كتب: ايمن صلاح
منذ ثورة البوعزيزى التونسية فى ديسمبر 2010 مرت تونس بكثير من الأحداث الداخلية التى شابها الكثير من العمليات الارهابية والتدهور الاقتصادى وغياب الأمن وتراجع لمصادر الدخل القومى التونسى ومن أهمها السياحة، وربما يتشابه ذلك مع ما حدث فى مصر عقب ثورة يناير 2011 تماما، بل ان المسارين السياسيين للبلدين ربما يكون متماثلا ومتطابقا الى حد مذهل باستثناء بعض المظاهر السياسية التى شابت المشهد التونسى حتى وصلت الى ما هو عليه الآن. ورغم كل الأحداث الداخلية السلبية فى تونس اتخذ الكثير من المحللين والمراقبين السياسيين فى المنطقة تونس نموذجا للتحول الديمقراطى فى المنطقة العربية وصوروا لنا أنه ربما تكون تونس هى الدولة العربية الوحيدة التى نجحت فى فرض الديمقراطية عقب تسونامى الربيع العربى المزعوم. فهل كان ذلك الزعم حقيقيا بالفعل؟!
وفقا لمؤشر الديمقراطية الصادر عن الوحدة الاستخباراتية لمجموعة الايكونوميست فى 2019 أى قبل الأحداث الجارية فى تونس بعامين كاملين تم تصنيف تونس من الديمقراطيات المنقوصة طبقا لمعايير محددة وحاكمة لمستوى الديمقراطية فى أى بلد من البلاد، تلك المعايير هى التعددية والعملية الانتخابية، الحريات المدنية، أداء الحكومة، المشاركة السياسية، والثقافة السياسية ... ويتم تقييم كل معيار من تلك المعايير الديمقراطية بناءا على الدرجة الممنوحة لكل معيار ومن ثم يتم تحديد المتوسط الحسابى لمؤشر الديمقراطية والذى يتدرج من ديمقراطية كاملة (من 8 الى 10 درجات)، الى منقوصة (من 6 الى 8 درجات)، ثم الأنظمة المختلطة (من 4 الى 6 درجات)، ونهاية بالأنظمة الاستبدادية (أقل من 4 درجات). وبالنظر الى الحالة التونسية نجد أن تونس وطبقا للمؤشر المذكور قد حصلت على 5.63 فى معيار الثقافة السياسية و 5.71 فى معيار أداء الحكومة و5.88 فى معيار الحريات المدنية مما يثبت أن تونس لم تصل يوما الى الديمقراطية التى روج لها المحللون والسياسيون والتى زعمها حملة المباخر والأفاقون ورغم ان تلك المعايير تصنف تونس كديمقراطية منقوصة الا اننى أرى أنها أقرب الى التصنيف الذى يجمع بين الأنظمة المختلطة، بيد أن تونس قد تفوقت فى معيارى المشاركة السياسية والتعددية والعملية الانتخابية حيث حصلت على 7.22 و 9.17 من الدرجات على الترتيب الا أن كلا من هذين المعيارين يرتبط أكثر بالمواطن التونسى أكثر من السلطات والمؤسسات التونسية الحاكمة، فتونس وطن لا يحمل بين جنباته مواطن أمى واحد بل ان مواطنيه يتمتعون بالثقافة العالية والتعليم المميز. اذن ومن ذلك التحليل نجد أن التجربة الديمقراطية التونسية هى تجربة أصابها العوار والنقصان وهو ما أدى الى الانهيار السياسى الحالى فى تونس، ولكن هناك العديد من الأسئلة التى تطرح نفسها على المشهد السياسى التونسى الحالى ومن أهم هذه الأسئلة هى لماذا فشلت التجربة الديمقراطية التونسية؟ وهل ما يحدث اليوم فى تونس هو ردة الى الديكتاتورية؟
وللاجابة على السؤال الأول علينا أولا أن نتذكر أن فاقد الشىء لا يعطيه، فكيف لنا أن نقتنع بأن حزبا مشاركا فى الحياة السياسية ومسيطرا على الحياة النيابية التونسية مثل حزب النهضة التابع لجماعة الاخوان أن يكون عنصرا فاعلا لا معطلا للعملية الديمقراطية، كيف يمكن لجماعة مارقة تعتنق ايديلوجية سياسية قائمة على الحكم الديكتاتورى، وتسلك منهجا قائما على السمع والطاعة بين كوادره أن تكون شريكا فى بناء وطن ديموقراطى، كيف يمكن لشعب من الشعوب أن يثق فى جماعة لا تؤمن أصلا بفكرة الوطن أن تمارس العملية السياسية بنزاهة وشفافية، اننى أزعم بل أجزم ان الانهيار السياسى والاقتصادى التى تمر به تونس اليوم ما كان ليحدث لولا وجود جماعة الاخوان التى ما من أرض حلت بها الا بارت وما من وطن وجدت فيه الا فسد وما من سلطة تولوها الا فشلت، وليس أدل على ذلك من السقوط والانهيار الاقتصادى والسياسى الذى تعيشه تونس اليوم.
أما الاجابة على السؤال الثانى فانى أظن ان الثورة التى يقوم بها الشعب التونسى اليوم هى ثورة تطهير وتصحيح المسار الخاطىء الذى سلكته تونس طيلة السنوات الماضية مما يضع معه آمالا كبيرة لاعادة صياغة الديمقراطية فى تونس لبنائها البناء الصحيح الذى يعود على تونس والشعب التونسى بالتقدم والرخاء بعيدا عن بيئة الصراعات والمؤامرات.