بقلم : د / غادة عامر
لفت نظري جدا بل صدمني عندما نشرت منشور علي صفحات التواصل الاجتماعي امدح فيه تاريخ وطني، (أي لا أمدح أي نظام سياسي، فقط تاريخ) أنني و جدت كم هجمات من أشخاص لا أعرفهم و معظمهم - كما مكتوب في التعريف الخاص بهم - اما يعيشون في دول عربية شقيقة و علاقتنا بها جيدة او من دول عربية و لكن مكتوب انهم يعيشون في دول أجنبية, و لم يكن الذي لفت نظري فقط الكلام الهجومي علي أي شيء يخص مصر، ، فللأسف هذا الامر تعودنا ان نسمعه من قنوات لها تاريخ أسود مع كل الدول العربية، و لا رد فعلهم عندما اردت ان أناقشهم فيما كتبوا، بل ما لفت نظري و جعلني غير قادرة ان امرر الامر بدون دراسة ، هو تشكيكهم في التاريخ نفسة و إصرارهم بشكل غير طبيعي علي قلب الحقائق و تزيفيها ، حتي ان منهم من شكك أن سيناء المذكورة في القران هي سيناء المصرية!!!
فقررت أن ابحث في الامر، فعقلي لا يقبل أن يصدق أنه ممكن لاي مواطن عربي أن يسيء او يشكك في تاريخ أي دولة عربية أخري بهذا الكم من الحقد و التزييف، حتي ولو لأجل أي فصيل سياسي، و كانت نتيجة بحثي كما توقعت، وجدت عملية ،“sock puppet” و هو ما يمكن ترجمتها علي إنها "عرائس الماريونت" ، و هي عملية تجسس أمريكية للتلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي، حيث يقوم بها برنامج حاسوبي تابع للجيش الأمريكي ببناء هويات مزيفة على الإنترنت لنشر دعاية مؤيدة لأمريكا او ادعاءات او أخبار مزيفة تخدم الأهداف الامريكية، و التي بالتأكيد منها نشر الفتنة بين أبناء الوطن الواحد و بين الدول العربية و تزيف التاريخ لكي يشك المواطن العربي في هويته و تاريخه، فتقطع جذوره و يسهل خلعة من تربته.
أنه هذه العملية قام فيها الجيش الأمريكي بتطوير برمجيات تسمح له بالتلاعب سراً بمواقع وسائل التواصل الاجتماعي باستخدام شخصيات وهمية، للتأثير على محادثات الإنترنت ونشر الدعاية والاخبار التي تخدم المصالح والأهداف الامريكية. في هذه العملية تحديدا تعاقدت القيادة المركزية الأمريكية الوسطى (Centcom) -تلك الوحدة التي تشرف على العمليات المسلحة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى طبعا باستثناء إسرائيل- مع شركة كاليفورنيا لتطوير ما يوصف بأنه "خدمة إدارة شخصية عبر الإنترنت" والتي ستسمح للجنود الأمريكيين السيطرة على ما يصل إلى 10 هويات منفصلة في جميع أنحاء العالم. وينص العقد مع شركة كاليفورنيا ان يكون لكل شخصية من هذه الشخصيات الوهمية على الإنترنت خلفية مقنعة، وتاريخ وتفاصيل تدعم انها شخصية حقيقية لأقصى درجة، وأن يكون لها عدد جيد من المتابعين حتى يتم تصديق ما تنشره بسهوله. ولكي يطمئن المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية الوسطى "بيل سبيس" الجماهير الامريكية قال: "إن التكنولوجيا تدعم أنشطة التدوين السرية على مواقع الإنترنت باللغة الأجنبية لتمكين القيادة من مواجهة دعاية العنف المتطرفة خارج الولايات المتحدة". وأن اللغة الإنجليزية التي سوف تستخدم سوف تكون مناسبة للمنطقة الوسطى فقط (الدول العربية طبعا اساسها)، واللغات التي سوف يتم استهدافها هي العربية والفارسية والأوردو والباشتو وأنه لن يستهدف مواقع إلكترونية مقرها الولايات المتحدة لأنه سوف يكون من الغير القانوني استخدام هذا البرنامج على الجماهير الأمريكية!!!
والبرنامج يسمح لموظفي الخدمة الأمريكية الموجودين في قاعدة ماكدويل الجوية في فلوريدا - مقر قيادة العمليات الخاصة الأمريكية- بالاستجابة السريعة والتدخل في أي محادثات ناشئة عبر الإنترنت أو رسائل، أو نشرات داخل مدونات، أو أي غرف للدردشة او أي منصة من منصات التواصل وابداء الرأي. وأيضا ينص العقد على توفير "خادم خاص افتراضي" واحد في الولايات المتحدة وآخرون خارج الولايات المتحدة لإعطاء الانطباع بأن الأشخاص المزيفين هم أشخاص حقيقيون يقيمون في أجزاء مختلفة من العالم. ولقد سبق ان كان هناك برنامج أطلق عليه اسم عملية الصوت الممنوح (OEV)، والذي تم تطويره لأول مرة في العراق كسلاح من أسلحة الحرب النفسية ضد التواجد الإلكتروني الغير مؤيد للتواجد الأمريكي ولقوى التحالف في العراق. ويعتقد أنه أيضا تم استخدامه بعد تطويره ب 200 مليون دولار ضد الجهاديين في جميع أنحاء باكستان وأفغانستان والشرق الأوسط (والله أعلم أي من دولنا استخدم ضدها ايضا).
وينظر كبار القادة الأمريكيين إلى مثل هذه البرامج باعتبارها برامج حيوية لمكافحة الإرهاب ومكافحة التطرف. وقد وصف الجنرال ديفيد بترايوس، قائد المنطقة في ذلك الوقت، العملية بأنها محاولة "لمواجهة الفكر المتطرف والدعاية، وضمان سماع الأصوات الموثوقة في المنطقة". و في الاجتماع لمتخصصي الحرب الإلكترونية في واشنطن العاصمة، قال أحد كبار المسؤولين في القيادة المركزية الأمريكية الوسطى ن الغرض من هذه البرامج هو "إيصال الرسائل الحاسمة ومواجهة الدعاية لخصومنا".
بالنسبة لي و بعد معرفة هذه البرامج الغير أخلاقية ، تأكد لي حسي القومي، لكن ما أرعبني هو كم من أبناء وطني وقعوا ضحية لمثل هذه البرامج، و كم من الفتن و الاضطرابات و الازمات التي مرت بها منطقتنا كانت هذه البرامج سببا في اشتعالها، ان الامر بين ايديكم الان وقبل رفض الموضوع او التشكيك فيه ابحثوا و فكروا وقرروا حتي لا تشتركوا بدون قصد في نشر اخبار كاذبة او المساعدة في نشر الفتن التي قد تؤدي الي تدمير اوطانكم، و تتحولوا أنتم الي جيش عدوكم!