بقلم : حاتم زهران
خبير تكنولوجيا المعلومات
أتمنى من كل الأصدقاء أن يقرأوا هذا البوست جيدا، لأنهم حيستفيدوا منه إستفادة كبيرة، ومن باب العلم بالشئ، وبالذات إنه من صميم عملى وتخصصى، وكتبته تحت طلب الكثير من الأصدقاء أن أكتب شيئا فى هذا الموضوع، من باب التعريف به والتعرف عليه..
حرب "مارك" و "ماسك" .. حرب "تويتير" و "ثريدز" ..
حرب تكسير العظام .. حرب التواصل الإجتماعى ..
حرب المركزية واللامركزية ..حرب الذكاء الإصطناعى ..
بينما العالم المتخلف من بقايا أعقاب ثورة المداخن، الثورة الصناعية الكبرى، وآثار التكنولوجيا الصناعية التقليدية، وحكم الأحذية الثقيلة، والآلات العسكرية المجنزرة، والأنظمة المتخلفة، والإقتصاديات العفنة، والسياسات الدكتاتورية، وأيديولوجيات القرون الوسطى، ومعتقدات ماوراء الطبيعة، وإستنزاف العالم لموراده وإقتصادياته وأمواله وثرواته وكنوزه، وموت خيرة شبابه وعماله وفلاحيه هدر، فى حروب صغيرة وكبيرة، ما بين عسكرية وإقتصادية، وأغلبها بالوكالة، وإستنزاف كل طاقات العالم من أقصاه لأدناه، ومن شماله لجنوبه، ومن شرقه لغربه، وجعله عالم متخلف أشبه بعالم الغابات، يحكمه ويتحكم فيه قانون القوة والوحشية والمال والملكية وهى الغالبة عليه، فجعلت البشرية عبارة عن مجموعات من الحيوانات المفترسة بقناعات تكنولوجيات عصرية..
بينما كل هذا دائر، نجد هناك وعلى الصعيد الآخر حرب أخرى دائرة، ليست بباردة، وليست بعسكرية، ولا أيديولوجية ولا دينية ولا عقائدية، ولا وطنية ولا قومية ولا أممية، إنها صراع من نوع آخر تماما، قد يبدو لشهود العيان للوهلة الأولى أنها من أجل المال والثراء فحسب، ولكن ليست كذلك، هى صراعات من أجل عقول البشر مصحوب بذكاء آلى، ربما يغير خريطة الذكاء البشرى وطريقة تفكيره إلى منطقة أخرى مختلفة تمام الإختلاف على ما نحن عليه الآن..
"تويتر" هى إحدى منصات التواصل الإجتماعى الكبرى على مستوى العالم، أمريكية المنشأ، نشأت فى أكتوبر 2010، وتعتمد على "التغريدات" أى الرسائل القصيرة اللحظية الوقتية، وتحتوى على بضع مليارات من الحسابات، وإشتراها مؤخرا "إيلون ماسك" فى أكتوبر 2022، بما يقرب من 44 مليار دولار..
"إيلون ماسك" هو صاحب شركة "تسلا"، أكبر وأهم شركة عربيات فى كوكب الأرض، كهربائية وتعمل بالذكاء الإصطناعى، ومالك شركة "تويتر" الآن، وصاحب شركة "AI" للذكاء الإصطناعى، وصاحب تطبيق "شات جى بى تى"..
"شات جى بى تى" تطبيق أُطلق فى نوفمبر 2022، ووصل عدد الحسابات به فى شهرين فقط 100 مليون حساب، وهو تطبيق يعتمد بالأساس على الذكاء الإصطناعى، يتم التحدث من خلاله ليس مع بشر مثل الفيس بوك، بل مع روبوت، وهذا الروبوت مزود بقواعد بيانات لا نهائية، موجودة فى مراكز بيانات عالمية، على خوادم فى جميع أنحاء وأركان كوكب الأرض، وتتحكم فيها نظم خبيرة، تعمل بالذكاء الإصطناعى، تزداد مع الوقت كما هائلا من البيانات والمعلومات والمعارف والمحتوى الرقمى، وتزداد أيضا خبرة فى التعامل مع عملائها من خلال حساباتهم، وتمدهم وتزودهم بما يتسائلون عنه يوما بعد الآخر، وفى جميع المجالات ومناحى الحياة..
وعند شراء "ماسك" تويتر، فصل جميع القيادات العليا، ثم فصل 80% من العاملين، وخفض العمالة فى النهاية من 7800 إلى 600 موظف فقط فى أقل من ستة أشهر، مما أفقدها وزنها وقوتها، بل فرض 20 دولار شهريا على المشتركين، مما جعلهم يتركون المنصة وحساباتهم، بل وصل الأمر أن كبرى الشركات العالمية وعلى رأسهم أكبر شركة وهى "فولكس فاجن"، أوقفت إعلاناتها بالمنصة، مما تسببت فى خسائر رهيبة لشركة "تويتر"، وصاحب كل ذلك أن القيادات والعاملين والأعضاء المشتركين وأصحاب الحسابات ذهبوا لمنصات عالمية أخرى، والتى تتمع باللامركزية التى لا تتمتع بها "تويتر" التى تعمل بالمركزية المطلقة، والتى تعد عيبا من أحد أهم عيوبها، وهذا موضوع آخر تقنى يحتاج إلى مقال آخر، مما هدد ذلك عرش "تويتر"، الذى إستمر بلا منازع وبلا منافس على مدار أكثر من عقد كامل..
