بقلم ايمن صلاح
محمد فوزى البرقوقى .... ربما كان اسما مجهولا لكثير من شباب مصر أو ربما معلوما لبعضهم ولكن ليس بالقدر الكافى الذى يفى هذا الاسم العظيم حقه، ذلك الاسم الذى لو خيرت لجعلته رمزا يحتذى به فى الوطنية والفداء ومثالا نقتدى به جميعا فى حب هذا الوطن وايثاره عما دونه ودرسا يدرس لشباب مصر فى كل حدب وصوب. انه الشهيد / محمد فوزى البرقوقى شهيد مصر الوحيد فى عملية الهجوم الفدائى البحرى على الرصيف الحربى فى ايلات فى السادس عشر من نوفمبر عام 1969 وتدميره مع قطعتين بحريتين اسرائيليتين كانتا على الرصيف الحربى أثناء تنفيذ العملية الفدائية بواسطة رجال الضفادع البشرية المصرية وهما "بت شيفع" و "بت يم".
فى الرابع عشر من نوفمبر فى عام استشهاده وقبل العملية البحرية النوعية بيومين كان الشهيد / محمد فوزى البرقوقى يجلس مع أخيه فى قريته "منية جناج" بدسوق التى شهدت مولده وطفولته ورجولته حتى عاد اليها شهيدا ونموذجا مشرفا لأبناء هذه القرية وأصبح يمثل لأبنائها القدوة والمثل الأعلى، كان يجلس مع أخيه يتجاذبان أطراف الحديث فقال له "ادع لي حيث أننا سنقوم غدا بعملية ان وفقنا الله فيها فسوف يكون لنا شأنا عظيما" وعندما سأله أخوه عن طبيعة العملية العسكرية رفض أن يفصح له عن التفاصيل ثم ودعه وانصرف، وبالفعل وفقه الله وتمت العملية بنجاح منقطع النظير وشاء المولى عز وجل أن يصل لمبتغاه ويحقق ما تمناه بأن جعل له شأنا عظيما ليس فقط فى دنياه ولكن أيضا فى أخراه، فقد أصبح شهيدا مستمتعا بجنات الخلد باذن الله ثم هو فى الدنيا اسما خالدا ونبراسا منيرا بين أبناء وطنه حيث ضحى بحياته وهو لم يناهز الثامنة والعشرين من عمره من أجل تراب وطنه ولأجل أن يعيش شعب بأكمله فى عزة وكرامة. ولقد جسدت السينما المصرية تلك العملية البحرية الكبرى وأبرزت أبطالها فى فيلم "الطريق الى ايلات" وكانت القصة فى ذلك الفيلم مطابقة تماما لكل ما حدث فى العملية الحقيقية وفى الواقع الا لحظة استشهاد الشهيد / محمد فوزى البرقوقى فلقد كانت لحظة استشهاده مغايرة تماما لما صوره الفيلم حيث كانت لحظة استشهاده لحظة تقشعر لها الأبدان وتشرئب لها الأنفس اعزازا وتقديرا واحتراما لذلك البطل الذى فاضت روحه الطاهرة من أجل بلاده.
كان الرقيب / محمد فوزى البرقوقى متلازما فى تلك العملية مع الملازم أول فى ذلك الوقت نبيل عبد الوهاب الذى أصبح لواءا بحريا فيما بعد، وكانت مهمتهما أن يضعا بلغمين بحريين أسفل احدى القطعتين البحريتين الراسيتين على الرصيف الحربى بايلات، وبعد أن نجحا فى تثبيت أحد اللغمين أسفل مخزن الأسلحة بالقطعة البحرية وأثناء تحركهما الى مؤخرة السفينة حيث يجب وضع اللغم الآخر شعر البرقوقى بضيق فى التنفس فأدرك أنه يصيبه فى هذه اللحظة ما يطلق عليه بين الغطاسين "تسمم اكسيجين" وهو أمر قاتل ومميت وكان البرقوقى يعلم ذلك جيدا، كما أن علاج هذه الحالة هين ويسير جدا وهو أن يصعد فوق سطح الماء ليستنشق بعض الاكسيجين الطبيعى، ولكن البرقوقى خشى أن تتعرض العملية برمتها للخطر والفشل وأن يتم اكتشافهما من راصدى العدو ان فعل ذلك، فأخفى على زميله ما ألم به وتابع السباحة تحت الماء حتى وصلا هو وزميله الى مؤخرة السفينة وأتم بالكاد المهمة وهو يكاد يفقد وعيه حتى تم تثبيت اللغم بنجاح، وعندها نظر اليه زميله وقائده / نبيل عبد الوهاب آمرا ببدء العودة لكن الشهيد البرقوقى نظر فى عينى زميل الفداء نظرة أخيرة وحزينة تحمل مشاعر الوداع والفراق مشيرا الى صدره الذى يتألم وكأنه يخبره أنه يغادر دنيانا الى حياة أبدية أرحب وأسعد، حينها علم عبد الوهاب ما يحدث وأدرك أن روح البرقوقى الطاهرة تفيض الى بارئها، وبالفعل ما هى الا ثوان معدودة الا ومات البرقوقى ليرحل عن دنيانا شهيدا عظيما تشهد له مصر بالوطنية والفداء الى يوم تقوم الساعة.
رحمك الله يا برقوقى ..... ورحم الله شهداء مصر أجمعين.
تحيا مصر.