بقلم : خالد حسن
بعد أقل من شهرين وتحديدا مع انطلاق العام الدراسي الجديد ، في منتصف أكتوبر المقبل ، سيتم البدء في تطبيق منظومة جديدة للتعليم، تعتمد على مجموعة من المحاور الأساسية أهمها زيادة استخدام الأدوات التكنولوجية في تنمية مهارات كل مكونات العملية التعليمية بداية من الطالب والمعلم والمناهج والمدرسة حيث تهدف المنظومة الجديدة ؛ التي قدمتها وزارة التربية والتعليم منذ عامين ووافق عليها مجلس الوزراء ، وتم دعم تنفيذها بقيمة 2 مليار دولار على مدار 14 عاما ، أن يكون نظام التعليم الهجين ـ الذي يجمع بين آليات التعليم التقليدي والأدوات التكنولوجية الحديثة ـ مختلفا من حيث المضمون للمناهج الدراسية المقررة أو آليات تقديم خدمة التعليم بما يؤدي في النهاية إلى تغليب مبدأ التفاعل والإبداع لدى الطلبة أكثر من مفهوم التلقين والحفظ .
ولعلنا جميع الأسر المصرية ـ بكل مستوياتها المادية ـ عانت على مدار السنوات الماضية من ارتفاع الأعباء المالية لعملية تعليم أبنائها ، بداية من ارتفاع مصاريف المدارس مرورا بالارتفاع المبالغ في أسعار الأدوات الدراسية ـ كشاكيل وكراسات وأدوات مكتبية - وصولا إلى لهيب الدروس الخصوصية وانتشار ظاهرة المراكز التعليمية كبديل للمدرسة .. خاصة لطلاب السنوات النهائية للمراحل التعليمية قبل الجامعية ، هذا بالإضافة إلى تراجع مستوى العملية التعليمية بصورة كبيرة وعدم رضاء كل فئات المجتمع عن مخرجاتها من طلاب بدون قدرات شخصية أو تفكيرية تتواكب مع متغيرات عصر المعرفة .
فهل حان الوقت ، من خلال منظومة التعليم الجديدة التي أطلقتها وزارة التربية والتعليم منذ عامين ، للتخلص من هذه الأعباء اللا منطقية والتي تزيد من أعباء عملية التعليم وتكرس مفهوم الحفظ لدى الطلبة، ويعيد للأذهان بصورة كبيرة ضرورة الاعتماد على مفهوم "التعليم الإلكتروني" الذى ننادي به منذ أكثر من 15 عاما .
ومع مطلع الألفية الثانية يكثر الحديث على المستوى المحلي عن مفاهيم " التعليم عن بعد " و" التعليم الإلكتروني " كأحد أهم ثمار ثورة التكنولوجيا والاتصالات والتي يمكن أن يكون لها أثارها الإيجابية على تحسبن وتطوير العملية التعليمية في مدارسنا وجامعاتنا والتحول من الأسلوب التقليدي المعتمد على التلقين والحفظ إلى التركيز على التفاعل والتفهم بين الطالب والمدرس والمناهج التعليمية .
في اعتقادي أن "التعليم الإلكتروني" يمكن أن يساهم أيضا في حل مشكلة ازدحام الفصول وقاعات المحاضرات ومواجهة العجز في هيئات التدريس, وينشر ثقافة التعليم والتدريب, ويوفر بيئة تعليمية تسمح للطلبة والمعلمين وأولياء الأمور وإدارة المدرسة بالتواصل عير تنفيذ نظام الحصص التخيلية والذي يمكن بثه من خلال المركز التكنولوجي التابع لوزارة التربية والتعليم.
وفي الحقيقة يجب أن نفرق بين كل من مفهوم " التعليم عن بعد " والتعليم الإلكتروني " فإذا كان الأول يتيح للطالب في أي مكان إمكانية الحصول على المناهج التعليمية ومتابعة دراسته التعليمية دون أن يضطر إلى الذهاب إلى مراكز الدروس الخصوصية بما يعنى توفيرا في التكلفة المالية للطالب فإن مفهوم " التعليم الإلكتروني " يطلق على منظومة متكاملة لتطوير التعليم تشارك فيها المدرسة من خلال استخدام أدوات تكنولوجيا متطورة في عملية التدريس بدلا من الأدوات التقليدية وأن تتاح للأسرة فرصة أكبر لمتابعة عملية التحصيل والتقييم لأبنائها من خلال الموقع الإلكتروني للمدرسة .
في تصوري أن استمرار مجانية التعليم " النظرية " ستؤدي للأسف في مزيد من التدهور للعملية التعليمية فرغم تفاخر الدول بمجانية التعليم ، وإزلال المواطنين بالدعم الذي تقدمه ، إلا أنه في الحقيقة ليس هناك تعليم أصلا في المدارس الحكومية المجانية وجميع الطلاب ، بلا استثناء ، يعتمدون على الدروس الخصوصية مما يلهب ظهر أولياء الأمور من المصاريف المبالغ فيها للمدرسين الخصوصيين.. فلماذا لا يكون لدى متخذ القرار الجرأة والقدرة على مواجهة الرأي العام والمجتمع والقول إن استمرار التعليم المجاني لن يؤدي إلا لمزيد من التدهور وأن فرض رسوم " معقولة ومناسبة " هو السبيل الأمثل إلى إعادة هيكلة شاملة وتطوير عملية التعليم برمتها وبدلا من أن تذهب عشرات المليارات من الجنيهات سنويا من أموال أولياء الأمور إلى جيوب فئة محدودة من المدرسين الخصوصيين "معدومي الضمير " تذهب إلى تطوير المدارس، وتحسين المناهح، ومنح جميع المدرسين رواتب محترمة تجعلهم قادرين على العيش بكرامة .
