بقلم : خالد حسن
رغم أن عملية مخالفة تراخيص البناء ظاهرة فساد غير مخفية ومرئية للعيان وأمام الجميع ، سواء المواطن أو المسئول ، وتتعدى نتائج السلبية لتمتمد إلى جميع القاطنين في الشارع أو الحي أو المدينة إلا أنه ولأسباب مجهولة فإن الجميع كان يكتفي بإظهار علامات التعجب في كيفية حدوث ذلك أو توجيه الانتقاد لهذا الفساد من جانب رجال الصحافة دون أن يتحرك أحد وكان الأمر لا يعني المجتمع حتى باتت ظاهرة مخالفة تراخيص البناء هي الأصل في عملية البناء ومن النادر أن تجد من يلتزم ببنود التراخيص الصادر له من الحي أو الجهة المنوط بها منح التراخيص .
ومع تفاقم هذه الظاهرة أصبحت لدينا عشوائية في عملية البناء حتي في الأحياء السكنية الراقية ، وبوصفى من سكان حي مصر الجديدة شارع عبد العزيز فهمي والذي كان عبارة عن فيللات سكنية فقط أو عمارة لا تتخطى 4 أدوار ، ولكن في غفلة من الزمن تحول الشارع إلى أبراج وكتل خرسانية تتجاوز الـ 13 دورا وبدلا من أن تقطن في العقار أسرة وأبناؤها تجد الآن هناك اكثر من 30 أسرة لكل منها احتياجاتها مما شكل ضغطا كبيرا على كل المرافق وأهمها مياه الشرب وأماكن للسيارات وازدحام المرور وهذا النموذج تجده متكررا في كل الأحياء السكنية مما يهدد بتحولها إلى عشوائيات سكنية وعلب من الخرسانة. ويعد هذا تهديدا حقيقيا لكل الجهود التي تقوم بها الدولة لتحسين نمط معيشة المواطن المصري .
وفي مواجهة قوية وحاسمة مع هذه الظاهرة أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي ـ رئيس الجمهورية ـ أن مخالفات البناء من أخطر القضايا بسبب التعدي على هيبة الدولة وتهديد حياة الأفراد وأنه يكلف الدولة مئات المليارات من الجنيهات لمعالجة التشوهات والآثار السلبية لكل أنواع مخالفات تراخيص البناء مؤكدا ضرورة إيقاف كل أعمال إصدار تراخيص البناء ومراجعة شاملة لكل التراخيص التي تم منحها وفي حالة وجود مخالفات يجب تطبيق القانون عليها فورا وإزالة هذه المخالفات بالإضافة إلى معاقبة المسئولين عن هذه المخالفة سواء المالك أو المقاول أو مهندس الحي أو موظفي المحليات حتي لو انتقل من وظيفته .
وفي نفس هذا الإطار إعلان وزير التنمية المحلية أن أعمال الحصر المبدئي لمخالفات البناء أكدت أن عدد مخالفات البناء منذ يناير 2011 حتى ديسمبر 2019، تجاوز 133 ألف مخالفة .. الأمر الذي دفع الرئيس السيسي إلى ضرورة وجود المخالفين في السجون الآن بعد اتخاذ كل الإجراءات القانونية معهم .
وفيما يمكن وصفه بمفاجأة من العيار الثقيل وكم التلاعب والممارسات الخاطئة في هذه الظاهرة أكد المستشار حمادة الصاوي ـ النائب العام ـ في اجتماعً بأعضاء غرفة العمليات المشكلة مع المستشار رئيس المكتب الفني للنائب العام والأعضاء به؛ أنه من خلال المتابعة اليومية المتواصلة لتحقيقات جرائم قانون البناء والتعديات على الااضي الزراعية المملوكة للدولة على مستوي الجمهورية فإن هناك نحو 11 إشكاليات ببعض إجراءاتها وتمثل أولها في عدم إثبات بيانات المخالفين بالمحاضر التي تُحررها جهات الاختصاص بدقة، مما أدى لعدم صدور أحكام بإدانة المخالفين الحقيقيين فيها، وصدور أحكام نهائية بإدانة آخرين غيرهم كذلك التراخي في تحرير المحاضر المذكورة وعرضها على«النيابة العامة»- عمدًا أو إهمالًا - مما أدى لانقضاء الدعوى الجنائية في كثير منها بمضي المدة المقررة قانونًا،والإضرار بالمال العام.
عدم إثبات أسماء المقاولين القائمين بالتنفيذ أو المهندسين المشرفين عليه بالمحاضر المحررة عن مخالفة شروط الترخيص المنصوص عليها بقانون البناء رغم توافر بياناتهم بملفات الترخيص بجانب عدم اتباع الإجراءات القانونية لإعلان المخالفين والمقاولين والمهندسين بقرارات إيقاف الأعمال المخالفة، أو إعلانهم بمحال إقامة غير صحيحة.
خلو بعض محاضر المخالفات من قيمة الأعمال المخالفة رغم ضرورة هذا البيان في تحديد العقوبة المالية المقررة قانونًا وتنفيذها علاوة على خلو بعض محاضر التعدي على الرقعة الزراعية من بيان المساحات المتعدى عليها، وصفات مرتكبي جريمتي التبوير والتجريف من بين ملاك الأراضي أو نوابهم أو مستأجريها أو حائزيها.
كما بينت خلو بعض محاضر التعدي على أملاك الدولة من تحديد مقدار النفع العائد على المتهمين من تلك التعديات، رغم أهمية ذلك في تحديد مقدار العقوبة التكميلية الوجوبية المقررة قانونًا مع تقديم شهادات من الجهات الإدارية المختصة في بعض القضايا المتداولة تفيد إزالة المخالفات - على خلاف الحقيقة - مما يؤدي إلى القضاء بإيقاف تنفيذ العقوبات المقضي بها.
ايضا تقديم بعض المتهمين بتحرير عقود بيع عرفية مزورة لإثبات بيع العقارات المخالفة بتواريخ سابقة على ارتكاب المخالفات - على خلاف الحقيقة - إلى المحكمة مما يترتب عليه قضاؤها بالبراءة مع تأخر البت من اللجان المنصوص عليها في قانون التصالح في بعض مخالفات البناء وتقنين أوضاعها، مما أدى إلى إيقاف السير والفصل في كثير من الدعاوى بالإضافة إلى عدم تنفيذ بعض الأحكام الصادرة بالإدانة مما يجعلها عُرضة لانقضاء الدعوى الجنائية فيها بمضي المدة، أو لسقوط العقوبة.
وتذليلًا لما رصدته غرفة العمليات من تلك الإشكاليات المرصودة، وتعزيزًا لدور النيابة العامة في التصدي لتلك الجرائم والقضاء على ظاهرتها؛ أعدَّت الغرفة المشكلة بالمكتب الفني للنائب العام دليلًا إرشاديًّا عمليًّا لسائر أعضاء النيابة العامة على مستوى الجمهورية في تحقيق تلك الجرائم، وتلافي العيوب الإجرائية المرصودة بها، وتكليف السادة رؤساء النيابات الجزئية ومديريها بالتنبيه على الجهات الإدارية المختصة باستيفاء البيانات الجوهرية المطلوبة بمحاضر تلك المخالفات وتلافي العيوب المشار إليها، والتحقيق في كل وقائع إخلال موظفي تلك الجهات بأيٍّ من مهام وظائفهم، وما يشكله ذلك من جرائم العدوان على المال العام.
وخاطب المستشار «النائب العام» اللواء وزير الداخلية؛ لإصدار تكليفاته بسرعة تنفيذ أحكام الإدانة الصادرة في تلك القضايا، وعقد السادة أعضاء غرفة العمليات بالمكتب الفني للنائب العام برئاسة السيد المستشار رئيس المكتب اجتماعًا مع عدد من قيادات وزارة الداخلية بقطاعاتها المختلفة لتعزيز التعاون في التصدي لتلك الجرائم، وتذليل العقبات الإجرائية فيها.
وفي تصوري أنه من الضروري أن تستعين النيابة العامة بإنشاء قاعدة بيانات ومنصة إلكترونية موحدة لكل العقارات السكنية الموجودة فى كل حي سكنى يتم فيها وضع ملف إلكتروني لكل المعلومات والبيانات الخاصة بكل عقار تتضمن المالك والمهندس الاستشارى ومكتب أو شركة المقاولات المنفذة والموظفين والمهندسين في الحي المسئول عن منح التراخيص للعقار ومدى التزامه بإزالة المخالفة ، لو وجدت ، ودعم الغرامة المالية المقررة وضمان عدم التلاعب بتراخيص المبنى وتغيير طبيعتها وتطبيق أكواد البناء وفقا للمواصفات المصرية مع وجود صور للمباني أثناء وبعد التنفيذ .
وهنا أشير عن تجربة شخصية لي مع جهاز مدينة العبور ، ورغم أنه يفترض أنه جهاز جديد ويجب أن يتبنى تطبيقا لأحدث الحلول التكنولوجية للتوثيق والحفاظ على كل الرسومات والبيانات المتعلقة بالوحدات السكنية التابعة له ، إلا أنه وفي احتكاك مع موظفي الجهاز فإنك تكتشف كم الإهمال من جانب الموظفين وضياع البيانات والرسومات الخاصة بعقارك ولولا احتفاظك بنسخة من الأوراق والرسومات لكنت تعرضت للكثير من المشاكل والتحديات لأن موظفي الجهاز لا يعترفون بما تم ويتعاملون معك من البداية وأنهم لا يعلمون عنك أي شىء رغم أنهم الجهة المصدرة لكل التراخيص ولكن ضياع الملفات لديهم أو اختفاء الرسومات المعتمدة من جانبهم فهم ليسوا مسئولين عن ذلك وعلى المواطن "ان يضرب رأسه في الحيط" للحصول على حقه .
وفي النهاية نطالب أن تقوم وزارة التنمية المحلية بالتعاون مع وزارة الاتصالات بإنشاء قاعدة بيانات إلكترونية موحدة ومحدثة تضم كل المعلومات عن العقارات الموجودة في كل حي والتأكد من مستوى جودة هذه المنصة في توثيق وإتاحة المعلومات وليس مجرد عمل مسح إلكتروني ، باستخدام جهاز الاسكانر ، وتأهيل الموظفين بالأحياء للتعامل مع إدخال وإخراج البيانات من هذه المنصة حيث إن غالبيتهم غير مؤهل والكثير منهم لا يريدون التعامل مع الأدوات التكنولوجية الحديثة .