لأول مرة في التاريخ : معدل الربح " صفر " لدور العرض.. و" هوليوود " مهددة بخسارة مليارات الدولارات
فيروس " كوفيد _ 19 " يعيد تشكيل مستقبل الإنتاج السينمائي ويؤثر على اقتصاديات دور العرض
كتب :عادل فريج – نهلة مقلد
تسبب تفشي " كوفيد_ 19 " المستجد بخسائر عديدة لقطاعات مختلفة في مختلف دول العالم، وتأثرت الصناعات الكبرى بأحوال التوقف عن العمل وإغلاق المصانع وانخفض مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 10% منذ بداية العام ويحذر الخبراء من حدوث ركود طويل للاقتصادات المحلية والدولية.
ولم تكن هوليوود، مدينة الانتاج السينمائي ومركز الترفيه العالمي، بعيدة عن التأثر بالأوضاع السائدة والقيود التي فرضت التباعد الاجتماعي، فتوقف معظم عمليات الإنتاج التليفزيوني والسينمائي، وتأجلت العروض التي كان من المقرر إطلاقها في دور العرض والمسارح. وتضرر نتيجة ذلك الآلاف من الفنانين والعاملين في مجال الترفيه، خاصة أن كثيرًا منهم لا يصل إليه الدعم الحكومي لأنهم يشغلون أعمالًا حرة، وفقد كثيرً منهم وظائفهم ولا يعرفون متى بإمكانهم العودة.
وما يزيد خطر أزمة الفيروس على قطاع السينما العالمي أنه أحدث توقفًا مفاجئًا في الإنتاج السينمائي دون سابق إنذار أو استعداد، خاصة أن هوليوود تمثل ركيزة من ركائز الاقتصاد الأمريكي. ويقدر الدخل الذي تدره على الدخل القومي للولايات المتحدة الأمريكية بنحو 101 مليار دولار، وهي توفر 2.5 مليون وظيفة في مجال الترفيه المرئي والسمعي، وتوفرً أجورًا تقدر بقيمة 181مليار دولار، لذلك تعد أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، قاسية على قطاع السينما الأمريكي والعالمي.
مقاومة كبيرة
إلا أن البعض يرى أن صناعة السينما والترفيه من الصناعات المقاومة للركود، إذ شهدت فترات الكساد السابقة زيادة الإقبال على حضور الأفلام في دور العرض على الرغم من صعوبة الظروف، مقارنة بشراء بطاقات المسارح والعروض الحية الأعلى سعرًا، فعلى الرغم من الفقر الشديد في فترة الكساد الكبير في الولايات المتحدة الأمريكية وصلت أعداد رواد السينما إلى ما بين 60 إلى 80 مليون مشاهد سنويًا. وفي مثال آخر، تعرضت صناعة السينما خلال أزمة العام 2008 إلى ضربة قوية وانخفضت معدلات التوظيف بنسبة 16%، وأدى ذلك إلى تسريح ما يقرب من 900 ألف موظف مرتبط بهذا القطاع، وانخفضت أسعار أسهم الشركات التي تمتلك استوديوهات أفلام رئيسة مثل ديزني وفاياكوم ووتايم وارنر إلى النصف تقريبًا.
ولكن الوضع الذي تسبب به تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) يعد تهديدًا حقيقيًا لصناعة السينما بعد الإغلاق الإجباري لكل دور العرض، وصعوبة توقع متى يعود الإقبال الجماهيري على فكرة التجمع في مكان مغلق بعد انتهاء الأزمة، خاصة أن هواة السينما والمسرح ينفقون بسخاء لمشاهدة العروض الأولى للأفلام عند إطلاقها والتي يعقبها إطلاقات أقل ربحية في عروض الترفيه المنزلي والرقمي ومبيعات أقراص الدي في دي.
