قادتنى الأقدار دون ترتيب منى لأن أشاهد فيلم "الممر" وهو باختصار لمن لم يشاهده وأنصحه بمشاهدته بل مشاهدته أكثر من مرة لاستخلاص العبر والدروس وقيم الأمة المصرية العريقة الضاربة فى أعماق التاريخ من حيث التضحية والفداء والايثار من أجل تراب هذا الوطن، فيلم تدور أحداثه فى أعقاب الهزيمة فى حرب يونيو 1967 ثم بدء حرب الاستنزاف التى حملت كثيرا من قصص بطولات الجيش المصرى العظيم والتى غفل عنها المؤرخون ولم تنل حقها من التسجيل والتأريخ العسكرى. الفيلم وان كان ربما قد حمل العديد من المشاهد التى استلزمت الحبكة الدرامية الا أنه فى ذات الوقت لم يبالغ على الاطلاق فى تصوير أبطال مصر من ضباط وجنود وما يتصفون به من صفات الشجاعة والاقدام وحب الوطن. وقد تكون قصة الفيلم مستوحاة من خيال كاتبها أو من نسج مخرجها الا أنها ودون أدنى شك تعبر كامل التعبير عما حدث فى تلك الحقبة الزمنية من أحداث وما صاحبها من معارك حربية كان أبطالها رجال القوات المسلحة المصرية الذين لم يكن يوما بنفوسهم الا عقيدة عسكرية وطنية لا يفترون عنها ولا ينازعها بوجدانهم شىء آخر، تلك العقيدة العسكرية التى أصبحت رمزا ونبراسا لكل جيوش الأرض ولم لا وقد أصبحت قوة مصر العسكرية اليوم فى مصاف أعظم عشرة جيوش على وجه الأرض وان كان المقاتل المصرى هو الأعظم دون منافس فكان هو سببا رئيسا لوضع مصر العسكرى العالمى اليوم بتفانيه واخلاصه وتدريبه وقدراته التى لا يضاهيه فيها منافس. أحداث هذا الفيلم تتمحور حول عملية عسكرية شبه فدائية تدور رحاها فى أرض سيناء المحتلة عقب هزيمة 67 وقتما كانت آثار الهزيمة غالبة وتداعيات الانكسار سائدة ولكن وسط كل ذلك الظلام يسطع نور عزيمة الرجال وتبرز ارادة المقاتل المصرى الصلدة لتنقشع الغمة ويطفو فوق سطح اليأس الأمل من جديد، الأمل فى عودة الانتصار المألوف لمصر وشعبها والذى تحقق فيما بعد بانتصار اكتوبر 1973 العظيم.
وفى خضم اندماجى بمشاهدة هذا الفيلم المعبر الرائع اندفع فجأة الى رأسى خاطر ظننت أنه من المناسب تسجيله ونقله الى كل من حولى ولم أجد وسيلة أفضل من الكتابة عله يصل الى مجتمعى الذى أعيشه والذى آمل أن يتغير حاله مما هو عليه الآن الى ما كانت عليه حالة المجتمع المصرى ابان حرب الاستنزاف وما قبل انتصار اكتوبر العظيم، فلقد وجدتنى لا شعوريا أعقد مقارنة بين حال الشباب حينذاك وشباب هذا الجيل الذى يحيا هذا الزمان فى وطنى الحبيب مصر، وبنظرة تحليلية بسيطة أرجو ألا أكون متجنيا فيها اكتشفت أن شباب الجيل الحالى رغم كل الامكانيات المتاحة له بداية من الطفرات التكنولوجية الهائلة ونهاية بعالم المعلومات المفتوح اللانهائى فلقد افتقد هذا الجيل الى أبسط مبادىء الانتماء الى أرض هذا الوطن ولا أريد هنا التعميم الذى قد يكون خطأ كبيرا ولكنى أتحدث عن السواد الأعظم من الشباب الذى انشغل بقضايا فرعية عن قضايا وطنه الأهم والأعظم وبات يصب جام غضبه على الأوضاع فى مصر وأصبح لا يدرك ما تمر به مصر من تحديات كبيرة لا تقل بأى حال من الأحوال عن تلك التحديات التى واجهت شباب ما بعد هزيمة 67 الذين افتقدوا حينها الأمل فى بناء حياة هى من أبسط حقوقهم لكونهم أصبحوا فى حالة حرب دائمة ولكنهم رغم تلك الظروف القاسية والصعبة تناسوا أنفسهم وانشغلوا بقضية واحدة وهى قضية وطنهم وتحرير أرضهم حتى تحقق لهم بالعزيمة والارادة ما تمنوا وابتغوا، ولم يكن ذلك بالشىء اليسير ولكن صاحبه الكثير من التضحيات التى كان أهمها التضحية بالكثير من الشهداء من أجل الوصول الى الهدف، ولعل الجيل الحالى لا يعى ذلك المعنى وتلك التضحيات التى تم بذلها لكى يعيش هو اليوم تلك الحياة التى يتذمر منها وينقم عليها رغم اعترافى بصعوبتها ولكنها لن تكون يوما أصعب مما عاشه أجيال سابقة عظيمة صنعت وجه مصر.
اننى أدعو كل المؤسسات التعليمية والثقافية والتوعوية فى مصر الى نهج نفس أسلوب هذا العمل العظيم وهو فيلم "الممر" وانتاج مثل تلك هذه الأعمال سواء سينمائية أو ثقافية أو عبر الوسائل التعليمية لتعريف شباب الجيل الحالى الذى أعتبره من أمر الأجيال التى مرت بمصر، تعريفه بتاريخ مصر وعراقتها وقضيتها وضرورة التضحية والفداء لهذا الوطن الذى يستحق منا جميعا كل التضحية والفداء.