بقلم ايمن صلاح
أصدرت الخارجية الأمريكية هذا الشهر تقريرها السنوى بِشأن حقوق الانسان حول العالم والذى تضمن الكثير من الانتقادات لأوضاع حقوق الانسان فى مصر واتهامات متعددة للدولة المصرية بأغلب مؤسساتها الوطنية فى هذا الصدد، وفى حقيقة الأمر ان مثل هذه التقارير التى تصدرها الخارجية الأمريكية سنويا ربما لا يكون فيها أى جديد سوى تغيير تاريخ اصدار التقرير، فعندما تقرأ تقرير العام المنصرم سوف تكتشف أنه يحمل نفس المعنى وذات الاتهامات التى يحملها تقرير العام الحالى مع تغيير فى بعض الصياغات، واذا انتظرنا الى العام القادم فسوف نجد أيضا أن التقرير الذى سيتم اصداره لن يحمل تغيرا معتبرا عن التقرير الحالى.
وقبل أن نتطرق الى التقرير من حيث المضمون والأهداف وما احتواه من تضليل ومغالطات علينا أن نتفهم مراكز صنع القرار فى أمريكا ومدى تأثيرها ونفوذها فى السياسة الأمريكية الخارجية، ولعل البعض لا يعلم أن المؤسسات السياسية الأمريكية الصانعة للقرار الأمريكى تمثل مجموعة من الحلقات المتصلة والمتصارعة فيما بينها فى مشهد قد يظنه الكثير أنه الصراع الديمقراطى التى تتميز به الدول العريقة ديمقراطيا بينما هو فى واقع الأمر صراع السيطرة والاستحواذ، ولذلك دائما ما تبدو أمريكا بوجه قبيح فى سياساتها الخارجية خاصة فيما يتعلق باقرار العدالة والحق فى العالم، أما عن الداخل الأمريكى فان الوضع مختلف تماما. نعود الى مراكز صنع القرار فى السياسة الأمريكية الخارجية المتمثل فى البيت الأبيض وهو أضعف حلقاتها ثم الكونجرس ووزارتى الخارجية والدفاع "البنتاجون" ومن بعدهم المخابرات الأمريكية "CIA" ولا يفوتنا هنا أن نذكر أن من أشد هذه المؤسسات السياسية الأمريكية عداوة لمصر هما وزارة الخارجية والكونجرس الأمريكى، وعليه فلن تجد أى رسالة ايجابية أو موقف مساند من هاتين المؤسستين تجاه مصر، وربما تكون مثل تلك التقارير السنوية الصادرة من الخارجية الأمريكية صورة من صور العداوة الدائمة من تلك المؤسسة لمصر.
تقرير الخارجية الأمريكية تضمن هذا العام ككل عام اتهامات بالاختفاء القسرى والقتل خارج اطار القانون والتعذيب داخل السجون، وكنت أظن أن يتضمن التقرير الصادر من مؤسسة سياسية أمريكية يفترض فيها الاحترافية الدلائل والبراهين على صدق هذه الاتهامات وألا تكون مجرد حديث مرسل مثل تلك التقارير التى عادة ما تصدر من بعض المنظمات والمراكز غير الحكومية مثل منظمات حقوق الانسان والعفو الدولية التى دأبت على توجيه نفس الاتهامات لمصر دونما دليل واحد أو برهان واضح لتلك الاتهامات، مما يجعلنى أشك فى طبيعة العلاقة بين تلك المنظمات غير الحكومية والحكومة الأمريكية خاصة أن التقارير التى تصدر من كليهما تكاد تكون متماثلة ومتشابهة. أما عن الاختفاء القسرى، فكم من مرة تم توجيه الاتهام للداخلية المصرية فى حادث أو أكثر ثم تم اكتشاف أنه ليس للداخلية أى علاقة باختفاء ذلك الشخص، وكم كنت أتمنى بل اننى أتمنى حتى هذه اللحظة أن يعلن أولئك المتقولون أسما واحدا او مجموعة من الأسماء التى تم اختفاؤها قسريا، بل اننى أدعو الخارجية الأمريكية أن تعلن لنا عن اسم واحد ممن تم قتلهم خارج اطار القانون كما يدعون شريطة أن يكون ذلك قد حدث خارج اطار الاشتباكات المسلحة مع الارهابيين الذين تواجههم قوات الشرطة أو الجيش فى بؤرهم الارهابية سواء كان ذلك فى سيناء أو خارجها، فلا أعتقد أن تتجرأ الخارجية الأمريكية وتكشف عن وجهها القبيح وتعلن أن لمثل هؤلاء حقوق يجب أن تراعى.
بوصفى متابع للأحداث السياسية وخاصة داخل بلادى لا يمكننى أن أقر أو أنفى وقائع اختفاء قسرى أو قتل خارج اطار القانون او أى اتهام آخر من تلك التى تساق ضد مؤسسات بلادى ولكن كل ما أطالب به الخارجية الأمريكية أو أى منظمة حقوقية عالمية هو الدليل على صدق اتهامهم وحينها سأكون أول المهاجمين للمتجاوزين مطالبا باقرار القانون والعدل فى بلادى ولكن الموضوعية تقتضى أن يكون هناك الدليل القاطع والبرهان الساطع لتلك الاتهامات والا سنكون كمن يستهدف مصر ومؤسساتها بغرض التآمر والايقاع بالدولة من جديد.
كان أحرى بالخارجية الأمريكية أن تعلن لنا عن حقيقة ماحدث فى "جوانتنامو" وهل تم مراعاة حقوق الانسان فيها أم أنه تم تعذيبهم واهدار حقوقهم الانسانية دونما محاكمة أو أدنى مراعاة للمبادىء الانسانية المتعارف عليها، كان أحرى بها أن تعلن لنا عن الانتهاكات الانسانية التى حدثت داخل سجن "أبو غريب" بالعراق وما حدث فيه من كل صنوف التعذيب والاذلال والاغتصاب، كان أحرى بها أن تعلن لنا عن اهدار حقوق شعب بأكمله فى سورية وتهجيره وتشتيته نتيجة سياساتها غير المسئولة، كان أحرى بها أن تفعل كل ذلك قبل أن تلعب دور شرطى العالم وتنتقد مصر التى تحارب الارهاب نيابة عن العمل بأسره فى تقرير أقل ما يمكن أن يوصف به أنه تقرير خسيس.
انه الشيطان عندما يعظ.