عثر فريق علمي على منشآت حجرية في صحراء النفود في المملكة العربية السعودية عبارة عن مصائد للحيوانات تُعد من أقدم المصائد الحجرية في العالم حيث يعود تاريخها إلى أكثر من 7000 عام.
وأوضحت هيئة التراث أن نتائج أعمال الفريق أكدت أن مناطق شمالي المملكة شهدت تطوراً حضارياً قبل حوالي 5000 سنة ق.م. بدليل تشييد أمكنة ضخمة ضمت مئات المنشآت الحجرية الكبيرة وهو تغيّر ثقافي مهم ونقلة حضارية في المنطقة.
وأشارت إلى أن هذا العمل العلمي الذي تنشر نتائجه مجلة الهولوسين الدولية العلمية المتخصصة في دراسات ما قبل التاريخ هو ضمن الأعمال الميدانية لمشروع الجزيرة العربية الخضراء الذي تقوده هيئة التراث بمشاركة معهد ماكس بلانك الألماني، وجامعة أكسفورد، وجامعة الملك سعود.
وتناول العمل العلمي الميداني الذي قام به الفريق بدايات تطور المنشآت الحجرية ضمن سياقها الأثري والبيئي وخاصة المستطيلات منها التي وصفت بأنها مصائد للحيوانات، حيث أدت تلك المستطيلات دوراً مشابهاً وعكست تطور سلوك الإقليمية عند الإنسان من خلال المنافسة على المراعي في بيئات صعبة غير مستقرة في الجزيرة العربية حتى في الأزمنة الرطبة في عصر الهولوسين، حيث كانت البيئة تمر بفترات جفاف.
وتركز الأعمال الحالية لمشروع الجزيرة العربية الخضراء على المشارف الجنوبية من صحراء النفود؛ لدراسة منطقة ما قبل التاريخ وبيئتها القديمة في العقود الأخيرة، وجنوبي صحراء النفود من الحد الغربي من جبل أجا في منطقة حائل إلى تيماء غرباً.
وجرى التحقق من هذه المستطيلات الحجرية بعد تحليلها ودراستها واختيار عدد منها والوقوف عليها في جبة بمنطقة حائل عدة مواسم، ثم مسحت لمعرفة بنائها وما يتصل بها من مواد ثقافية وجرى تصويرها، ورفعت عينة عضوية من فحم وأصداف لتأريخها من إحدى مصاطب تلك المستطيلات.
وجرى تحديد 104 منشآت حجرية حول التخوم الجنوبية من صحراء النفود، التي يدل عددها على أنها منتشرة بعيداً عن حرة خيبر، ومن المتوقع العثور على هذه المستطيلات شرقاً في أثناء الدراسة، كما تقل المستطيلات الحجرية جنوبي حرة خيبر. وأوضحت نتائج الدراسة أن هذه المستطيلات الحجرية التي تنتشر جنوبي صحراء النفود تبدو متساوية ومتقاربة لكنها على هيئة مجاميع، شيد معظمها على شكل مستطيلات متقاربة من بعضها، وتحتشد في مجموعات، توزعت متساوية على مشارف جنوبي النفود.
كما أن ثلاثة أرباع هذه المستطيلات الحجرية مشيدة على تلال أو نباوات، لكن أغلبها شيد حول البحيرات القديمة أو المستنقعات، فيما شيدت بعض المستطيلات في السهول وحول شطآن البحيرات، وأنشئت بعض المستطيلات بعيداً عن موارد المياه على مسافة 6 أكيال تقريباً، ومتوسط المسافة عن أقرب رواسب البحيرات هي 6 أكيال، وبعضها يوجد بمسافة كيلٍ واحد عن مصادر المياه الضرورية بما فيها جداول المياه.
أما من حيث أحجام المستطيلات الحجرية وأشكالها وبنيتها فقد أوضحت الدراسة تجانس أشكال المستطيلات في جنوبي صحراء النفود، حيث تبدو طويلة، وارتفاع جوانبها أقل من نصف متر في الغالب. وتظهر أغلب المصاطب بأحجام ضخمة، فيبلغ طول بعضها أكثر من 600 متر وعرضها 10 أمتار وارتفاعها متر واحد، كما ترتبط المستطيلات غالباً برجوم على هيئة "عين الثور"، وقبور على هيئة "قرط"، وقبور على هيئة "مدخل مفتاح"، ودوائر حجرية.
وعثر الفريق العلمي على عدد من المواد الثقافية في الموقع، منها فأسان: أحدهما داخل أحد المستطيلات الحجرية والآخر خارجه، وكذلك شظايا من الكوارتز مبهمة قريبة من بعض المنشآت شيدت من حجارة المستطيلات، إضافة إلى مجرشة من الحجر الرملي بجانب أحد المستطيلات، وأحجار ملونة أخرى ربما استخدمت لممارسة الطقوس الدينية، فضلاً عن عدد متنوع من عظام الحيوانات المرتبطة بتلك المستطيلات.
وكشف التسلسل الزمني النسبي للمستطيلات عن تطابق نتائج الدراسة مع نتائج دراسات سابقة في المملكة، أرخت هذه المنشآت من 5000 إلى 2000 سنة قبل الميلاد. بينما أظهرت نتائج تحليل التاريخ التي أجريت على عينات الفحم أنها تعود إلى الفترة من (5052 إلى 4942) سنة قبل الميلاد خلال العصر الحجري الحديث، وأخرى من ( 2930 إلى 2770) سنة قبل الميلاد خلال العصر البرونزي، في حين أرخت عينات أخرى من الموقع من ( 786 إلى 666 ) ق.م "العصر الحديدي".
وتدل النتائج على أن المستطيلات خاصة مصاطبها تعد كنزاً تاريخياً عن الجزيرة العربية في فترة ما قبل التاريخ، ويرجح أن تكون لها نتائج واعدة ما يقود إلى العديد من النتائج المهمة في حياة الإنسان على هذه الأرض.
وكانت أعمال المسح الأثري الشامل قبل أكثر من 40 عاماً قد سجلت عدداً كبيراً من هذه المنشآت الحجرية بأشكال وأحجام متباينة في مختلف مناطق المملكة، ونشرت نتائجها في حولية الآثار السعودية "أطلال" خاصة في أعدادها الأولى (من العدد الأول إلى الخامس).