وجهه نظر
بقلم ايمن صلاح
"جوليان أسانج" أسم ربما لا يعلمه الكثيرون ولكن أعماله ملأت الدنيا ضجيجا وأثارت العديد من التساؤلات وأفصحت عن كثير من الفضائح السياسية حول العالم وكشفت عبر سنوات عن أسرار خطيرة لم يكن ليعلمها أحد لولا هذا الرجل الذى أسس موقع (ويكيليكس) المسئول عن تسريبات سياسية فى دول كثيرة تعتبر من الأسرار لم يكن من الممكن الوصول اليها او الافصاح عنها الا بعد عقود طويلة ولكن استطاع موقع (ويكيليكس) تجسيدها أمام أعين الشعوب حين وقوع أحداثها تقريبا فى وقتها، هذا الرجل تسعى الولايات المتحدة الأمريكية الى اعتقاله منذ وقت طويل بسبب دوره فى تسريب مئات الوثائق السرية التابعة للحكومة الأمريكية خاصة تلك الوثائق الشديدة الحساسية التابعة لوكالة الاستخبارات الأمريكية.
منذ أيام قليلة اعتقلت الشرطة البريطانية "جوليان أسانج" من داخل مبنى سفارة الاكوادور فى لندن والتى كان يقيم فيها منذ عام 2012 استنادا الى مذكرة أصدرها القضاء البريطانى بحق "أسانج" منذ سبع سنوات وتم تنفيذها الآن بعد أن سحبت الاكوادور حق اللجوء السياسى من "أسانج" بعدما ضاقت حكومة الاكوادور ذرعا من الانتهاكات المتكررة التى قام بها "أسانج" غير عابىء بالاتفاقيات الدولية وبروتوكول التعايش الذى كان أساسا لمنحه حق اللجوء السياسى من الاكوادور، هذا الأمر يتعلق الى حد كبير بتسريبات حديثة من ويكيليكس لبعض الوثائق المنسوبة لدولة الفاتيكان والتى ثبت بصورة أو بأخرى تورط "أسانج" فى نشر تلك الوثائق بينما كانت أهم شروط منحه حق اللجوء السياسى من قبل الاكوادور هى توقف كل اتصالات "أسانج" بويكيليكس.
الأمر اللافت للنظر فى هذه القضية هو تصريح رئيس دولة الاكوادور "لينين مورينو" أنه اشترط على السلطات البريطانية قبيل سحب حق اللجوء السياسى من "أسانج" عدم تسليمه الى دولة يمكن أن يواجه فيها التعذيب أو عقوبة الاعدام فى اشارة واضحة الى واشنطن التى تسعى الى اعتقاله، هذا التصريح يلقى بظلاله على الأسلوب اللا آدمى الذى تتعامل به السلطات الأمريكية مع المعتقلين والمطلوبين ذوى الجنسيات غير الأمريكية مما يشير بما لا يدع مجالا للشك بأن ادعاءها تبنى مبادىء حقوق الانسان والديمقراطية فى العالم هو مجرد حبر على ورق بينما حقيقة الأمر هو انتهاكها الدائم للمواثيق الدولية وأعراف حقوق الانسان.
جوليان أسانج بات حالة متفردة يشار اليها بالبنان بصرف النظر عن قانونية تسريباته أو مدى قبولها أخلاقيا حيث أن هذا أمر لا يمكن الحكم عليه الآن فى مثل هذه القضايا العامة ولكن ربما يحكم التاريخ على ذلك، كما انه صفحة جديدة فى سجل أسود عن كيفية تعامل دولة كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية على لسان رئيس دولة الاكوادور تلميحا لا تصريحا مع مواطنين غير أمريكيين بطريقة بعيدة كل البعد عما تظهره للعالم من مراعاة لحقوق الانسان وأبسط الحقوق الديمقراطية.