وجهه نظر
بقلم ايمن صلاح
كنت قد تناولت فى الأسبوعين الماضيين تفاصيل رحلة العمل القصيرة التى قمت بها الى دبى واستعرضت من خلال ذلك مدى التطور والتطوير الذى شاهدته ومجالات الحداثة والنمو الحضارى الذى لمسته خلال الزيارة وتمنيت أن نصل بمصر الى ما وصلت اليه دولة الامارات من تقدم وازدهار طارحا السؤال عن كيفية الوصول وأسلوب العمل الذى يجب علينا أن ننتهجه لتحقيق الهدف المنشود، ومن أجل ذلك عقدت فى الأسبوع الماضى بعض المقارنات وأوضحت بعض المشاهدات لابراز الفجوة العميقة والهوة السحيقة التى تفصلنا عن تحقيق المبتغى، وكما ذكرت آنفا بأن تحديد أسلوب العمل الصحيح وتدارك الأخطاء الحالية ووضع السياسات المناسبة ربما يحتاج الى العديد من الدراسات والتحليل فى شتى مناحى حياتنا، ولا أستطيع أنا أو غيرى تحديدها فى مجرد مقال ولكنى ربما أعرض رؤية تحتمل الصواب أو الخطأ وان كنت أرى أنها مربط الفرس فى تقدم أمة وازدهارها او تخلفها وتراجعها عن الركب العالمى.
فى واقع الأمر انا لن أتطرق الى التفاصيل من حيث اختلاف منهجية التخطيط بين مصر والامارات أو كيفية الاستعانة بالكفاءات والخبرات أو سبل محاربة الفساد أو الحزم فى تطبيق القوانين على الجميع، فكل هذه الأمور مجرد فروع من أصول، ولكننى سأتحدث عن أمر أعمق وأكبر من تلك التفاصيل وهو الذى أظن وصل بالامارات الى ما هى عليه الآن وفى ذات الوقت وصل بنا الى ما نحن فيه!! ما سأتحدث فيه هو المظلة التى ينبثق منها كل ما يجب علينا فعله لتحقيق أى هدف نرنو اليه. هذه المظلة يا سادة هو تحديد "استراتيجية الدولة" وأكاد أجزم أن الامارات قد خططت لمستقبلها منذ بداية هذا التطور والتطوير الذى تعيشه من خلال تحديد استراتيجيتها كدولة. وفى هذا الاطار سوف أحدد ما أعنيه باستراتيجية الدولة متناسيا الامارات قليلا فهى قد وصلت وبوضوح الى ما خططت اليه، وما يعنينى فى الأمر الآن ليس استعراض نجاحاتها ولكن ما يعنينى هو أن أعرض كيف لنا أن ننظر الى مصر وكيف لمصر أن تحدد استراتيجيتها.
أما عن الاستراتيجية فهى تلك الفلسفة والرؤية التى ننظر بها الى مستقبل مصر سواء على المدى القريب او المتوسط أو الطويل وكيف نهدف لوضع مصر فى هذا المستقبل، فهل على سبيل المثال لا الحصر نريد أن نبنى مصر الصناعية أم الزراعية أم السياحية وكيف نراها متميزة عالميا فى مجال أو أكثر، ومن خلال تلك الاستراتيجية نضع الأهداف المنبثقة من تلك الاستراتيجية المحددة سواء كانت أهدف آنية أو مستقبلية، ثم تحديد الاجراءات والسياسات المتبعة من كل مؤسسات الدولة دون استثناء التى تعمل على انجاح تلك الأهداف ومن ثم تحقيق الاستراتيجية وتحويل الرؤية الى واقع نعيشه.
ولكى أوضح سأعطى مثالا ربما يكشف ما أعنيه باستراتيجية دولة ورؤيتها لبناء مستقبل وطن .... لو تخيلنا أن فى مصر مجلسا أعلى لتحديد استراتيجيات الدولة المرحلية يتكون أعضاؤه من علماء ومثقفين وقرروا مثلا تحويل مصر الى دولة سياحية من الطراز الأول خلال العشرين عاما القادمة، فهذا يجب أن يكون ملزما لكل مؤسسات الدولة سواء الوزارات أو المؤسسات القومية أو حتى الجهات السيادية بالتنسيق ووضع الأهداف وبناء السياسات للوصول الى تحقيق هذه الاستراتيجية. فمثلا سيكون لزاما على وزارة التربية والتعليم بناء المناهج الدراسية التى تخدم هذا الهدف والعمل على بناء نشأ جديد يستوعب مفهوم السياحة وكيفية التعامل مع السائح وكيفية الحفاظ على مكتسبات البلاد من الآثار والأبنية السياحية وهكذا، وسيكون لزاما على وزارة الداخلية بناء قاعدة جديدة للتراخيص تستهدف التوعية والتثقيف لسائقى الأجرة بهدف اعطاء خدمة متميزة للسائح مع بناء نظام مرورى علمى يجعل السائح فى وضع أكثر أريحية فى التنقل والترحال، وسيكون على بقية الجهات المعنية العمل بنفس الأسلوب والمنهج لتطوير واصلاح المطارات والمزارات بما يخدم الهدف المنشود.
هل تعلمون أن مصر بكل ما تملكه من تاريخ وحضارة وآثار وامكانيات مناخية ومناظر طبيعية قد زارها فى النصف الأول من عام 2018 خمسة ملايين سائح، بينما زار الامارات فى نفس الفترة أكثر من ثمانية ملايين سائح.
انها الاستراتيجية والتخطيط السليم، لا العشوائية والتفكير القديم ..... وان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.