الحاجة إلى الاستثمار في مساحات فعلية، ومن أمثلة الأعمال الرقمية: التجارة الإلكترونية، والدورات التدريبية عبر الإنترنت وقنوات اليوتيوب، وبالتالي تُعَد ريادة الأعمال في المجال الرقمي مفهومًا يشرح كيفية تطور ريادة الأعمال بفعل التقنيات الرقمية، كما يُسلط الضوء على التطورات في ممارسات ريادة الأعمال، وفلسفتها، واستراتيجيتها.

    التنمية الاقتصادية المستدامة

    أشار التحليل هناك العديد من الإيجابيات المرتبطة بريادة الأعمال الرقمية في دعم الابتكار وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة في العصر الرقمي، ومن أبرز هذه المزايا أولها "تكاليف بدء تشغيل منخفضة " إنشاء مشروع عبر الإنترنت أرخص بكثير من فتح متجر على أرض الواقع؛ حيث يتطلب المشروع على أرض الواقع دفع إيجار ورواتب الموظفين، في حين رائد الأعمال الرقمية لا يكون بحاجة إلى ذلك ، ثانيا "سهولة التسويق للعميل المثالي" التسويق عبر الإنترنت يسمح لرائد الأعمال بتحديد جمهوره بدقة واستهدافه بإعلانات مخصصة؛ مما يجعل الجهود التسويقية أكثر فاعلية ، ثالثا "المرونة" حيث إن لها القدرة على التكيف بشكل سريع مع تغيرات بيئة السوق ، رابعا "الكفاءة " تحسين العمليات التجارية باستخدام التقنيات والتحليلات الرقمية ، خامسا " توسيع السوق " إمكانية الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من المستهلكين من خلال المنصات الرقمية واخيرا " الابتكار " ابتكار منتجات وخدمات جديدة بفضل التعاون مع مختلف المشاركين في المجال.

    وأوضح التحليل أنه وفقًا لمؤشر ثقة الاستثمار العالمي لعام 2024 الصادر عن مجلة CEOWORLD، صُنفت الولايات المتحدة الأمريكية كأفضل دولة في العالم من حيث سهولة ممارسة الأعمال التجارية الرقمية، وجاءت الصين في المركز الثاني، تلتها اليابان والمملكة المتحدة وألمانيا؛ حيث احتلت الولايات المتحدة المركز الأول من بين 128 دولة، الأمر الذي يمنحها مكانة رائدة كأكثر الأسواق الرقمية استقطابًا للمستثمرين والمهارات العالمية، واحتلت الهند المركز السادس، بينما أكملت فرنسا وكوريا الجنوبية وكندا والإمارات العربية المتحدة المراكز العشرة الأولى، أما تايوان وسنغافورة وهولندا والبرازيل وروسيا، فقد احتلت المراكز من الحادي عشر إلى الخامس عشر كأكثر الأسواق الرقمية جاذبية للمستثمرين .

    ريادة الأعمال الرقمية

    أشار التحليل إلى أن ريادة الأعمال الرقمية لها أشكال متعددة، تعتمد على استخدام التكنولوجيا والإنترنت لتقديم منتجات أو خدمات أو حلول مبتكرة، ومن أبرز أشكالها " التجارة الإلكترونية "  وتتصدر آسيا التجارة الإلكترونية عالميًّا؛ ويتجاوز حجمها 3.7 تريليونات دولار في عام 2024، وجاءت الولايات المتحدة الأمريكية في المرتبة الثانية بحجم سوق يزيد على تريليون دولار، وجاءت أوروبا في المرتبة التالية بحجم سوق يبلغ 682 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل عدد المستخدمين في سوق التجارة الإلكترونية عالميًّا إلى 3.6 مليارات مستخدم بحلول عام 2029. كما تُعَد آسيا والصين على وجه الخصوص، مركزًا عالميًّا للتجارة الإلكترونية عبر البث المباشر ((Live Streaming e-commerce، حيث تُقدّر إيرادات آسيا بنحو 370 مليار دولار في قطاعات التجميل والأزياء والأغذية والإلكترونيات في عام 2024، وذلك وفقًا لإحصاءات سوق ستاتيستا، وتُسيطر الصين على الجزء الأكبر من هذه العوائد حوالي (350 مليار دولار من الإجمالي)، وبالنسبة للأمريكتين كانت الإيرادات تُقدَّر بنحو 27 مليار دولار في عام 2024 عبر القطاعات الأربعة، وكانت الولايات المتحدة أكبر المساهمين بنحو 17 مليار دولار، بالإضافة إلى البرازيل والمكسيك. وفي أوروبا، كانت المملكة المتحدة هي بطلة السوق متقدمة على الاقتصادات الرئيسة الأخرى في القارة.

