٦٩٠ مليون مسافر: التحليل الاستراتيجي الذي يغيّر قواعد اللعبة

  • بقلم : لطيفة زنينة

    استشارية استراتيجية الذكاء الاصطناعي ومحللة بيانات متخصصة في صناعة الضيافة الفاخرة مكتب الاستشارات Elite Consulting

     

    صدرت الأرقام. ٦٩٠ مليون مسافر دولي عبروا الحدود خلال النصف الأول من عام ٢٠٢٥. ليست مجرد إحصائية في تقرير، بل إشارة محورية لمن يمتلك القدرة على قراءة ما بين السطور.

    خلف هذه الأرقام تتكشّف حقيقة استثنائية: المسافر المعاصر لم يعد ذاك الذي عرفناه. وللمؤسسات التي تستوعب عمق هذا التحوّل، تُفتح آفاق فرص لم يشهدها القطاع من قبل.

    حين تروي الأرقام ملحمة التحوّل

    لنتأمل الحركة التكتونية للأسواق. أفريقيا تقفز بنسبة ١٢٪، اليابان وفيتنام تنفجران بمعدل +٢١٪، بينما يسجّل المغرب قفزة مبهرة بنسبة ١٩٪. هذه الوجهات لم تعد تلحق بالركب، بل باتت تصنع المسار.

    غير أن ما تخفيه جداول البيانات أعمق بكثير: هؤلاء المسافرون المتدفقون نحو هذه الوجهات الصاعدة يبحثون عن تجارب شخصية خالدة في الذاكرة. لا يكتفون بالإقامة في مكان فاخر، بل يتوقون لأن يعيشوا حكاية يكونون أبطالها الحقيقيين.

    مفارقة التسعير: حين يتحوّل التضخم إلى ورقة رابحة

    التضخم السياحي يبلغ ٦.٨٪ في عام ٢٠٢٥. البعض يراه تهديداً وجودياً. أصحاب البصيرة يكتشفون فيه فرصة ذهبية.

    لماذا؟ لأنه حين ترتفع الأسعار في كل الاتجاهات، تصبح القيمة المضافة المتفرّدة هي البوصلة الوحيدة. المسافر الراقي لا يبحث عن الأقل سعراً، بل عن الأذكى استثماراً. ذاك الذي يبرّر كل درهم أو ريال أو دينار مُنفق عبر تجربة لا تُمحى من الذاكرة.

    وهنا تحديداً يدخل الذكاء الاصطناعي اللابرمجي إلى المشهد. ليس كتقنية عابرة، بل كسلاح استراتيجي يُمكّن المؤسسات من تخصيص كل لحظة تفاعل دون استنزاف الموارد البشرية.

    كيمياء التميّز في عصر الرقمنة

    تصوّروا المشهد: ضيف ياباني يُتمّ حجزه. أنظمتكم الذكية تستشرف تفضيلاته السابقة تلقائياً، تستبق احتياجاته قبل أن ينطق بها، وتُنسّق تجربة مصمّمة خصيصاً له تُبرّر بالكامل تموضعكم السعري المتميّز.

    لم يعد هذا ضرباً من الخيال العلمي. إنه المعيار الجديد للمؤسسات التي ستقود السوق في ٢٠٢٦.

    بلغت عائدات السياحة الدولية ١٧٣٤ مليار دولار في ٢٠٢٤. هذا الكنز المالي يتدفّق تدريجياً نحو الفاعلين الذين يتقنون ثلاثة أركان أساسية:

    التخصيص التنبؤيالاستباق بدلاً من ردّ الفعل.

    التحسين اللحظيمواءمة الأسعار والخدمات حسب الطلب والسلوك الآني للضيف.

    التجربة الانفعالية المُعزّزةابتكار لحظات استثنائية تُضخّمها التكنولوجيا الخفيّة.

    الأسواق الصاعدة: حيث يُكتب مستقبل القطاع

    بينما ينشغل البعض بالتنافس على حصص متقلّصة في الأسواق الأوروبية المُشبعة، تلتقط المؤسسات صاحبة الرؤية البعيدة التدفقات الهائلة القادمة من آسيا وأفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط.

    الصين ترفع إنفاقها الخارجي بنسبة ١٦٪. سنغافورة بمعدل ١٠٪. هؤلاء المسافرون يُمثّلون الشريحة الأعلى ربحية، تلك التي لا تساوم حين تكون التجربة بمستوى طموحاتها.

    لكن ثمة تحدٍّ حقيقي: هؤلاء الضيوف يتوقّعون تطوّراً تقنياً متقدّماً لا تستطيع مؤسسات أوروبية عديدة توفيره بعد. التعرّف على الوجه عند تسجيل الوصول، مساعد ذكاء اصطناعي متاح على مدار الساعة بلغتهم الأم، توصيات فائقة التخصيص مبنية على أنماطهم السلوكية.

    الميزة الحاسمة: المبادرة الآن أو التأخّر للأبد

    نافذة الفرصة مفتوحة، لكنها لن تظل كذلك طويلاً. التوقّعات تشير لنمو مستدام بين ٣ و٥٪ لما تبقى من ٢٠٢٥. كل ربع سنة يمرّ دون تحسين يعني ملايين اليوروهات المتبخّرة.

    المؤسسات التي تدمج حلول الذكاء الاصطناعي اللابرمجي اليوم لا تكتفي بالصمود أمام التضخم والمنافسة، بل تؤسّس لهيمنة يستحيل على المتأخّرين اللحاق بها.

    لأن السياحة في الغد لن تُقاس بعدد النجوم أو الشهادات فحسب. ستُقاس بالقدرة على صناعة الانبهار الشخصي، على نطاق واسع، مع كفاءة تشغيلية تحمي هوامش أرباحكم.

    السؤال لم يعد: هل يجب التحوّل؟ بل: بأي سرعة ستتحرّكون قبل أن يسبقكم منافسوكم إلى القمة

    الأرقام تكشف الاتجاهات. الاستراتيجية تحوّل الاتجاهات إلى عائدات. والذكاء الاصطناعي اللابرمجي يجعل هذا التحوّل في متناول الجميع، حتى المؤسسات التي ظنّت أن التقنية ليست من عالمها.

     

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن