سد النهضة وحتمية إفصاح الشركات عن الإستدامة

  • بقلم : إسلام محفوظ 

    طالعتنا الأخبار عن فشل المفاوضات الثلاثية بين كل من مصر والسودان وإثيوبيا بخصوص سد النهضة الإثيوبي وهو السد الذى تبنيه أثيوبيا على منابع النيل والذى تبغي من ورائه احتجاز مليارات المترات المكعبة من المياه لاستخدامها فى توليد الكهرباء وفى الزراعة والصناعة ، وهذه هى الأسباب المعلنة من قبل أثيوبيا لبناء السد ، وإن كانت هناك أسباب أخرى غير معلنة ذكرتها بعض التقارير والدراسات من أن هناك قوى أخرى تدعم بناء هذا السد للضغط على مصر واضعافها ، ومع ذلك تعاملت مصر مع الأسباب الظاهرة المعلنة وهى رغبة أثيوبيا في استغلال المياه باحتجازها خلف السد من أجل استخدامها فى إحداث تنمية اقتصادية لشعبها واحترمت مصر هذه الرغبة واعترفت أن من حق إثيوبيا العمل لصالح شعبها وتنمية اقتصادها ، ولكن مع مراعاة عدم الإضرار بمصالح شركائها في هذا المورد الحيوي ومصدر الحياة لملايين من البشر في الشعبين المصري والسوداني وأن يتم ملء خزان المياه وراء السد في مدة زمنية أطول يتم الاتفاق عليها بحيث لا يؤثر ذلك على كل من حصة مصر والسودان من المياه ، وأن يكون هناك تعاون فنى بين البلدان الثلاثة في إدارة السد ، إلا أن تعنت إثيوبيا وتمسكها بموقفها والسعي وراء مصالحها فقط دون مراعاة لمصالح الدول الأخرى الشركاء معها أدى إلى فشل المفاوضات. ويؤدي فشل المفاوضات إلى احتمالية تدويل قضية سد النهضة ولجوء كل من الحكومة المصرية والحكومة السودانية إلى المحاكم الدولية . وبالتالي فنحن سوف نواجه في السنوات القادمة موقفا صعبا بالنسبة لقضية المياه ، مما يحتم علينا اللجوء إلى العديد من الطرق والبدائل التي يمكننا بها تخفيف حدة الأزمة إلى حين إيجاد حل لأزمة سد النهضة ، وقد بدأت الحكومة المصرية بالفعل فى البحث عن عدة بدائل أخرى لمواجهة شح المياه مثل إنشاء محطات لتحلية مياه البحر ، ومعالجة مياه الصرف الصحي والزراعي وإعادة يستخدامها في عملية ري المحاصيل وبعض الأنشطة الصناعية ، ولأن مصر لها خطة تنمية مستدامة تتمثل فى استراتيجية مصر 2030 والتى تتوافق مع الرؤية الأممية فى تحقيق التنمية المستدامة بأبعادها الاقتصادية والبيئية والاجتماعية ، والاستدامة أو التنمية المستدامة كلاهما بمعنى واحد وهو تلبية وتحقيق احتياجات الجيل الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية إحتياجاتها الخاصة ، وتساهم جميع الشركات فى أثناء ممارستها لنشاطها في إحداث آثار اقتصاديةواجتماعية وبيئية قد تكون هذه الآثار إيجابية أو سلبية ، لذلك وحتى تتحقق التنمية المستدامة لابد من إفصاح الشركات عن آثارها البيئية والاجتماعيةوالاقتصادية ، وقد أصدرت العديد من المنظمات والهيئات وأسواق المال العديد من المعايير والأدلة التى تبين وتوضح للشركات مفهوم الاستدامة وكيفية تحقيقها وكيفية الإفصاح عنها وقد كانت البورصة المصرية سباقة في هذا المجال إذ أصدرت باعتبارها بورصة مستدامة دليلا إرشاديا للشركات المدرجة بها لكيفية ممارسة الاستدامة وعمل وإصدار تقارير عنها ، يتضمن هذا الدليل العديد من المعايير التي تغطي جميع أبعاد الاستدامةالاجتماعية والبيئية والاقتصادية وقد اعتمد هذا الدليل على العديد من المعايير والمبادرات الدولية التي اهتمت ودعت وبعضها ألزم الشركات بممارسة الاستدامة وإصدار تقارير عنها . وفيما يتعلق بالمعايير التي تضمنها كل بعد من أبعاد الاستدامة الاقتصادي والاجتماعي والبيئي فيمكن تناولها كما يلى :

    فيما يتعلق بالبعد الاقتصادي تضمن إفصاح الشركات عن أدائها الاقتصادي وتواجدها فى الأسواق وممارسات الشراء ومكافحة الفساد والضرائب .

