بقلم : إسلام محفوظ
استيقظ أحمد في الخامسة صباحا بكل قوة ونشاط وحماس فاليوم لديه مهام كبيرة في العمل عليه القيام بها لأنه إذا أتمها كما ينبغى سوف تحقق الشركة التي يعمل بها الكثير من النجاحات والإيرادات والأرباح وبالتالي سوف تتم ترقيته ويزيد راتبه وهذه المهام مسئوليته هو فقط ولا يستطيع أحد غيره تنفيذها لإلمامه بكل تفاصيلها ، ولهذا استيقظ مبكرا ويستعد للذهاب للعمل مبكرا ، ولكن بمجرد أن ارتدى ملابسه ويستعد للخروج من المنزل سمع صوت صراخ ابنه الذى لم يتجاوز السادسة من عمره ، هرع أحمد إلى الصغير وجده بين أحضان أمه يتلوى من شدة الألم في بطنه ، قاما ببعض الإسعافات الأولية لتخفيف الألم إلا أنه كان يزداد شدة ويزداد معه صراخ الطفل .
عندها قرر الأب والأم الذهاب بابنهما إلى المستشفى، وهناك في المستشفى وبعد الكشف والفحص وعمل الأشعات والتحاليل تبين أن الطفل في حاجة إلى عملية جراحية فورا في البطن وبدون أي تأخير .
وافق أحمد على الفور وتم تجهيز غرفة العمليات وتم استدعاء الأطباء الجراحين المتخصصين ودخل الطفل غرفة العمليات فىي حوالى الساعة الثامنة صباحا وبدأت فترة من أصعب الفترات التي مرت على أحمد وزوجته في حياتهما ساعة كاملة من القلق والتوتر والدعاء ليخرج الطفل بعدها من غرفة العمليات فى التاسعة صباحا ويخبره الطبيب أن العملية نجحت وأنهم استطاعوا إنقاذ الطفل بفضل الله في اللحظات الحرجة وأنه سوف يبقى بالمستشفى اليوم تحت الملاحظة وأنه سوف يخرج غدا وسوف يفيق من المخدر بعد أقل من ساعة .
فعلا قبل الساعة العاشرة أفاق الطفل ليجد أبواه بجانبه ليبتسم لهم ابتسامة ملائكية وينكبا عليه يقبلانه من الفرحة والسعادة بنجاته والدموع تبلل وجهيهما من شدة الفرح وبعد أن هدأ أحمد وزوجته واطمئنا على طفلهما ، تذكر أحمد العمل والمهام الكبيرة التى عليه القيام بها اليوم وإلا سوف تتكبد الشركة خسائر كبيرة فقام واستأذن من زوجته وانطلق إلى عمله ، ليصل إلى مقر الشركة فى الحادية عشرة صباحا .
ووجد مديره فيانتظاره يستشيط غضباً ذهب إليه أحمد شارحاً له ماحدث مع ابنه وأنه الآن بالمستشفى ولكن صاحب العمل لم يكترث وصاح فيه بكل قوة :أنا لا يهمني مرض ابنك أنا يهمني مصلحة الشركة والعمل ، إذا لم تحافظ على عملك اتركه لغيرك هناك الآلاف يتمنون أن يعملوا في نفس عملك ولا يجدونه ويجلسون في الشارع بلا عمل .. اذهب وأد عملك بسرعة فقد سببت لنا خسائر كبيرة ، اعلم أنك مخصوم شهر كاملمن راتبك.
ذهب أحمد إلى عمله وهو مقهور من قسوة صاحب العمل وعدم اهتمامه بمرض ولده وعدم تقديره له ولشخصه ولمشاعره في خوفه على ابنه وإهانته أمام جميع زملائه ، ويبدأ أحمد في العمل بكل جد لينهى المهام المطلوبة منه ويقلل من خسائر الشركة واستطاع أن ينجز كل الأعمال المطلوبة منه واستطاع تعويض ما فقدته الشركة من إيرادات في فترة غيابه وأنهى عمله في الخامسة ليذهب إلى ابنه وزوجته في المستشفى .