ومن أهم متطلبات " التعليم الإلكتروني " توافر المواد والمناهج الدراسية بصورة رقمية " سواء على موقع إنترنت أو تطبيق للمحمول " وتكون متوافرة للطلبة بما يسمح لهم بالاستعانة بها في الاستذكار في أي وقت وأي مكان عبر التابلت الذي ستوزعه وزارة التربية والتعليم ،كما يجب أن تكون تلك المناهج مصممة بطريقة تسمح بوجود قدر أكبر من التفاعل الإيجابي بين الطالب والمنهج بعيدا عن الحشو والتكرار والذي لا هدف منه إلا ملء عقول الطلبة بما لا يتفق مع تنمية قدراتهم الذهنية في التفكير والابتكار.. وهنا نأمل أن تكون الاتفاقية التي وقعتها مؤخرا وزارة التربية والتعليم مع شركة أورنج مصر لإنتاج المحتوى التعليمي لإطلاق منصة رقمية للدروس الإلكترونية وإتاحتها للطلاب هى النواة لإيجاد محتوى تعليمي مبتكر لمساعدة الطلاب على تنمية مهاراتهم الشخصية والإبداعية .
ومؤخرا أكد الدكتور طارق شوقي ـ وزير التربية والتعليم، إن هذه الخطوة تأتي في إطار اهتمام الوزارة بتوفير بدائل لأبنائنا الطلاب للتعليم عن بعد، والتي بدأتها الوزارة منذ بداية أزمة كورونا والتي شهدت إطلاق أكثر من مكتبة رقمية (https://study.ekb.eg) ومنصة لبث الدروس التعليمية لأبنائنا الطلاب (https://stream.moe.gov.eg)، كما أطلقت الوزارة منصة لبث المراجعات النهائية لطلاب الثانوية العامة لمختلف المواد" https://www.thanaweya.net " موضحا أن جميع هذه الإجراءات تأتي في إطار تنفيذ استراتيجية متكاملة لتطوير المنظومة التعليمية، فضلاً عن اتباع الوزارة لسياسات جديدة تعتمد بشكل كبير على الوسائل التكنولوجية والتعليمية الحديثة تنفيذًا لخطة الدولة الشاملة للتعامل مع أي تداعيات محتملة لفيروس كورونا المستجد.
نؤكد الحل الأمثل ليس مجرد توفير جهاز كمبيوتر " لوحي " للطلبة بدون أن يترافق معه محتوى تعليمي يسمح للطلاب بتعظيم الاستفادة من جهاز الكمبيوتر ، وليس استخدامه كأداة لممارسة الألعاب الإلكترونية ، كما يجب التوسع في توفير خدمات الإنترنت فائق السرعة ، البرود باند ، بالمدراس خاصة أن مستوى خدمات الإنترنت المحمول ، في الوقت الحالي ، لا يمكن الاعتماد بصورة كاملة لتلبية احتياجات ملايين الطلاب .. ناهيك عن ضرورة تأهيل وتدريب المدرسين على طريق التعليم الإلكتروني وأن يكونوا قادرين على التعامل مع الأجهزة الإلكترونية ،كالسبورة الإلكترونية التفاعيلية ، ونقل أهمية التكنولوحيا وتعظيم استفادة الطلبة منها وتأهيلهم للتعامل مع الأدوات الجديدة لعصر المعرفة وليس مجرد توافر جهاز الكمبيوتر اللوحي نكون نجحنا في تطوير العملية التعليمية.
في النهاية نؤكد توفير جهاز الكمبيوتر ـ اللوحي ـ ليس بمثابة نوع من الوجاهة أو التفاخر وإنما آلية حقيقية لتطوير التعليم والانتقال لمرحلة التعليم الإلكتروني خاصة وأن التنمية البشرية تعد بمثابة التحدي الأساسي الذي يجب أن نواجه إذا أردنا اللحاق بركب الدول المتقدمة حيث إن تخلف المهارات البشرية فى المستقبل عن التعامل مع التكنولوجيا الحديثة سيولد نوعًا من البطالة يعرف بالبطالة الفنية نتيجة الاستغناء عن القوى البشرية القائمة وغير القادرة على التعامل مع النمط الجديد من متطلبات سوق العمل ونؤكد أن قدراتنا على إثبات وجودنا مستقبلاً وفي ظل النظام العالمي الجديد (العولمة) مرهون بقدرة أجيالنا على التعايش مع التقدم التكنولوجي ومحاكاته بفعالية لا بمظهرية وباعتبارنا مشاركين في صنع هذا التقدم وليس مجرد متلقين لثماره.