خسارة غير مسبوقة
فلأول مرة في التاريخ، أصبح معدل الربح صفرًا، إذ حققت دور العرض الأمريكية في منتصف شهر مارس دخلًا هزيلًا بقيمة 5197 دولارا أي انخفاض بنسبة 100% عن الأسبوع السابق. وهذه ضربة مدمرة بالنظر إلى أن 42% من سوق الترفيه المسرحي والمنزلي العالمي المتنقل ما زال يعتمد على إصدارات الأفلام الأمريكية. فعدم إطلاق تلك الأفلام في دور العرض سيشكل خسارة غير مسبوقة.
وتهدد هذه المشكلة الصناعة بأكملها، وتسبب بضياع ملايين الدولارات أنفقت بالفعل على أعمال اكتملت وضاعت فرصتها في العرض، وأخرى قطعت شوطًا ثم توقف الإنتاج إلى أجل غير مسمى. ولهذا تطالب هوليوود الآن بتدابير الإغاثة من الحكومة والكونجرس الأمريكي في ظل هبوط أسهم دور العرض مثل إيه إم سي وسينمارك بأكثر من 50%.
ويعاني قطاع الترفيه السينمائي حتى قبل تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، إذ شكلت منصات البِث الرقمي عائقًا أمام تحقيق أرباح من دور العرض، وأصبحت تنافس الأفلام في شباك التذاكر (البوكس أوفيس)، بعد أن اتجه الكثيرون إليها لجودة المحتوى مقابل اشتراكات لا تزيد عن بضع عشرات الدولارات، إلا أن الأزمة الحالية قد تصيب الصناعة بأكملها في مقتل بعد وصول ادعاءات البطالة إلى قيم غير مسبوقة، إذ أبلغت وزارة العمل الأمريكية عن 6.6 مليون حالة، وحتى المجموعات الإعلامية التي تمتلك شركات فرعية لإنتاج الأفلام وتوزيعها، مثل كومكاست وسوني وفاياكوم توقفت مبيعاتها، وتأزم الوضع عالميًا بإغلاق دور العرض، وضاعت فرص بيع بطاقات العرض في الخارج.
ويثير هذا الوضع التساؤلات بشأن طريقة مواجهة التحديات التي تشهدها السينما والإنتاج الترفيهي في ظل جائحة فيروس كورونا المستجد، وماذا ينتظرها في المستقبل.
حلول ابتكارية
لجأت شركة "يونيفرسال" إلى استراتيجية بديلة بإطلاق فيلمها «ترولز وورلد توور» (جولة الأقزام العالمية) عبر الإنترنت، وفي دور العرض في الوقت ذاته في الأسبوع الأول من أبريل ، لكن اتخاذ مثل هذا القرار يحدد وفق حجم ميزانية الإنتاج، وعائد بيع التذاكر، ومع هذا سيصبح من الصعب ضمان ربحية الأفلام الكبرى إن لم تعرض على شاشات السينما.
وينتظر القطاع حلولًا بديلة لإنقاذ قطاعات السينما والمسرح والإنتاج الترفيهي ولو بشكل مؤقت خوفًا من كبوة حتمية، فجميع أفلام الصيف الكبرى التي روج لها بالفعل مثل فيلم جيمس بوند «نو تايم تو داي» (لا وقت للموت) والجزء الثاني من فيلم «واندروومان 1984» (المرأة الخارقة 1984) تأجلت لوقت لاحق. وهذه الأفلام تحقق هامشا عاليا من الأرباح فقط في دور العرض خاصة في خارج الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الوسيلة الوحيدة لتغطية تكاليف الإنتاج والتسويق وضمان تحقيق الأرباح.
وبعد إغلاق دور العرض توجه المشاهدون إلى منصات البث الرقمي للمحتوى والفيديو وعلى رأسها نتفلكس ويوتيوب، وتشير الإحصاءات زيادة وقت استخدام الأفراد لخدمات الترفيه الرقمي المنزلي بشكل ملحوظ، إذ أضافت نتفلكس 15.8 مليون مشترك خلال الربع الأول من العام بسبب الإغلاق الاحترازي في المقام الأول، وهي فترة من النمو القياسي الذي قفز بقاعدة مستخدميها العالمية إلى ما يقرب من 183 مليون مشترك.
زيادة معدلات البث
وأشارت آخر تقارير بيانات" نيلسون" زيادة في معدل البث بنسبة 36% في منتصف شهر مارس/آذار عن الأسبوع السابق لحالة الإغلاق الاحترازي. ولكن تبقى التوقعات غير مؤكدة عما إن كان المشاهد سيختار الاعتماد على منصات البث أم ستعود دور العرض لجذبه بعد عودة الأمور لطبيعتها.
وقال تيد ساراندوس ـ كبير مسئولي المحتوى في نتفلكس «أزمة كوفيد-19 مدمرة للعديد من الصناعات، ومنها المجتمع الإبداعي، فالإنتاج التلفازي والسينمائي توقف تقريبًا الآن على مستوى العالم، تاركًا مئات الآلاف من الأفراد دون وظائف».
ومن الملاحظ أنه على الرغم من الأزمة الاقتصادية التي تجتاح العالم بسبب الاحترازات الوقائية لتفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) وحالة الشلل التي أصابت كثيرا من الأنشطة التجارية إلا أن قيمة أسهم منصات أمازون ونتفلكس الرقمية وصلت لأعلى مستوياتها، إذ شهدت منصات أمازون ونتفلكس أسعارًا قياسية لأسهمها في الأسبوع الثالث من شهر أبريل ، وفقًا لتقرير موقع إكسبريس البريطاني.
100 مليون دولار دعما من نتفلكس
وذكر موقع فاريتي أن نتفلكس قدم مبلغًا سخيًا بقيمة 100 مليون دولار لصندوق إغاثة خصص لمساعدة أعضاء المجتمع الإبداعي الذين أصبحوا دون دخل خلال أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد، خاصة أن أغلب العاملين في المجال الفني والإبداعي يعملون لحسابهم الخاص.
وقدمت منصة التواصل الاجتماعي فيس بوك خاصية المشاهدة الجماعية للفيديوهات وأطلقت عليها اسم «حفلة المشاهدة» لخلق حالة رقمية بديلة للمشاهدة الجماعية التي يفتقدها محبو دور العرض السينمائي. وازدهر الاقبال على الفيديوهات الحية التي لجأ إليها الكثيرون من العاملين في المجال الفني والمشاهير لمواساة الجماهير حبيسة المنازل والتخفيف عنهم. ومما لا ريب فيه أن المحتوى المتاح على المنصات الرقمية والاجتماعية يلعب دورًا رئيسًيا في تسلية وترفيه الجماهير في ظل احتدام أزمة فيروس كورونا المستجد.
ومن المتوقع بعد انحسار الأزمة أن تنشط الخدمات الترفيهية الرقمية وعمليات التسويق الإعلاني التي تعتمد عليها مما يبشر بعودة سريعة ومتفائلة تستطيع تمويل قطاع الترفيه فور عودة الأمور لطبيعتها. ووفق المشهد الحالي أن المشاهد حدد توجهه نحو اختيار المحتوى المنزلي إذ بات الاختيار الأوحد في ظل الظروف القاسية التي تجعله ضحية العزلة والتوتر. وخلافًا لبعض التوقعات التي تميل إلى التنبؤ بخسارة مجال الترفيه والانتاج السينمائي، حتى بعد انحسار الفيروس، في مواجهة الأزمة والإقبال نحو المحتوى الرقمي، إلا أننا يمكن أن نراهن على اشتياق الجماهير للخروج من المنازل بعد عزلة خانقة وطويلة. فستظل صناعة الترفيه بلا منافس هي المتعة المفضلة للكبار والصغار.