وبمجرد أن وصل إلى المستشفى ووصل حجرة ابنه وجد من يضع يده على كتفه قائلا : كيف حال ابنك ياأحمد ؟ ليلتفت فيجد محدثه هو مديره وصاحب الشركة التى يعمل بها والذي عامله بكل قسوة في الصباح يأتي الآن ليطمئن على ابنه اندهش أحمد ورد باستغراب :الحمد لله بخير تفضل ، وبمجرد دخوله قال أحمد لابنه عمك فلان صاحب الشركة جاء ليطمئن عليك ، فلاحظ أحمد أن زوجته ترحب بالضيف بشدة وتشكره وتقول :لماذا أتعبت نفسك يكفى ما فعلته اليوم .
فقال لها :أنا لم أفعل شيء هذا أقل واجب ثم استأذن وهم بالانصراف تاركا مظروفا تحت وسادة الطفل وحيّ الجميع وغادر الغرفة وأحمد في حالة من الذهول ، ثم سحبت زوجته المظروف وفتحته لتجد به مبلغ من المال يعادل راتب أحمد فى شهرين ، وزادت حيرته واندهاشه عندما اخبرته زوجته تقول : لم أر من هو في نبل أخلاق هذا الرجل هل تعلم أنه بعث لي أحد الموظفين ليطمئن على ابننا ومعه بعض المشروبات والمأكولات وعرض علىّ بعض المال وأخبرني أنك مشغول جدا في العمل وأنك من الممكن أن تتأخر في العمل .زادت حيرة أحمد ودهشته من تصرفات هذا الرجل .
فىي الصباح ذهب أحمد إلى العمل مبكرا كعادته وذهب إلى صاحب الشركة الذي بادره بالسؤال عن ابنه فقال أحمد بخير ، ثم قال له : سيدى أنا لم افهمك عاملتنىأمس بكل قسوة أمام زملائي وخصمت لي راتب شهر كامل ثم أرسلت من يطمئن على ابني ثم زرته بنفسك وتركت مبلغ من المال يعادل شهرين من راتبي ماذا يعني هذا ؟
ابتسم الرجل وقال لأحمد : في الجيوش قد يخطئ قائد عن قصد أو غير قصد ويكون خطؤه هذا هو سبب النصر ومع ذلك تتم محاكمته عسكريا وتوقيع بعض العقوبات عليه لأنه خالف القواعد والقوانين وفي نفس الوقت يتم تكريمه شعبيا وإنسانيا ، ولذلك دائما الجيوش منضبطة وناجحة ،وأنت أخطأت بغيابك عن العمل فجأة وبدون انذار مسبق وهذا مخالف للقواعد وأي صاحب عمل لابد أن يطبق قواعد العمل بكل حسم تحت أي ظرف حتى تستقيم الأمور ويتحقق النجاح ولا يعطى فرصة للفاشلين والكسالى في اختلاق الأعذار التي تبرر فشلهم وتكاسلهم ، لكن فى نفس الوقت عليه أن يراعى آلام ومشاعر موظفيه ويشاركهم أفراحهم وأتراحهم ، فللعمل قواعد وللإنسانية أصول ومبادئ ولا تعارض بينهما .
وهذه هى القاعدة الأولى لكل الناجحين عنده قواعد للعمل واضحة مع نفسه ومع موظفيه يطبقها بكل حسم تحت أي ظرف ، ولكن في نفس الوقت يحترم مشاعرهم ويقدر ظروفهم الصعبة التى يمرون بها ، فيحقق بهذا العدالة التي هي عين الرحمة ، فالموظف عندما يجد أن قواعد العمل تطبق عليه بكل حسم وعلى زملائه وفي نفس الوقت يرى أنه يتم تقدير واحترام مشاعره وآلامه ، وان هذا يتم من خلال أعلى المستويات في شركته سوف يزيد هذا من ولائه لصاحب العمل ومن حبه للمكان ومن تفانيه في العمل النابع من حبه واحترامه وتقديره لصاحب العمل الذى يراعي مشاعره ويقدر آلامه وأفراحه .لأننا نحن البشر نحب من يقدرنا ويشاركنا أفراحنا وأحزاننا.