بقلم : خالد حسن
بحضور غالبية قادة دول العالم فى فعاليات مؤتمر التغير المناخي " COP27 " الذى استضافته مدينة شرم الشيخ المصرية يؤكد مدى جدية العالم فى التعامل مع القضايا التى اثرت بقوة فى مناخ كوكبنا بداية من الاحتباس الحرارى مرورا بالتلوث البيئى ووصولا إلى تزايد الكوارث الطبيعية بصورة غير مبررة في العديد من دول العالم والتي كانت تظن أنها في مأمن من التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية التي شهدتها الان على مدار القرون الأربع الماضية .
وبالطبع يتزايد الاهتمام العالمي خاصة في الآونة الأخيرة مع تفاقم أزمة الطاقة حول العالم ، بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية ، بما يعرف بـ الطاقة الخضراء" Green Energy " أو المصادر المتجددة للطاقة، في محاولة للاعتماد على مصادر جديدة للطاقة أكثر محافظة على البيئة وتعمل على تخفيض توليد الغازات الدفيئة في العالم بما يقلل من ظاهرة الاحتباس الحراري.
في البداية من المهم أن نعرف ما هي " الطاقة الخضراء " وما هى أنواعها ..وما هى التكنولوحيا المطلوبة لتوليد الطاقة الخضراء ..وكيف يمكن للدول النامية الاستفادة منها وهل هى بديل أم مكمل للطاقة الأحفورية المتعارف عليها الآن ويعتمد العالم عليها .. وهل التوسع في إنتاج الطاقة الخضراء هو سفينة الإنقاذ لمستقبل كوكب الأرض والحفاظ عليها لأجيال المستقبل ؟
ويطلق عليها تسمية " الطاقة الخضراء " على أي مصدر يوفر أنواعاً من الطاقة النظيفة أو المتجدد أو حتى القابلة للتجدد كما أن الطاقة الخضراء أو المتجددة لا تنفد مع الاستهلاك الكبير بالإضافة إلى أنها ومن واقع التسمية دائمة التجدد، كما أنها تختلف عن مصادر الطاقة التقليدية " الوقود الأحفوري والغاز " ، والذي سيأتي عليه يوم وينفد من كوكبنا مهما كان الاحتياطي المؤكد وغير المؤكد منه ، لاسيما مع تزايد عدد سكان الأرض إلى 8 مليارات نسمة حاليا والوصول إلى 10 مليارات نسمة في 2050 ، فالطاقة الخضراء تتميز بكونها غير محدودة كذلك فهي صديقة للبيئة ولا تؤثر على المناخ.
أما أشهر أنواع الطاقة الخضراء أو الجديدة والمتجددة فهى" الطاقة الشمسية " وهى تعد ثاني أكثر طافة متجددة استخدما في الوقت الحالي لتلبية احتياجات الكثير من دول العالم كما تتميز التكنولوجيا المستخدمة لتوليدها بانها غير معقدة ومتاحة ويمكن إقامتها فى العديد من الأماكن سواء كمشروع قومى على غرار ما قامت به مصر من إنشاء محطة " بنبان " في أسوان كأكبر محطة على مستوى العالم إنتاج الطاقة الشمسية باستثمارات تتجاوز 2 مليار دولار بمشاركة 32 شركة قطاع خاص .
وفقا للدراسات فإن الطاقة التي تصل من الشمس إلى الأرض في ساعة واحدة تكون أكبر من حجم الطاقة التي يستهلكها العالم كله في سنة واحدة وبالتالي فإن الطاقة الشمسية يمكن ان تكفى احتياجات كوكبنا كما تتميز بكونها نظيفة للغاية وغير ملوثة للبيئة، من خلال الألواح الشمسية التي تمتص الحرارة وتحولها لطاقة كهربائية قابلة للاستهلاك والتخزين.
والنوع الثانى من الطاقة الخضراء هو "طاقة الرياح " وتعد الأكثر انتشاراً بين أنواع الطاقات الخضراء في العالم كما أن هذا النوع من الطاقة يتميز بالتكاليف القليلة نسبياً والفعالية الكبيرة. وهي عبارة عن استخدام مراوح لها ألواح تحركها تيارات الهواء لتتحول طاقة الحركة التي يولدها الهواء إلى طاقة كهربائية غالباً. كما أن كمية الكهرباء المنتجة تعتمد على سرعة حركة ريش التوربينات.
اما النوع الثالث من الطاقة الخضراء فهى الطاقة المستخرجة من الكتلة الحيوية اذ تستمد من خلال حرق النفايات الزراعية أو مخلفات الغابات والأشجار، واستطاعت بعض الدول الاعتماد على حرق الطحالب بأنواعها لإنتاج طاقة عضوية، كما يمكن استخراجها من المخلفات العضوية للإنسان أو الحيوان وينتج عن عملية حرق تلك المخلفات الحيوية ما يسمى بالوقود الحيوي ويكون إما إيثانول أو غاز الميثان.
ويتمثل النوع الرابعة فى الطاقة الخضراء المولدة من حركة المياه فهي واحدة من أشكال الطاقة التي تُنتج من مصادر المياه وتحديداً خزانات السدود ومياه الأنهار المتدفقة، التي تدير توربينات بشكل ما، تستغل حركة الماء المندفعة من المساقط أو عند السدود لتدور لتتحول الطاقة الميكانيكية أو الحركية الناتجة في التوربينات إلى طاقة كهربائية ومن أشهر الأمثلة على الطاقة المولدة من حركة المياه، استخدام السد العالي في مصر لتوليد الكهرباء، والذى يوفر لنا نحو 10% من احتياجاتنا اليومية من الطاقة الكهربائية المولدة عبر السد العالي .
على حين أن هناك نوعا خامسا للطاقة المتجددة وهو " الطاقة الناتجة عن المد والجزر " حيث يمكن استغلال حركة مياه البحار والمحيطات وانخفاضها في الظاهرة الطبيعية المد والجزر، لإنتاج الطاقة الكهربائية في صورة جديدة للطاقة الجديدة والمتجددة وهي تنتج من خلال توربينات توضع في مناطق حدوث المد والجزر، لتتحول الطاقة الحركية المولدة إلى طاقة كهربائية نظيفة.
ولعل أحدث أنواع الطاقة المتجددة هو طاقة " الهيدروجين " إلا أنه يجب التفرقة بين الطاقة الهيدروجينية الناتجة عن توظيف القنبلة الهيدروجينية ذات الاندماج النووى وطاقة الهيدروجين أو تكنولوجيا الهيدروجين الناتجة عن فصل الاتحاد بين الهيدروجين والأوكسجين في خلايا الوقود لإنتاج التيار الكهربائي .
ومن المتوقع ان يكون الهيدروجين بمثابة الوقود الأبدي الذي لا ينفد مع مر العصور، كما أنه العنصر الوحيد الذي لا ينتج عند احتراقه أي انبعاثات ضارة للبيئة ، بل إن الانبعاثات الصادرة عنه هي كل ما نسعى إليه مثل الكهرباء أو الحرارة او الماء النقي وبالتالي فهو بحق يشكل مستقبل الطاقة الخضراء وسيعيد هيكل سوق الطاقة العالمي فى السنوات القادمة وهو ما دفع الكثير من دول المنطقة ومنها ، مصر والسعودية والامارات ، لاطلاق عدد من المبادرات المحلية و الاقليمية للتوسع فى انتاج طاقة الهيدروجين وان تصيح من كبار المصدرين لطاقة الهيدروجين فى العالم .
ولعله من الايجابى ان نشير انه وفقا للوكالة الدولية للطاقة فان البلدان النامية تمتلك أكثر من نصف قدرة الطاقة المتجددة والجديدة في العالم، وتعد الصين والهند أسواقاً كبيرة للطاقة المتجددة سريعة التوسع وبحسب احصائيات الوكالة أيضاً تنمو أسواق الطاقات المتجددة بمعدلات عالية في عدة بلدان منها مصر ، والتى اعلنت انها خطتها للطاقى تتضمن الاعتماد بنسبة 42 % على الطاق المتجددة خلال السنوات العشرين القادمة ، بجانب الأرجنتين وكوستاريكا ومصر وإندونيسيا وكينيا وتنزانيا وتايلاند وتونس والأورغواي كما ينتج عملاق أمريكا الجنوبية البرازيل معظم الإيثانول المستخرج من السكر في العالم وتضيف مصانع جديدة للطاقة الحيوية وطاقة الرياح.
أخيرا نؤكد ان الطاقة الخضراء تمتلك مجموعة من المزايا لعل أهمها انها طاقة " آمنة " على حياة الانسان وانها متوفرة لدى كافة دول العالم ، النامية والمتقدمة ، كذلك فهى متجددة ولا يمكن ان تنضب فى يوم من الايام ناهيك عن ان تكلفة استخراجها أقل بكثير من الطاقة التقليدية بالاضافة الى انها لا تحتاج الى تكنولوجيا جديدة معقدة .
فهل تنجح الدول العربي فى تعزيز التعاون بينها لوضعها نفسها على الخريطة العالمية لطاقة المستقبل " الطاقة الخضراء"؟