    ال " AI " وتحول جذري

    الذكاء الاصطناعي (AI) وإنترنت الأشياء (IOT): اكتسب كل من إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي أهمية متزايدة في السنوات الأخيرة، وأسهما في إحداث تحول جذري في العديد من الصناعات؛ إذ يُشير إنترنت الأشياء إلى شبكة مترابطة من الأجهزة والمركبات والمعدات المزودة بأجهزة استشعار وتقنيات اتصال، تتيح تبادل البيانات وتحليلها بشكل فوري. أما الذكاء الاصطناعي، فيُعنى بتطوير أنظمة ذكية قادرة على أداء مهام تتطلب عادةً تدخلًا بشريًّا، مثل: الرؤية الحاسوبية، والتعرف على الصوت، واتخاذ القرارات. وقد أدى التوسع في استخدام هاتين التقنيتين إلى إحداث نقلة نوعية في العمليات التجارية، وفتح آفاق واسعة أمام الشركات الناشئة؛ إذ يوفر إنترنت الأشياء لتلك الشركات إمكانات متقدمة في جمع البيانات وتحليلها بكفاءة، وهو ما يتيح فهمًا أعمق لسلوك العملاء، وتحسين الكفاءة التشغيلية، والتنبؤ بأعطال المعدات قبل حدوثها، وبالتالي دعم اتخاذ قرارات استراتيجية تُسهم في تحسين الأداء وتعزيز النمو.

    وشهدت القارة الإفريقية تحولًا رقميًّا متسارعًا، مدفوعًا بالتطور التكنولوجي، وزيادة استخدام الإنترنت، وانتشار الهواتف الذكية. وقد أتاح هذا التحول فرصًا غير مسبوقة لإطلاق وتطوير مشروعات رقمية مبتكرة تستهدف مجالات متعددة، مثل: التعليم، والصحة، والزراعة، والتجارة الإلكترونية، والخدمات المالية.

    مشروع "إبداع مصر "

    استعرض التحليل أهم الأنشطة الريادية الرقمية في القارة الإفريقية ومنها مشروع "إبداع مصر " هي منصة إلكترونية للابتكار في مصر، توفر مصدرًا للإلهام والتعليم والتواصل للمبتكرين ورواد الأعمال، وتهدف المنصة إلى تعليم المبتكرين والشركات الناشئة عن التكنولوجيا وإدارة الابتكار ، مشروع " مصر تبدأ " هو برنامج حاضنة أعمال مصري تمهيدي لتسريع الأعمال، أُنشئ لإلهام وبناء وتسريع ملايين رواد الأعمال المصريين في مجالات التأثير الاجتماعي، مثل: التعليم، والزراعة، والرعاية الصحية، والطاقة المتجددة، والبيئة، والنقل، والشمول المالي، والمجتمعات المهمشة. يُموَّل البرنامج من السفارة البريطانية، بدعم من مؤسسة التمويل الدولية (IFC) وبدعم من  Flat6Labs.

    أهم تحديات ريادة الاعمال الرقمية

    أشار التحليل إلى أن ريادة الأعمال الرقمية تُواجه عددًا من التحديات التي يمكن أن تعوق نموَّها ونجاحها، ومن أبرز هذه التحديات "ضعف البنية التحتية الرقمية " حيث يُمثل الاستثمار في البنية التحتية الرقمية، وتبني تقنيات جديدة، مثل الذكاء الاصطناعي، تحديًا للشركات الصغيرة والمتوسطة؛ نظرًا لقلة استعداداتها، وأن بناء وصيانة نظام ذكاء اصطناعي قد يكون استثمارًا مُكلفًا لا تستطيع جميع الشركات الصغيرة والمتوسطة تحمله.

    "ضعف الأمن الرقمي " تعاني الشركات الرقمية من الهجمات الإلكترونية؛ حيث يسعى القراصنة إلى سرقة البيانات الشخصية، وغالبًا يستهدف القراصنة بشكل رئيس الشركات التي تمتلك بيانات قيِّمة، مثل الشركات التي تعتمد على التقنيات الرقمية بشكل مُكثَّف وتمتلك كميات كبيرة من البيانات. وأيضًا فإن الشركات الصغيرة معرضة للوقوع ضحية للجرائم الإلكترونية؛ حيث إنها تفتقر إلى المعرفة والخبرة اللازمتين للتصدي للجرائم الإلكترونية.  

