§ بقلم : خالد حسن
سبحان الذي كتب على نفسه الرحمة والخلود وكتب على عباده وجميع خلائقه الفناء " كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ " وسمي نفسه " ٱلْحَىِّ ٱلَّذِى لَا يَمُوتُ " وأختص لنفسه بالملك السرمدي " لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ ٱلْوَٰحِدِ ٱلْقَهَّارِ " وأوصى سيدنا وحبيبنا المصطفى محمد صلي علي الله عليه وسلم فقال له "يا محمد أحبب من شئت فإنك مفارقه " .
فالموت هوَ الوقتُ المعلوم، والأجل المحدود، فإذا جاءَ أجلُ الإنسان فقد دنت ساعته، وحانت منيته ، وصدق الله " وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ"
كانت عادتى السنوية أن أكتب لأمي بعض الكلمات فى عيد ميلاديها محاولا ان أعبر لها عن أمتناني وحبي لها وأعترافي بفضلها علينا وما قدمته من تضحيات جمة من أجل أبنائها وتفانيها فى رعاية أسرتها .
ولكن من يرد على ذهني مطلقا أن يأتى اليوم الذى أكتب فيه كلمات لأنعي وفاة أمي وصعود روحها الطاهرة الى ربها.. يا الهي تتسابق دموع قلبي وعيني أفكار عقلي وخواطر نفسي اللهم الهمنى الثبات والصبر الجميل .
ومع رحيل أمي أدركت أن لله حكمة ، لا يعلمها الا هو ، فى كل أقدراه حيث أقتضت مشيئته سبحانه وتعالي ان يكتب عليها المعاناه من المرض علي مدار ربع قرن وأن يزداد الألم عليها فى أخر عامين بصورة كبيرة جدا ، تفوق قدرات غالبية البشر ، ولكنها كانت صابرة ومحتسبه وطامعه فى رحمة ربها وتدعوه بنفس راضية ليس أن ينعم عليها بالشفاء ولكن أن يبارك لها فى أولادها وأن تراهم فى أفضل حال .
أمي ... ما هذا الكم من الرضي وإنكار الذات إذ لم تعيشي يوما لنفسك وإنما عشتي دائما لغيرك وفي خدمة أولادك وأسرتك " وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " فمن عاش لنفسه يعيش صغيرا ويموت صغيرا، أما من عاش لغيره فإنه يعيش كبيرا ويموت كبيرا ووستظل ذكرى أعمالك الطبية فى قلوبنا وعقولنا الى ان يرث الله الارض ومن عليها .
أمي ...وانت الان فى دار الحق انا متأكد ان صبرك فى الحياة الدنيا لن يضيع " وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ " وان الخير الذى عشتي من اجله طوال عمرك سيكون له مقابل " وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ " .
أمي ... ما سر هذا الفيضان من الحب الذى كنت تحمليه للغير وتنثرينه علي كل من حولك فما هو الا كنزا من الرضي الذي أنعم به ربك عليك " وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا "
أمي ...أشهد انك كنت تتحرى الحلال ووجه الله فى جميع أفعالك ومختلف شؤون حياتك " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ " ولقيت ربك وأنت صائمة شهادة له بالوحدانية .
أمي ... أوكد لك أن الموت لن يغيب محاسنك وأعاهدك على الحفاظ على كل من كنت تحبينه من الأعمال الصالحة الطيبة يقينا بقول رَسُولَنا الكريم ، صلى الله عليه وسلم ،"إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ ، انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ ، إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أوْ وَلَدٍ صَالحٍ يَدْعُو لَهُ " والا يطوي الموت صحف أعمالك الطيبة وان تستمر الى ما شاء الله .
أمي ... يا خليلة النفس ويافرحة القلب ويا متعة العين ويا نبع الحنان اللهم أفض عليها من أنوارك وأفتح لها بابا من نسائم جناتك وأنزلها منزلا مباركا مع الصديقين والشهداء والصالحي والنبين وحسن أولئك رفيقا
أمي .. رحمك الله كنتي أجمل ما في دنيانا وبحق ما أمتلئت روحك من جمال وما تركته لنا من أشواق ادعو الله لك أن يرحمك بما شاء وكيفما شاء اللهم كما جعلت الجنّة تحت قدميها أجعل الجنّة دارها ومثواها وأذقها حلاوة الجنّة وريح الجنّة وطيب الجنّة ومسك الجنّة و لاتحرمها من نعيم الجنّة واجعل لقائنا بها فى الجنّة .
..شكر واجب
خالص الشكر لجميع المعارف والأصدقاء والأقارب لمواساتهم لنا فى المغفور لها باذن الله والداتى وأعظم الله أجركم .. ولا أركم الله مكروها فى عزيزا لديكم .