بقلم : د . ياسر بهاء
أطلق على نفسه "مدمن تعلم" من كثرة حبه لتعلم مهارات جديدة باستمرار مما دفعه إلى تأليف كتاب يحمل اسم "العشرون ساعة الأولى – تعلم أي شيء سريعاً". إنه Josh Kaufman الذي تحدى العذر الأساسي الذي يقف أمام الكثير منا للتعلم وهو الوقت حيث تجد جملة "أتمنى تعلم الكثير من الأشياء لكن ليس لدي أي وقت!" هذا بالإضافة إلى الأعذار الأخرى مثل "لا أعرف من أين أبدأ" أو "ماذا أتعلم أولاً؟" أو حتى بعد البدء في تعلم مهارة جديدة قد لا نستمر بحجة البطء في التعلم ومن ثم قد يطول الوقت لاكتساب مهارة ما ويكون السبيل الأقرب هو التوقف بالكامل والعودة لمنطقة الراحة والأمان.
في هذا الكتاب يقدم المؤلف خطة تساعد في البدء والانتهاء من تعلم واكتساب المهارات بشكل سريع مما يساهم في التحفيز والاستمرار ويمكن اختصار تلك الخطة في أن تقوم باختيار مهارة معينة وتمارسها فقط لمدة عشرين ساعة مهما كانت النتائج ولا يشترط الانتهاء من تلك الساعات العشرين في فترة قصيرة بل يمكن توزيعها على فترة أطول قد تصل إلى شهر وفقاً للظروف والقدرات الخاصة بكل شخص مع الالتزام ببعض القواعد قبل وأثناء تعلم تلك المهارة.
وقد ضرب المؤلف مثلاً حياً حيث قام بنفسه بتعلم الكتابة على لوحة المفاتيح بطريقة مختلفة عن المتعارف عليها حيث بدأ في تعلم نظام Colemak بدلاً من نظام QWERTY وقد كانت سرعته بالنظام الأخير والمتعارف عليه هو 61 كلمة في الدقيقة ولكنه كان يعاني أحياناً من آلام في الرسغ واليدين وقد علم أن النظام الجديد غير مؤلم عند الكتابة.
في بادئ الأمر شارف المؤلف على الانسحاب حيث مضت ساعتان من التدريب ولم يكتب إلا بسرعة 5 كلمات في الدقيقة ولكنه أصر على استكمال العشرين ساعة وبعد مرور سبع ساعات وصل إلى عشرين كلمة في الدقيقة وبعد 14 ساعة وصل إلى 40 كلمة في الدقيقة وبنهاية العشرين ساعة كان قد وصل تقريباً لنفس سرعته القديمة ولكن مع عدم الشعور بآلام الرسغ مقارنة بالنظام السابق.
وبالتالي فقد أوضح Kaufman أن النتيجة الطبيعية للاستمرار في التعلم والتدريب لمدة لا تقل عن عشرين ساعة هي:
1- إما الوصول إلى مستوى جيد من اكتساب تلك المهارة وبالتالي الاستفادة منها ومن ثم الحماس في الانتقال إلى مهارة أخرى وتعلمها بنفس الطريقة.
2- أو أنك ستتخطى عقبة البدء التي تقف حائلا أمام الكثير في تعلم أي مهارة جديدة وبالتالي بعد مرور عشرين ساعة غالباً ما ستستمر في التدريب من أجل التطوير والوصول إلى المستوى المرغوب.
3- أو تتوصل إلى أن تلك المهارة ليست مناسبة لك وبالتالي ستتركها وتنتقل إلى مهارة أخرى مع عدم الشعور بالندم حيث إنك حاولت وأعطيت نفسك الفرصة كاملة لتعلم تلك المهارة.
ولكن ما هو السر في الرقم 20؟ في الواقع هو رقم مقترح من المؤلف كمتوسط ساعات يسمح بالوصول إلى مستوى معقول يمكن من خلاله تحديد أي من المستويات الثلاث السابقة ذكرهم (الرضا أو الحافزية للاستمرار أو تجاهل تلك المهارة نهائياً). من ناحية أخرى فإن تلك المدة قد تختلف باختلاف المهارة وطبيعة الشخص ولكن من المقترح عدم تخفيض تلك المدة عن الساعات العشرين.
من الأسئلة التي قد تطرأ على ذهن البعض هو هل عشرين ساعة كافية لاكتساب وإتقان أي مهارة؟ للإجابة على هذا السؤال علينا الإشارة أولاً لما أشار إليه Malcolm Gladwell في كتابه Outliers حيث أكد على ضرورة التدريب والتعلم لمدة لا تقل عن 10 آلاف ساعة للوصول إلى الاحترافية والعالمية في مهارة ما وبالتالي فإن الفرق شاسع بين الرقمين!
وحتى نكون منطقيين في طرح فكرة العشرين ساعة فإن المؤلف لم يتطرق إلى الوصول إلى درجة الاحتراف والعالمية في أي مهارة والتي قطعاً تحتاج إلى فترة طويلة ولكنه أشار إلى أن تلك المدة كافية كي تساهم في الوصول إلى قرار معين بشأن تلك المهارة. وبشكل مبسط فأن 20 ساعة كافية للاستفادة من المستوى الذي نصل إليه ولكن ليس مستوى المنافسة والاحترافية أي أن من يريد فقط أن يكتسب مهارة ما وليس الوصول إلى أعلى مستوى لها فإنه يكفيه تلك المدة التي قد تزيد وفقاً لرغبة الشخص في المضي قدما في اتقانها إن أراد.
وحتى لا نطيل في هذا المقال فسنتحدث في المقال القادم عن 10 نصائح أوصى بها المؤلف في كتابه لتحقيق الاستفادة القصوى من تلك الممارسة التي قد يختلف البعض في تقبلها بين الصعوبة والسهولة والمنطقية ولكن الأكيد أنها طريقة تستحق التجربة مع الأخذ في الاعتبار ما سيتم تناوله في مقال الأسبوع القادم، فتابعونا.