وعلى الصعيد الآخر وعلى العكس، كان إمبراطور منصات التواصل الإجتماعى على كوكب الأرض"مارك"، صاحب شركة "ميتا" والتى يقدر ثمنها بأكثر من تريليون من الدولارات، والتى تمتلك تحت منها، منصة "الفيس بوك"، وهى أكبر منصة تواصل إجتماعى، نشأت فى فبراير 2004، بها أربعة مليار حساب، وكانت فى وقت من الأوقات مثار جدل كبير هى وصاحبها فى الكونجرس الأمريكى، على قضايا هى من أهم وأكبر القضايا الرقمية العصرية، وهى "الحريات والخصوصيات" على المنصات الإعلامية الرقمية، وكذلك صاحب منصة "الواتس آب"، ونشأت فى يناير 2009، ثم إشتراها فى 2014، وهى منصة خاصة بتبادل الرسائل والجروبات، وكذلك صاحب منصة "ماسنجر"، نشأت فى يوليو 1999، وهى منصة لتواصل الرسائل القصيرة"، وصاحب منصة "إنستجرام"، نشأت فى أكتوبر 2010، وهى منصة للتواصل الصور ومقطعات الفيديو، وأخيرا وليس بآخرا، صاحب "الميتافيرس" التى أطلقها العام الماضى فى صيف 2022، والتى جمعت بين الواقع الإفتراضى والمعزز والمختلط، والمبنى فى الأساس على الذكاء الإصطناعى، ثم أطلق مؤخرا "ثريدز"..
"ثريدز" منصة تواصل إجتماعى مبنية على الرسائل القصيرة الوقتية اللحظية، وهى أقرب لفكرة "تويتر"، ولكنها مرتبطة بحسابات "إنستجرام"، وجاءت "ثريدز" كالعاصفة فى توقيت تنهار فيه "تويتر" لتعصف بها، لتحطم ما تبقى منها للأبد، فأعلن "مارك" عن ثريدز" فى الخامس من شهر يولية الحالى 2023، وأطلقها فى صباح الجمعة الماضى الموافق 7 من نفس الشهر يولية 2023، وفى خلال خمسة أيام حققت 100 مليون حساب، ومتوقع فى بضع أشهر أن يكون بها أربعة مليار حساب..
ومن حينها، أُعلنت الحرب رسميا بين المنصتين، "ثريدز" و "تويتر"، وبين كل من "مارك" و "ماسك"، أكبر أغنى فردين فى كوكب الأرض، وبالذات فى قطاع تكنولوجيا المعلومات، والحرب بينهما ليست فى التكنولوجيا التقليدية، بل فى أقوى وأرقى تكنولوجيا معلوماتية، وهى "الذكاء الإصطناعى"، والمنافسة بينهما أصبحت محتدمة، وستصل بالعالم إلى عقول آلية جديدة، ستفكر وتدبر الأمر بلا حاجة إلى عقول البشر، فلم يعد العقل البشرى هو العقل الوحيد الذى يملك القدرة على التفكير، والذكاء فى التميز، بل أصبح "الذكاء الإصطناعى" هو الأقوى وله الغلبة، حتى قوة العقل البشرى فى المعرفة وإختزان المعلومات تضاءلت تماما، أمام نظم الخبرة أو النظم الخبيرة، فلا حاجة لعقل بشرى يحفظ ويحتفظ ويعرف كم من المعلومات والمعارف ويتباهى بها، بل يستطيع أى شخص عادى فى المستقبل القريب جدا، والذى لا يتعدى غالبا هذا العقد الحالى، أن يركب شريحة فى دماغه، "وأولهم سيكون أنا شخصيا، عندى إستعداد لذلك ومن الآن، وذكرت هذا منذ عشرين عاما مضت، على مرآى ومسمع من الأصدقاء"، وهذه الشريحة تتصل بجميع خوادم مراكز البيانات فى العالم، وتستطيع أن تسترجع أى معلومة فى أقل من لحظة..
ولذا، نحن أمام عالم جديد، يتحدث عن كائن جديد، بعقل جديد، فى عالم جديد، وعلى باقى عوالم الأرض الأخرى أن تعيش فى تخلفها وجهلها، من حفريات عصور تكنولوجيا صناعية ومعلوماتية قديمة، بدعوى أنها مازالت متقدمة فى تخلفها..
البقاء للأذكى الذى يملك المعرفة..