بقلم : خالد حسن
لم تعد التكنولوجيا وثورة الاتصالات شيئا من الرفاهية بل باتت تشكل جزءًا مهمًا من حياتنا اليومية وتلعب دوراً أساسيا في تشكيل المجتمعات وتحفيز الانسان للابتكار للمستقبل ناهيك عن دورها الاستراتيجي كقاطرة لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية لمجتمعاتنا العربية لمواكبة التغيرات العالمية وتوفير بيئه جاذبه للعمل والاستثمار واحتضان العقول العربية ومن هنا يأتي اهتمام الحكومات العربية بدعم وتوطين صناعة تكنولوجيا المعلومات كواحدة من أهم الصناعات التي سترسم مستقبلنا وما إذا كنا قادرين على الانتقال من صفوف الدول المستهلكة للتكنولوجيا إلى صفوف الدول المنتجة والمصدرة لها .
وفي الحقيقة تعد قضية فتح أسواق جديدة لصناعة التكنولوجيا والبرمجيات المصرية هى القضية الرئيسية التي تشغل حيزا كبيرا من تفكير الكثير من شركات البرمجيات المحلية وكذلك الكيانات الحكومية المعنية بتنمية وتطوير هذه الصناعة اعتمادا على ما نمتلكه من مقومات وإمكانيات .
ولعله من المهم أن نتفق على أن قضية زيادة وتشجيع صادراتنا التكنولوجية والتي تتجاوز حاليا 3.5 مليار دولار ، ومن المخطط الوصول بها الى 5 مليارات دولار خلال السنوات الثلاثة القادمة ، لن تحدث بين يوم وليلة ولن يقوم بها أحد نيابة عن شركات البرمجيات المصرية ولن نستطيع في ظل المنافسة الدولية الشديدة تصدير أي برنامج أو تطبيق لا يراعي المواصفات والمعايير الدولية في هذا المجال كذلك من الضروري التأكيد على أهمية دور المعارض الدولية المتخصصة في فتح أسواق جديدة لصناعة البرمجيات المصرية.
واذا كنت لست مع المتشائمين الذين يرون أن الأمور كلها سيئة وأن الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها العديد من الدول العربية ، ومنها وطننا مصر ، يمكن أن نتجاوزها عبر تنظيم الإدارة بل على العكس فرب ضارة نافعة إذ عادة ما تلعب مثل هذه الأزمات دور الكشاف الذي يتيح لنا التمييز بين الغث والثمين وبين من لديه رؤية وإستراتيجية مستقبلية يسعى لتحقيقها ومن يلهث وراء ضربة حظ أو الفرص العابرة .. ناهيك عن هذه الأزمات تجعلك تفكر جيدا فى كيفية الاستغلال الأمثل لكل مواردك المتاحة .
وتأتى الدورة التاسعة والثلاثون لـ " أسبوع جايتكس دبى للتقنية 2019 " وما يتزامن معها من الدورة الرابعة لمعرض " جايتكس نجوم المستقبل ، في ظروف ، أرى أنها الأفضل على الاطلاق بالنسبة لدعم مفهوم ريادة الأعمال ودعم وتمويل الشركات الناشئة والصغيرة العاملة في مجال تكنولوجيا المعلومات ، إذ تشير التقارير العالمية إلى أنه وبالرغم من التحديات الاقتصادية الحالية، فإن شركات التكنولوجيا الناشئة في منطقة الشرق الأوسط نجحت في جذب استثمارات مالية بقيمة 950 مليون دولار خلال عام 2018 ومن المتوقع أن تزداد هذه الاستثمارات بقيمة 30 % خلال عام 2019 .
كذلك المتابع لسوق التكنولوجيا في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وتسجيله معدلات نمو تجاوز 2 % وكونه يحقق واحدا من أعلى معدلات النمو من الأسواق الرئيسية الأخرى ،بما في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا الغربية واليابان ، إذ من المتوقع أن تتجاوز قيمة الإنفاق على تكنولوجيا والاتصالات بالمنطقة حاجز الـ 160 مليار دولار فى عام 2019 مقابل 155 مليار دولار خلال عام 2018 ، وفقا لتوقعات تقرير مؤسسة الأبحاث" جارتنر" العالمية للأبحاث ، في حين بلغ حجم الإنفاق لدول الخليج أكثر من نحو 60 مليار دولار ومن هنا تأتي أهمية هذه السوق .
ولعل مثل هذه التقارير تدلل بقوة على الفرص المتنوعة التي ما زالت تذخر بها منطقة الخليج في جميع القطاعات وبصفة خاصة قطاع التكنولوجيا والاتصالات وأن علينا استغلال ما لدينا من مقومات وإمكانيات لتحقيق قفزات نوعية وكمية نحو مستقبل أفضل في تعميق مفهوم الشراكة والتعاون التكنولوجي" المصري – الخليجي " مع الأخذ في الاعتبار أن دولة الإمارات تأتي ضمن أفضل بلدان العالم في تسخير تكنولوجيا المعلومات في دفع عجلة التنمية المستدامة، حيث تمكنت من تأسيس بنية تحتية تكنولوجية عالية الجودة توفر أفضل بيئة جاذبة للشركات.
وإذا كنا نتفق جميعا على أن "جايتكس دبي " أصبح أكبر تجمع إقليمي للعاملين في قطاع المعلومات والاتصالات ، ومنصة مهمة توفر لنا فرصاً ممتازة للتفاعل مع العملاء وبناء وتعزيز علاقات أكثر مع العملاء الحاليين وغيرهم من شركاء الأعمال الجدد أيضاً فان علينا أن نتساءل كيف يمكن أن يمثل المعرض فرصا لكثير من الشركات المصرية العاملة بمحال التكنولوجيا والاتصالات سواء العارضة او الزائرة وأيضا الشركات الناشئة ،لاسيما مع وجود الدعم الحكومي والسياسي ،وفي ظل الدعم المالي للمشاركة المصرية بالمعرض من قبل هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات "إيتيدا" والمستمر على مدار 15 عاما متتالية تقريبا ، للوقوف على احتياجات سوق المعلومات الخليجية من حلول تقنية وكيفية التواجد بهذه السوق ، سواء بصورة جماعية أو فردية ، خاصة أننا كل عام نسمع عن مقترحات وآليات للتواجد المصري بهذه السوق ما تلبث أن تذهب ادراج الرياح ويبقى فقط التحرك الفردي والمجهود الذاتي المعتاد من بعض الشركات .
في تصوري التوقيت الزمني لـ "جايتكس دبي " ، مع نهاية العام وحدوث الاستقرار السياسي والاجتماعي وبوادر انفراج الأزمة الاقتصادية في مصر ،يمكن أن يكون عنصرا ايجابيا للشركات المصرية للمعلومات لتلتقي الأطراف الجادة للبحث عن إقامة علاقات شراكة " مصرية – خليجية " وكيفية المساهمة في رسم ملامح الاستثمار الناجح في قطاع التكنولوجيا العربى فالجميع في حاجة ماسة الآن لمعرفة المعلومات الصحيحة التي تساعده على اتخاذ قرارات سليمة بعيدا عن مفهوم المجازفة والمخاطرة غير المحسوبة خاصة مع امتلاك غالبية دول المنطقة لاستراتيجية للتوجه نحو ما يعرف بالاقتصاد الرقمي القائم على المعرفة والتكنولوجيا .
في اعتقادي من المهم التفكير في شكل جديد للمشاركة المصرية بالمعرض وتحديد الأهداف المرجوة منها فالجميع لديه القناعة بأن الجناح المصري بالمعرض ، ككيان هيكلى فخم يعد من أكبر الأجنحة ويضم مجموعة من الشركات ، تناهز الثلاثين شركة تقريبا بصورة سنوية ، ربما لا يكفى فقط لوضع مصر على خريطة التكنولوجيا العالمية والتعبير عن التطورات التي شهدتها هذه الصناعة على مدار السنوات الماضية وإنما لابد من وجود مجموعة العوامل المساعدة وأجندة محددة بصورة مسبقة لما نريد تحقيقه وتوجيه الدعوات للزوار ومتخذي القرار في مؤسسات الأعمال والتكنولوجيا حتى يعلم الجميع ما هى أجندتنا الوطنية المسبقة للمعرض ونوعية المنتجات التى سيتم عرضها وكذلك تسليط الضوء على البرامج والمبادرات التى تطلقها وزارة الاتصالات لجذب الاستثمارات فى مجال تكنولوجيا المعلومات ودعم الشراكة بين الشركات المصرية ونظيرتها العربية والأجنبية .
ما نريد التأكيد عليه أن منطقة الشرق الأوسط شهدت حركة نمو قوية في مجال التنمية التكنولوجية وتعزيز مفهم ريادة الأعمال والإبداع التكنولوجي نتيجة الاستثمارات الحكومية الكبيرة وكذلك الاهتمام المتزايد لصناديق رأس المال المخاطر " VC " ، العربية والأجنبية ، بتمويل الشركات العاملة في هذا المجال بالإضافة لنمو الطلب الاستهلاكي للمستخدمين وعلى شركات تكنولوجيا العمل على استمرار هذا النمو بأسس سليمة تؤدى لتحقيق مصلحة جميع الأطرف المعنية من المستخدمين وشركات التكنولوجيا والجهات الحكومية ، آخذين في الاعتبار المتغيرات التي شهدتها الأسواق العالمية للتكنولوجيا ورغبتنا في التحول من مجرد مستخدمين للتكنولوجيا إلى مرحلة المنتجين والمساهمين في عملية الإبداع العالمي للتقنية .
سنظل نردد ، بصورة متكررة سنويا ، إننا نتطلع كذلك من خلال التواجد الرسمي المصري ان نتوصل لآليات واضحة ومحددة تتيح لشركات التكنولوجيا المصرية التواجد بقوة في سوق الحليج عبر فتح مكاتب مصرية بدول الخليج مهمتها الترويج لحلول التكنولوجيا التي نطورها ، حيث كانت هناك محاولة لجمعية "اتصال " منذ أربعة أعوام لا نعرف مصيرها الآن ، وكذلك البحث عن الفرص التي يمكن لشركات التكنولوجيا المصرية المشاركة بها بالسوق الخليجية ، سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص ، وكذلك العمل على جذب استثمارات مالية خليجية لإقامة مشروعات تكنولوجية في مصر ، خاصة بالمناطق التكنولوجية الأربعة التي تمت إقامتها بالفعل في برج العرب وأسيوط وبني سويف والسادات والاستفادة من توافر الكثير من الإمكانيات والكوادر والطلب الكبير الذي تمثله السوق المصرىة كبوابة للتواجد بالسوق الأفريقية .