§       نبضات

§   

§       بقلم : خالد حسن

لم تولد أى شركة " عالمية " حاليا كبيرة وضخمة كما هى عليها الان بل بدات كفكرة " ابتكارية " وبدعم من مبتكرها والعمل على تطويرها بمرور الوقت واختيار فريق العمل المناسب بدأت تنمو شيئا فشيئا لنرى البوم شركات عالمية تتخطى ميزانييها مزايمة العديد من دول العالم .

وبالطبع فان " الفكرة الابتكارية " تشكل جزء كبير من النجاح ولكن ايضا امتلاك المبدع او رائد الاعمال لمجموعة من القدرات الشخصية والمهارات تمثل جزء من النجاح وكزء اخبر يعتمد على مدى توافر المناخ الامثل لنمو وتطور هذه الفكرة لترى النور وتحويلها الى مشروع ومنتج ملموس يتم تداولها بالاسواق .

وفى الحقيقة وفى ظل تنامى القاعدة المحلية من الكوادر البشرية المتخصصة فى مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات فأن هناك ارتباط طردى بين الابداع التكنولوجيا وريادة الاعمال فكلما امتلكت الشركة الناشئه فكرة ابداعية قادة على توظيف التكنولوجيا بصورة مثلى كلما زادت قدراتها على تقديم حلول جديدة تساعدها على أقتحام ريادة الاعمال ومن هنا تاتى اهمية التأهيل التكنولوجى لكافة المنشأت الحديثة وكذلك المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لتنمية قدراتها التنافسية وزيادة وتحسين انتاجيتها بجانب زيادة فرص لتسويق الخاصة بمنتجاتها .

ومع ما تؤكده غالبية حكومات دول العالم انها تعمل على اعداد مجموعة من الحوافز والتشريعات لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة بها ، خاصة وانها مازالت تمثل اكثر من 90 % من اجمالى عدد مؤسسات الاعمال وتوفر نحو 67 % من العمالة ومسؤوله عن 50 % من الناتج القومى ، ومن ثمة يعد قطاع الشركات المتوسطة والصغيرة العمود الفقرى للاقتصاد فى أغلب دول العالم وأهم القطاعات التى تهتم بها الدولة فى الوقت الراهن والتى يمكن أن يكون عاملا أساسيا فى الوصول إلى نسب نمو مرتفعة تزيد على 6 في حالة نجاح المنظومة الخاصة بهذا القطاع الهام الذى يمثل الشريحة الأكبر من الاقتصاد القومى.

ومما لا شك فيه أن التقدم التكنولوجي الهائل وتحرير الأسواق أديا إلى إيجاد تحديات جديدة أمام هذه المشروعات وخاصة في الدول النامية. ومواكبةً لهذه الطفرة التكنولوجية الكبيرة، فقد شهد الاقتصاد العالمي ظهور أجيال جديدة من المؤسسات الصغيرة التي استطاعت الاستفادة من مميزات هذا الوضع الجديد الذي يسمح بالحصول على المعرفة ورؤوس الأموال والدخول إلى الأسواق الكبيرة في آن واحد. وظهر مصطلح جديد يطلق على هذه النوعية من المؤسسات الصغيرة الرائدة المقامة على الإبداع والتكنولوجيات والتي تختلف اختلافاً جوهرياً عن مثيلاتها غير الإبداعية والتقليدية في الدول الصناعية، وهو "  start-up" .

من هذا المنطلق وفي هذه الأجواء التنافسية شديدة الصعوبة، وضحت أهمية منظومات العمل المستحدثة التي تعمل على تطوير وتحديث مفهوم دعم ورعاية المؤسسات الصغيرة. وفي هذا المجال تعتبر آلية حاضنات الأعمال المتوسطة من أكثر المنظومات التي تم ابتكارها في الـ 20 سنة الأخيرة فاعلية ونجاحاً في الإسراع في تنفيذ برامج التنمية الاقتصادية والتكنولوجية وإيجاد فرص عمل جديدة، والتي تمت الاستعانة بها في الكثير من دول العالم.

ومن المعلوم ان حاضنات المشروعات أقيمت في الأساس لمواجهة الارتفاع الكبير في معدلات فشل وانهيار المشروعات الصغيرة الجديدة في الأعوام الأولى لإقامتها ، حيث  أوضحت العديد من الدراسات أن 50 % من المشروعات الجديدة في الولايات المتحدة مثلاً تتعرض للتوقف والانهيار خلال عامين من إقامتها، بينما ترتفع هذه النسبة إلى 85 % في غضون خمسة أعوام من إقامتها، ولقد لوحظت هذه النسبة المرتفعة للانهيار أيضاً في الدول الأوروبية . إلا أن الدراسات الحديثة التي أُجريت لتقييم تجارب الحاضنات في هذه الدول أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك كفاءة ونجاح الحاضنات في رفع مستوى نجاح هذه المشروعات بشكل كبير.

وفى تصورى فان مطالبة القيادة السياسية من الحكومة بمزيد من الاهتمام ودعم الشركات الناشئه ورواد الأعمال وهو ما تمثل فى انعكس فى انشاء لجنة دائمة لدعم الشركات الناشئه بمجلس الوزراء بجانب حث البنوك علي تخصيص جزء من أموالها لتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة يمكن ان تشكل خطوة ايجابية ولكن ما مدى اتاحتها للشركات العاملة فى مجال تكنولوجيا المعلومات والتى لا تمتلك سوى أفكار ابتكارية لاسيما وان هناك ايجابية  كشفت عنها شركة الأبحاث وسياسات الإبداع " Startup Genome " حيث  قامت بتقييم العائد الاقتصادي لبيئة أعمال الشركات الناشئة في مصر من خلال تقييم الشركات الناشئة علاوة على قيمة صفقات التخارج، حيث قُدرت بحوالي 8.3 مليار دولار خلال الفترة من النصف الثاني من 2020 وحتى نهاية 2022.
ولعله من المهم ان نشير الى جهود وزارة اتصالات وتكنولوجيا المعلومات ، ممثلا فى هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات " ايتيدا" ومركز الابداع التكنولوجى وريادة الاعمال " تيك " ، للتوسع فى اقامة الحضانات التكنولوجية بالمحافظات من خلال نشر مناطق تكنولوجيا المعلومات وايضا اقامة 6 مراكز ابداع مصر الرقمية فى 6 " جامعات بالمحافظات ، وستصل الى 12 مركز خلال العامين القادمين والمستهدف ان تبلغ 20 مركز موزعة على 20 محافظة ،  وهذا تحرك ايجابى لدعم وتشجيع اصحاب افكار الابتكارية لاقتحام مجال رواد الاعمال ونتطلع الى التوسع فى اقامة الحضانات التكنولوجية فى كل محافظة .

وفى هذا الاطار فأن توقيع هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات " ايتيدا " وثيقة مشروع مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي " UNDP " لتعزيز نمو ونضج مناخ ريادة الأعمال والإبداع في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر، يمكن ان يساهم في زيادة التمويلات ورعاية الإبداع التكنولوجي في مصر وتوفير فرص جديدة للنمو والتطور على مدار السنوات الخمس الماضية حيث نجحت الدورة الماضية للمشروع ، والتي انتهت عام 2021، في خلق 31 ألف فرصة عمل وتدريب وتطوير مهارات 1550 رائد أعمال، ودعم 1800 شركة ناشئة في مصر .

وفى مؤشر قوى على مدى الفرص المتنوعة المتاحة أمام الشركات الناشئه ورواد الاعمال فى مجال تكنولوجيا المعلومات لجذب الاستثمارات الاجنبية ننوه الى نجاح هذا القطاع فى جذب نحو 850 مليون دولار فى عام 2022 واحتلال مصر المركز الثانى افريقيا والثالث اقليميا فى اجمالى قيمة الصفقات التى تمت سواء فى صورة الاستحواذ على شركات مصرية او ضخ استثمارات أجنبية من صناديق  رأسمال الجرىء أو مستثمرين ملائكيين  وهو ما يعد نواة  مهمة لبناء اقتصاد قائم على المعرفة والابداع، ويشكل دافع على تحفيز وتشجيع وبناء قدرات رواد الأعمال المبتكرين ودعم الشركات الناشئة من خلال تنفيذ عدد من البرامج والمبادرات التي تستهدف تحويل أفكارهم الخلاقة إلى مشاريع قائمة على أرض الواقع، وايجاد المناخ الملائم لنمو الشركات الناشئة والتوسع في أعمالها وسعى الوزراة لحل كافة المشاكل التى تواجه رواد الاعمال.

وفى تصورى ايضا تعد البورصة من أهم مصادر التمويل للمؤسسات الصغيرة وهنا اتذكر ،انه منذ أكثر من عقد من الزمن كانت هناك مبادرة بدعم من هيئة " ايتيدا " وتنفيذ جمعية "اتصال "لتشجيع شركات تكنولوجيا للانضمام لبورصة " النيل" ويوجد بها حاليا عدد محدود من الشركات المدرجة ،بالتعاون مع عدد الشركات الراعى المعتمدة للبورصة ، ولكن حتى الان لم نعرف ما هى نتيجة هذه المبادرة ومن استفاد منها وكيفية تفعيل دور الراعي ومراجعة أدوار الرعاة فى تأهيل ونشر ثقافة التمويل عبر القيد فى البورصة لدى اصحاب المؤسسات الصغيرة.

ومن ثمة مطلوب من الكيانات والمؤسسات المجتمعية والحكومية المعنية بالتنمية التكنولوجية بوضع خطة لتوعية شركات التكنولوجيا الصغيرة بفرص التمويل المتاحة وكيفية الاستفادة منها مع مساعدة شركات تكنولوجيا لتأهيل نفسها وتقديم المساعدة الفنية والمالية التى تحتاج اليها هذه الشركات للدخول فى شراكة مع مستثمرين او تكون هدفا لصناديق راس المال الجرىء فالجميع يعلم أن هناك مئات الملايين من الأموال العربية المهاجرة والتى تبحث عن فرص جديدة للاستثمار فى مشروعات وشركات بمنطقة الشرق الأوسط " بعد أن أثبتت التجربة خلال السنوات الأخيرة " انه لا ملاذ أمن للأموال العربية إلا أوطانها  .

فى النهاية علينا ايضا العمل على توجيه أفكار الشباب مبكرا لاسيما طلاب الجامعات الحكومية والخاصة والاهلية والتكنولوجية ، وهذا ما تتبناه مبادرة " الابداع ..طريقك للنجاج " التى تنظمها جريدة عالم رقمي بالتعاون مع هيئة ايتيدا ، لابتكار الحلول التكنولوجية للتحديات والمشاكل التى يواجهها المجتمع المحلي والاقليمى بما يساهم بقوة فى عملية التنمية الاقتصادية ومراعاة أهداف ومتطلبيات التنمية المستدامة وتعيز ورؤيتهم حول آليات نمو مشروعات ريادة الأعمال في مصر؛ و الاستفادة الفعالة منمجتمعات الابداع التكنولوجي التى انشاؤها في الجامعات الحكومية " مراكز إبداع مصر الرقمية ، لتكون منصة يتبادل من خلالها رواد الأعمال خبراتهم في إطار تحقيق التكامل بين الشركات بما يساعد على نمو الأعمال، بالإضافة للتواصل من خلال منصة رقمية للتشبيك وخلق نقاط اتصال بين الشركات الناشئة.