    أما فيما يتعلق بالبعد الاجتماعي فقد تضمن ضرورة الإفصاح عن التوظيف والعلاقة بين العمال والإدارة والصحة والسلامة المهنية وصحة وسلامة العملاء والتدريب والتعليم وعمالة الأطفال والعمل الجبري وتقييم حقوق الإنسان والحرية النقابية والمفاوضة الجماعية وغيرها .

    وأما ما يتعلق بالبعد البيئى فتضمن ضرورة الافصاح عن المواد والطاقة والمياه والنفايات السائلة والانبعاثات والتنوع البيولوجي والمخلفات والامتثال البيئي وغيرها .

    وكل معايير من هذه المعايير يتضمن مجموعة عناصر توضح كيفية معالجته والافصاح عنه ، وعلى الرغم من وجود مثل هذه المعايير التا تبين للشركات كيفية معالجة والإعلان والإفصاح عن آثارها الاجتماعية والبيئية والاقتصادية إلا أن التزام الشركات خاصة المصرية بمعالجة والإفصاح عن هذه الأبعاد مازال ضعيفاً ، فقليل منها ما يصدر تقارير استدامة مستقلة على الرغم من أهمية هذه التقارير للشركات قبل أصحاب المصالح المهتمين بالشركة ، ويرجع ذلك الى أنه لا يوجد إلزام من الجهات الرسمية مثل هيئة الرقابة المالية للشركات بإصدار تقارير الاستدامة ، وأيضا عدم رغبة الشركات في الالتزام بما ورد في معايير الاستدامة من متطلبات خاصة فيما يتعلق بالبعد البيئي والاجتماعي .الا أن فشل مفاوضات سد النهضة سوف يكون له دور بالغ فى حتمية إفصاح الشركات عن الاستدامة خاصة فيما يتعلق بالبعد البيئي ومنه الإفصاح عن المياه والنفايات السائلة والطاقة والانبعاثات ، فيجب على الشركات أن تفصح عن كيفية استخدامها للمياه ومعدلات الاستهلاك وترشيد استهلاك المياه وكيفية تحقيق الترشيد وإعادة تدوير المياه ، واستخدام المياه الجوفية ومياه الأمطار ، وكيفية التعامل مع النفايات السائلة ومناطق الإجهاد المائي وتصريف المياه وأمور كثيرة بينتها المعايير والتي لو التزمت بها الشركات لاستطعنا الخروج من الأزمة . لذلك على الدولة ممثلة في هيئة الرقابة المالية وبورصة الأوراق المالية إلزام الشركات بإصدار تقارير استدامة بأبعادها الثلاث البيئية والاقتصاديةوالاجتماعية مع الإهتمام بالبعد البيئي فيما يتعلق بالجزء الخاص بالإفصاح عن المياه وكيفية التعامل معها ، فسد النهضة وإن كان تحديا إلا أننا نستطيع أن نجعل منه فرصة تتعلم منه الشركات عامة والشركات غزيرة الاستهلاك للمياه خاصة كيفية التعامل الرشيد مع المياه . وبالإفصاح عن الاستدامة وحتمية قيام الشركات بإصدار تقارير الاستدامة ، سوف نلاحظ أن الشركات سوف تقدم الكثير من الأساليب المبتكرة للتعامل الرشيد مع المياه .

    وإلى لقاء فى مقال قريب نستعرض فيه معايير المياه في مبادرات الإفصاح عن الاستدامة لنجد أنها لم تجد شيئا من وسائل الإستعمال الرشيد للمياه إلا وذكرته وحثت الشركات على تطبيقه.

     



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن