بقلم لطيفة زناينا
مستشارة في استراتيجيات التواصل والابتكار في قطاع الفنادق الفاخرة، محللة بيانات متخصصة في السياحة الدولية - شركة الاستشارات إيليت كونسلتينغ
لتوزيع الفندقي: توازن هش بين الفنادق والمنصات
صعود منصات الحجز الإلكتروني
شهد التوزيع الفندقي تغيرًا جذريًا على مدى العقود الأخيرة. فمنذ بروز منصات الحجز الإلكترونية، تضاءلت الروابط المباشرة بين الفنادق وعملائها، مما تسبب في توتر متزايد بين الأطراف الفاعلة في هذا القطاع. كان هذا الصعود غير متوقع إلى حد كبير من قبل أصحاب الفنادق، كاشفًا بذلك عن غياب الرؤية الاستراتيجية والوسائل اللازمة للتعامل مع الاعتماد على هؤلاء الوسطاء الرقميين. ونتيجة لذلك، يسعى أصحاب الفنادق اليوم لاستعادة السيطرة من خلال تشجيع الحجوزات المباشرة.
التحدي المستمر من أجل قناة حجز مباشرة
يمثل كل نسبة مئوية من الحجوزات المباشرة انتصارًا صغيرًا لأصحاب الفنادق. غير أن هذا التقدم يظل هشًا ويتعرض دائمًا للتهديد من خلال الابتكارات التكنولوجية والحملات الإعلانية المكثفة التي تنفذها المنصات الكبرى. حيث تتمتع هذه الأخيرة بموارد مالية ضخمة تمكنها بسهولة من زعزعة جهود الفنادق التي تكافح من أجل المنافسة. في هذا الصراع غير المتكافئ، يبذل أصحاب الفنادق جهودًا مضاعفة لجذب عملائهم من خلال برامج ولاء جذابة والاستفادة من اللوائح الجديدة.
قانون السوق الرقمية الأوروبي: تأثير مزدوج
أحيانًا، تأتي محاولات التنظيم لتحقيق التوازن بنتائج عكسية على أصحاب الفنادق. فعلى سبيل المثال، يهدف قانون السوق الرقمية الأوروبي للحد من هيمنة عمالقة الإنترنت، لكنه قد يؤدي إلى تفاقم التشوه في المنافسة وتعزيز قوة المنصات. وفي هذا السياق، يبرز السؤال: هل بإمكان أصحاب الفنادق فعلاً قلب المعادلة؟ وإن كان الأمر كذلك، فما الثمن؟
استراتيجيات المجموعات الفندقية: الحجم والتخصيص كأصول استراتيجية
ترد الفنادق الكبرى، مثل مجموعة أكور، على هذه المنافسة باستراتيجيات هجومية، مستغلة حجمها لفرض شروط صارمة على الوسطاء. فعبر تقليص عدد الشركاء التجاريين، تحاول أكور التركيز على تعاون حصري. أما المجموعات الأصغر، فتركز على تخصيص العلامات التجارية وتقديم تجربة فريدة لعملائها للتميز عن "تسليع" المنتج الفندقي، ذلك المفهوم الذي يقلص الفندق إلى مجرد سعر وتاريخ وموقع.
العميل، الحكم في توزيع الفنادق
في قلب هذه المعركة، يقف العميل. هذا العميل، الذي بات أكثر وعيًا واتصالًا، لديه الآن القدرة على اختيار قناة الحجز التي تناسبه. وإدراكًا من الفنادق لأهمية هذا العامل، تعمل على إظهار مزايا الحجز المباشر، مثل الأسعار الجذابة، العروض الحصرية، والخدمة الشخصية. وللنجاح، يجب على الفنادق ليس فقط جذب انتباه العملاء، بل إثبات القيمة المضافة لهذه الروابط المباشرة.
الذكاء الاصطناعي: ثورة في علاقة العميل بالفندق
لا تزال التكنولوجيا تحدث تغييرًا عميقًا في قطاع الفنادق. اليوم، يسهم الذكاء الاصطناعي، عبر دردشات تفاعلية مثل ChatGPT، في إحداث ثورة في تجربة المستخدم. بفضل هذه الأدوات، يمكن للعملاء الآن تلقي توصيات موجهة والوصول إلى خيارات حجز مباشرة دون الحاجة إلى المرور عبر منصات الوساطة. يفتح هذا الابتكار آفاقًا جديدة لأصحاب الفنادق، مما يسمح لهم باستعادة الاتصال المباشر مع عملائهم، دون القيود التي تفرضها المنصات الكبيرة.
عصر جديد من التحولات التكنولوجية
لقد أثار ظهور الإنترنت تحولاً كبيرًا في قطاع الفنادق قبل ثلاثة عقود، إلا أن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تغيير أسرع وأعمق. يمكن أن تفرض هذه التكنولوجيا قواعد جديدة، مما يمنح أصحاب الفنادق الفرصة لاستعادة المبادرة. ومع ذلك، من الضروري البقاء متيقظين، فخدمات الذكاء الاصطناعي "المجانية" قد لا تبقى كذلك للأبد. إذ قد يجد أصحاب الفنادق أنفسهم في نهاية المطاف ينتقلون من هيمنة إلى أخرى، متسائلين عما إذا كانت هذه التبعية ستكون مجدية على المدى الطويل.
خاتمة: نحو إعادة توازن في علاقات القوة؟
تشير لطيفة زناينا، مستشارة استراتيجية التواصل والابتكار في قطاع الفنادق الفاخرة، ومحللة بيانات متخصصة في السياحة الدولية لدى شركة الاستشارات إيليت كونسلتينغ ومقرها باريس، إلى أن المرحلة الحالية تعد مناسبة لإعادة تعريف العلاقات بين الفنادق ومنصات التوزيع. وعلى الرغم من أن المنافسة ما زالت شديدة، فإن الفنادق تستطيع، بفضل التخصيص والتقدم التكنولوجي، أن تأمل في استعادة حصة من السوق. يكمن السر في قدرتها على استخدام التقنيات الجديدة لتقديم تجربة غنية للعميل، مع الحفاظ على رابط مباشر مع جمهورها.
يبقى مستقبل التوزيع الفندقي غير مؤكد، ولكنه يبشر بالخير. التحديات عديدة، إلا أن فرص الابتكار وإعادة الابتكار لا تقل عنها.