     

    "نقص المهارات الرقمية " فالاقتصادات المتقدمة لديها الخبرة حول كيفية إدارة الأعمال الرقمية وتوسيع نطاقها مقارنةً بالدول النامية، وعلى الرغم من أن معظم الدول النامية تتمتع بإمكانية الوصول إلى الإنترنت وتطبيقاته، فإنها غالبًا لا تتمكن من الاستفادة الكاملة من التكنولوجيا الرقمية؛ مما يحد من فرص البقاء في الأسواق، لذلك تُمثل تهيئة الظروف اللازمة لتعزيز الثقافة الرقمية بما يُمكّن الشركات من النمو في السوق- تحديًا بالنسبة للدول النامية. 

    مركز الإبداع التكنولوجي

    وأوضح مركز المعلومات أن مصر تبذل جهودًا كبيرة في مجال الأنشطة الريادية المعتمدة على التكنولوجيا، وتتنوع هذه الجهود بين إطلاق منصات رقمية ومبادرات وإنشاء بيئة قانونية مناسبة، ومن أبرز تلك الجهود " تأسيس مركز الإبداع التكنولوجي وريادة الأعمال في عام 2010 " حيث يهدف إلى تعزيز الابتكار وريادة الأعمال في صناعة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر عبر تنمية مهارات الأفراد والمؤسسات، وتوفير خدمات تقييم الابتكار واعتماده، إلى جانب الإسهام في المبادرات الوطنية للابتكار.

    كما تم " إطلاق مبادرة رواد النيل عام 2019" تهدف مبادرة رواد النيل إلى تمكين الشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة في قطاعات التصنيع والزراعة والتحول الرقمي، من خلال توظيف أدوات متنوعة للابتكار، جدير بالذكر أن المبادرة انطلقت من جامعة النيل وامتدت لاحقًا إلى أربع جامعات أخرى، ولا تزال تشهد توسعًا مستمرًّا.

    مبادرة رواد مصر الرقمية

     

    كما تم "إطلاق مبادرة رواد مصر الرقمية " تتمثل أهداف المبادرة في تنمية مهارات الطلاب والخريجين في التقنيات الحديثة، وتوفير البيئة المناسبة لبدء الأعمال الخاصة للشباب على منصات العمل الحُر، وتأهيل الطلاب والخريجين للالتحاق بوظائف مميزة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتوفر المبادرة مسارات تقنية متعددة تشمل الذكاء الاصطناعي، وعلوم البيانات، والأمن السيبراني، والأنظمة المدمجة، وتطوير البرمجيات، إلى جانب مسارات مهنية في الريادة الرقمية، والتفكير التصميمي، ومهارات العمل الحُر، والتفاوض، والتواصل باللغة الإنجليزية، بما يعزز من الكفاءات التقنية والاحترافية للمشاركين.

     

    كذلك إطلاق " منصة الابتكار المفتوح في مجال المدن الذكية بالقاهرة في 2022 " تُقام هذه المنصة بالتعاون بين هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات (ITIDA)، وشركة Plug and Play العالمية المتخصصة في دعم وتسريع الشركات الناشئة، إلى جانب مشروع الحوكمة الاقتصادية (EGA) الممول من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، وتهدف المنصة إلى دعم نمو ريادة الأعمال والشركات الناشئة، وترسيخ مكانة مصر كمركز إقليمي رائد للابتكار الريادي.

     

    أشار التحليل إلى أن ريادة الأعمال الرقمية تُعَد من أبرز الاتجاهات الحديثة التي تُسهم في تحفيز الابتكار ودفع عجلة الاقتصاد الرقمي العالمي؛ فهي تُمكِّن الأفراد من تحويل أفكارهم إلى مشروعات حقيقية باستخدام التكنولوجيا الحديثة، وتفتح آفاقًا واسعة للوصول إلى أسواق جديدة بكفاءة وسرعة، ورغم ما تحمله من فرص كبيرة، فإن ريادة الأعمال الرقمية تواجه تحديات لا يمكن تجاهلها، لذلك فإن دعم هذا القطاع يتطلب تكامل الجهود بين الحكومات، والمؤسسات التعليمية، والقطاع الخاص من أجل توفير بيئة رقمية آمنة، وتعزيز ثقافة الابتكار، وتطوير المهارات الرقمية؛ مما يُسهم في بناء مستقبل اقتصادي أكثر استدامة ومرونة.

     

     

     

     

     

     

     

     

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن