كتب : محمد الخولي
سلّطت انقطاعات الإنترنت التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط نهاية الأسبوع الماضي الضوء مجدداً على حجم الاعتماد الإقليمي على الكابلات البحرية المارة عبر الأراضي والمياه الإقليمية المصرية، مؤكدة الدور المحوري للبلاد كممر استراتيجي ومركز رقمي عالمي.
فكما تتحكم قناة السويس بحركة التجارة العالمية، تُعد مصر شرياناً أساسياً للإنترنت الدولي، إذ تعبر أراضيها 18 كابلاً بحرياً، كثير منها بمحاذاة القناة، لتربط أوروبا بالشرق الأوسط وآسيا، .
ورغم وجود بدائل برية، مثل الخط الذي تديره شركة «غلف بريدج إنترناشونال» (Gulf Bridge International) من قطر عبر العراق وصولاً إلى أوروبا، تبقى معظم حركة الإنترنت من وإلى المنطقة عبر مصر، ما يجعلها نقطة ارتكاز يصعب تجاوزها.
يشكّل هذا التركّز تحدياً هيكلياً لشركات الاتصالات الإقليمية، إذ صرّح مدير شركة «بايونير كونسلتنغ» (Pioneer Consulting) للاستشارات، إيان ريتسون، لموقع (AGBI): «منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعاني من نقص الخيارات، ما يفرض على الشركات استئجار السعات من عدد محدود جداً من المزودين».
وتقف شركة «المصرية للاتصالات»، المملوكة للدولة، في قلب هذا النظام بوصفها الجهة الوحيدة المالكة والمشغّلة للكابلات البحرية في مصر، ما يمنحها قوة تسعيرية كبيرة. ويترجم ذلك إلى عوائد ضخمة للاقتصاد المصري، حيث حققت الشركة في النصف الأول من 2025 إيرادات بلغت 6.8 مليار جنيه مصري، أي نحو 140 مليون دولار، من خدمات الجملة، أي تأجير السعات والبنية التحتية لشركات الاتصالات الأخرى، بزيادة 12% مقارنة بالعام السابق.
ورغم شبه الاحتكار، أشار خبراء إلى أن الشركة تدرك قيمة هذا المورد الاستراتيجي وتستثمر فيه بانتظام. ويصف المتخصص في استخبارات الشبكات بشركة «كينتيك» (Kentik)، دوغ مادوري، الوضع قائلاً: «يعرفون أن هذه البنية بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهباً، ولذلك يحرصون على تحسينها باستمرار».
على عكس بعض الدول المجاورة، تبنّت مصر سياسة أكثر انفتاحاً في استضافة محطات إنزال الكابلات البحرية، ما رسّخ موقعها كعقدة رقمية محورية على الخريطة العالمية.
وفي أغسطس الماضي، أنجزت «المصرية للاتصالات» أحدث مشاريعها بمدّ كابل جديد يربط مصر بالأردن عبر البحر الأحمر، في إطار سلسلة مشاريع متنامية تعكس طموح البلاد لتعزيز بنيتها التحتية الرقمية.
من بين أبرز المشاريع القادمة، كابل «سي مي وي-6» (SEA-ME-WE-6)، الذي يربط جنوب شرق آسيا بغرب أوروبا مروراً بالشرق الأوسط، والمتوقع اكتماله العام المقبل ليصبح واحداً من أضخم الأنظمة العالمية.
كثيراً ما تعثرت محاولات تجاوز مصر بفعل الاضطرابات الجيوسياسية. فقد انهار مشروع «جادي» (JADI) الذي كان يفترض أن يربط جدة بدمشق وإسطنبول مع اندلاع الحرب في سوريا عام 2010. كما توقف مشروع «بوابة أوروبا–فارس السريعة» (EPEG) نتيجة العقوبات على إيران.
بحسب مدير الأبحاث في شركة «تيرابيت كونسلتينغ» (Terabit Consulting) الاستشارية للشبكات، مايكل رودي، فإن محاولات إنشاء مسارات أرضية بديلة اصطدمت بعقبات سياسية، مشيراً إلى أن مشاريع مثل الربط عبر تركيا وأذربيجان، أو عبر إسرائيل والسعودية، مازالت «حبراً على ورق». أما الأقمار الصناعية، فتبقى خياراً غير عملي بسبب بطء نقل البيانات مقارنة بالكابلات البحرية.
وخلص رودي إلى القول: «حتى مع هيمنة «المصرية للاتصالات» وارتفاع الأسعار، يبقى المرور عبر مصر الحل الأكثر جدوى من الناحيتين التقنية والاقتصادية».