التغيرات المناخية .. وتقنيات " AI "

  • نبضات

    بقلم : خالد حسن

    استمرارا لحديثنا الذي بدأناه في نفس هذا المكان ، الأسبوع الماضي ، حول إمكانية الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات في تشجبع شركات التكنولوجيا الناشئة في تطوير حلول ابتكارية لمعالجة ومواجهة كل تداعيات المشاكل المتعلقة بالتغير المناخي وما أدي إليه من آثار سلبية اقتصادية واجتماعية نستكمل اليوم الحديث حول دور تقنيات الذكاء الاصطناعي " AI "  في مواجهة تغيّر المناخ وإنقاذ البشرية من أخطار الكوارث الطبيعية  حيث بلغت درجات الحرارة الأعلى على الكوكب، بلغت مستويات قياسية في دول عدّة مثل الصين والهند وتايلاند وكندا وكوريا وبعض الدول الأوروبية وبعض الولايات الامريكية  والتى سجلت أشد أيامها حرارةً خلال شهر يوليو الماضي .

    ولعلنا نتفق أن تقنيات الذكاء الاصطناعي أظهرت قدرتها على تحسين الأداء في صناعات مختلفة، بدءًا من الرعاية الصحية إلى التمويل، عبر تحليل كميات هائلة من البيانات واتخاذ القرارات الصائبة في ضوء ذلك وبالطبع فإن مشكلة التغيرات المناخية يمكن أن تشكل فرصة حقيقية لتطوير الكثير من الحلول التكنولوجية التي ستساعد إما في معالجة السلبيات الناجمة عن الاحتباس الحراري العالمي أو في إيجاد حلول جذرية للأسباب التى أدت إلى هذه التغيرات المناخية لتخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ،من الوقود الأحفوري، وأيضا امتصاص المزيد من ثاني أكسيد الكربون عبر سطح الأرض من خلال التمثيل الضوئي.

    ويبدو أن شهر أغسطس الحالي لن يكون أفضل حالاً، إذ اجتاحت موجه من الفيضانات مناطق واسعة في آسيا عدا عن درجات الحرارة المرتفعة التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية كشفت دراسة حديثة أن درجات الحرارة في الشرق الأوسط ترتفع بمعدل الضعف تقريباً مقارنةً ببقية العالم ولا شك أن درجات الحرارة المرتفعة هذه سيكون لها عواقب بعيدة المدى على صحة وحياة الناس ومسارات التنمية الاقتصادية بالمنطقة.

    ويعدّ الذكاء الاصطناعي المقترن بقدرات الحوسبة السحابية من الأدوات الفعالة لمساعدتنا في التصدي لهذه المشكلة، حيث يمكنه معالجة كميات هائلة من البيانات، واستقراء أحوال الطقس، وتكوين رؤى واضحة تساعد على فهم الطقس والتنبؤ به بشكلٍ أفضل كما يمكن للذكاء الاصطناعي أيضاً دمج مصادر متعددة للمعلومات مثل صور الأقمار الصناعية، ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي، وبيانات المصادر الجماعية لتوفير صورة أكثر شمولاً عن حالة الطقس إذ تسلط هذه القدرات الفريدة الضوء على أهمية وضرورة انخراط شركات التقنية بتعمق في مسألة التنبؤ بالطقس ومعالجة حالة الطوارئ المناخية وفقا لبعض تنبؤات الـ " AI " فإن من المتوقع أن ترفع درجة حرارة الأرض بواقع درجتين مئويتين في عام 2050 حتى لو نجحت دول العالم في الوصول إلى صفر إنبعاث حراري بالتحول نحو استعمال المصادر المتجددة، لتوليد الكهرباء النظيفة المُستدامة ، بعيدًا عن الوقود الأحفوري .

    وكشفت ورقة بحثية ، نشرت مؤخراً ، أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن تساهم بنسبة تصل إلى 70٪ في عمليات تخفيض الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2060، وهذا يعادل خفض ما يزيد على 35 مليار طن من الانبعاثات الكربونية من الآن حتى عام 2060 ويؤكد التقرير أن الطريق نحو تحقيق الحياد الكربوني يتطلب تكثيف استخدام التقنية. ومن هنا تنبع الحاجة إلى تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في قطاعات مختلفة عبر البنية التحتية لتقنية المعلومات والاتصالات، جنباً إلى جنب مع تقنيات الحد من الكربون لابتكار تقنيات متطورة وتحقيق النتائج المرجوة.

    وبفضل الابتكار المستمر في عمليات تخزين البيانات والقدرات الحاسوبية  المتنوعة والخدمات السحابية، يمكن لشركات التقنية العالمية تسهيل التحول نحو العالم الرقمي لجميع القطاعات. ويمهد هذا التحول الطريق لبناء عالم ذكي تماماً يمكن فيه للذكاء الاصطناعي أن يلعب دوراً محورياً في جهود التخفيف من تغير المناخ والتكيف معه، وتوفير المزيد من المزايا التي تدعم مستقبل البشرية.

    كما كشف ورقة بحثية  اخرى ، طرحتها “هواوي كلاود” حول نموذج الذكاء الاصطناعي المبتكر الخاص بتنبؤات الطقس “بانجو ويذر” Pangu Weather وتمّ نشرها في مجلة “نيتشر” Nature، إحدى أهم المراجع العلمية المرموقة في العالم ،  وتناولت الورقة كيفية تطوير نظام دقيق وسريع وموثوق الأداء للتنبؤ بالطقس في جميع أنحاء العالم بناء على قدرات التعلم العميق وتحليل البيانات التي تم جمعها على مدار 43 عاماً اذ يتميز النظام الجديد بدقة أعلى من أساليب التوقعات التقليدية العددية، ويعمل على تحسين سرعة التنبؤ بنسبة تصل إلى 10 آلاف ضعف، مما يقلص مدة التنبؤ بحالة الطقس العالمي لبضع ثوانٍ فقط. وتقدم الورقة البحثية المعنونة طيفاً واسعاً من التجارب المستقلة التي تسلط الضوء على الكفاءة الاستثنائية للنموذج الجديد، حيث تبرز دقة نموذج “بانجو ويذر” في التجارب العلمية كبديل ثوري لطرق التوقع العددية التقليدية التي تحتاج لوقت يتراوح بين ساعة واحدة إلى 7 أيام وبات بالإمكان التنبؤ بأدق تفاصيل الحالة الجوية كالرطوبة وسرعة الرياح ودرجة الحرارة وضغط مستوى سطح البحر خلال بضع ثوان.

    ويمكن للذكاء الاصطناعي أيضاً تحسين عمليات توزيع الموارد وتنسيق جهود مختلف الوكالات والأطراف المعنية لذا فإننا بحاجة اليوم لتبني منظومات ذكاء اصطناعي واسعة النطاق من خلال تضافر جهود القطاعين العام والخاص لتعزيز أبحاث الذكاء الاصطناعي0  وتنظيمها وتنمية المواهب المرتبطة بها وهنا تبرز الحاجة لدمج الذكاء الاصطناعي وتقنيات احتجاز الكربون، اللذين لديهما القدرة على إشعال ثورة في الآلية التي نواجه بها التغيرات المناخية، إذ وفق معلومات للأبحاث المتخصصة في هذا المجال ، يستطيع الذكاء الاصطناعي تحسين عملية احتجاز الكربون وتخزين انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون من المصادر الصناعية، مثل محطات الكهرباء والمصانع ومن خلال الاستفادة من لوغاريتمات الذكاء الاصطناعي، يستطيع الباحثون تحديد أكثر الطرق الفاعلة في احتجاز ثاني أكسيد الكربون، إضافة لمعرفة مواقع التخزين الأكثر مواءمة .

    كذلك سيؤدي التعاون بين الحكومات والمؤسسات البحثية وشركات التكنولوجيا إلى تسريع أبحاث الذكاء الاصطناعي ووضع لوائحه التنظيمية ومعاييره الدولية وضمان مشاركة مزايا الذكاء الاصطناعي بشكل منصف عبر مختلف البلدان. وتمضي القدرات البيئية للذكاء الاصطناعي إلى أبعد من ذلك، حيث يمكن استخدامه للمساعدة في تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والتحول نحو اقتصاد منخفض الكربون.

    فى إعتقادي يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين كفاءة الطاقة وإدارة الطلب عليها ودمج موارد الطاقة المتجددة ضمن مختلف القطاعات مثل النقل والتصنيع والزراعة والبناء. ويمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي أيضاً لتعزيز تقنيات التقاط الكربون وتخزينه، ورصد عمليات إزالة الغابات وفقدان التنوع البيولوجي، وزيادة المرونة المناخية والتكيف مع تداعيات تغير المناخ وهذا ما أكده الاتحاد الدولي للاتصالات ، خلال المؤتمر الذي عقده مؤخرا ،  أن مسار العمل الرقمي الأخضر يؤكد الدور المحوري للتقنيات الرقمية في مراقبة المناخ، والتكيف المناخي، وأنظمة الإنذار المبكر، وتدابير الحدّ من التغير المناخي مثل زيادة كفاءة الطاقة ودعم الشبكات الخضراء وتسريع تنمية الاقتصادات الدائرية على امتداد سلسلة القيمة.

    وفي تصوري سيؤدي اتساع نطاق استخدام البيانات والأجهزة إلى زيادة استهلاك الطاقة وزيادة انبعاثات قطاع تقنية المعلومات والاتصالات والمواد المستخدمة في هذه الصناعة والنفايات الإلكترونية في جميع أنحاء العالم وأنه اذا كان  تغيّر المناخ يشكل تهديداً حقيقياً للبشرية جمعاء، فإن تقنيات الذكاء الاصطناعي سيعزز قدرتنا على التنبؤ بأحوال الطقس والاستعداد لها والحد من تأثير تقلباته الحادّة وكوارئه على حياة البشر والبنية التحتية.

    في النهاية يمكننا التأكيد على أنه من خلال تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة والاستفادة من الكميات الهائلة لبيانات الطقس السابقة وتعزيز الابتكار بالشراكات بين القطاعين العام والخاص، يمكننا بناء مستقبل يلعب فيه الذكاء الاصطناعي دوراً محورياً في الاستعداد لمواجهة تداعيات تغير المناخ والاستدامة وعلينا أن نغتنم هذه الفرصة لبناء عالم أكثر مرونة واستدامة للأجيال القادمة كما نذكر أن تقنيات احتجاز الكربون المُعززة بالذكاء الاصطناعي تتيح لنا فرصة ذهبية لتخفيف آثار التغيرات المناخية ، وتعزيز النمو وتوفير الوظائف؛ ما يتيح الاستفادة الكاملة من إمكانات تلك التقنيات، عبر جعلها أكثر كفاءة، وميسورة التكلفة، ومُستعمَلة على نطاق واسع.

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن