بقلم : رانيا جول، محلل أول لأسواق أول لأسواق المال في XS.com
تتحرك أسعار الذهب اليوم الخميس بين مستويات 2665 و 2650 دولار، تزامناً مع تزايد قوة الدولار الأمريكي مدعومًا بارتفاع عوائد سندات الخزانة الأمريكية وتفاؤل السوق حول سياسات ترامب الاقتصادية، حيث يواجه الذهب برأيي تحديات كبيرة في الحفاظ على مكانته كملاذ آمن. فقوة الدولار، الناتجة عن استقرار أكبر وتفاؤل بالمستقبل الاقتصادي في ظل إدارة ترامب، تشكل ضغوطًا سلبية على سعر الذهب، الذي يُعرف تقليديًا كملاذ للاستثمار في الأوقات غير المستقرة.
ومن هذا المنطلق، يمكني القول إن السوق ترى في الدولار ملاذًا آمنًا على حساب الذهب، وهذا التحول ينبع من توقعات بتراجع المخاطر السياسية، التي عادة ما تدفع المستثمرين إلى التحوط في المعادن الثمينة.
ومن وجهة نظري، يجد الذهب نفسه في مأزق غير مألوف مع عدم استفادته بشكل كامل من توترات جيوسياسية كان يمكن أن تعزز جاذبيته كملاذ آمن، مثل المخاوف من ضربات انتقامية إيرانية. وهذا يُظهر تأثيرًا مزدوجًا؛ فمن جهة تستمر المخاوف حول أمان الأسواق العالمية، ومن جهة أخرى تقلص تدفقات الملاذ الآمن إلى الذهب مع ازدياد إقبال المستثمرين على الدولار المدعوم بتوقعات اقتصادية متفائلة وسياسات تجارية جديدة.
ومن جهة أخرى، أتوقع أن القرارات القادمة لبنك الاحتياطي الفيدرالي قد تحمل دعمًا محتملًا للذهب، إذ تشير توقعات السوق إلى خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس. وهذا الخفض إذا تحقق، قد يقلل من العائد على الأصول المدرة للفائدة، مما يرفع من جاذبية الذهب كأصل غير مُدر للعائد. لكن مع ذلك، يبقى السؤال حول ما إذا كانت هذه الخطوة كافية لتعويض الضغوط التي يفرضها الدولار القوي وارتفاع العوائد الأمريكية على الذهب.
وتشير البيانات الاقتصادية الأخيرة، مثل ارتفاع مؤشر مديري المشتريات الخدمي الأمريكي، إلى استمرارية الزخم الاقتصادي، وهو ما يعزز مبررات الاحتياطي الفيدرالي للابتعاد عن التيسير النقدي المكثف، ويدعم التوقعات بعودة تدريجية للتشديد. هذا يعني أن سوق الذهب سيبقى عالقًا بين دعم خفض الفائدة، الذي قد يكون مؤقتًا، وبين الضغوط الناتجة عن زيادة العوائد الأمريكية والنمو الاقتصادي الأمريكي المتفائل.
ومن جانب آخر، يحمل فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية في طياته توقعات بتصاعد معدلات التضخم مستقبلًا، خاصة إذا نفذ وعوده بفرض رسوم جمركية واتباع سياسات قد تؤدي إلى زيادة العجز المالي. فالتضخم المرتفع عادة ما يعزز الطلب على الذهب كتحوط، إلا أن هذه الزيادة المتوقعة في التضخم قد تكون مفيدة فقط للذهب على المدى الطويل، إذ أن رفع التعريفات الجمركية قد يستغرق وقتًا قبل أن ينعكس بوضوح على معدلات التضخم.
وفي هذه المرحلة، يبدو لي أن الاحتياطي الفيدرالي يجد نفسه في وضع حساس بين رغبة السوق في خفض الفائدة وبين الحاجة لضبط السياسة النقدية بمرونة لمواجهة ضغوط التضخم المتوقعة. وهذا التوازن الصعب سيجعل توقعات حركة سعر الذهب في الفترة القادمة تتأرجح بناءً على مدى تجاوب الفيدرالي مع التحديات الاقتصادية. فمن جانب، قد يؤدي التضخم إلى جذب المستثمرين نحو الذهب كوسيلة تحوط، ولكن استمرار قوة الدولار والسياسات الاقتصادية الطموحة لإدارة ترامب قد يثبطان هذا التوجه في المدى القريب.
وفي المحصلة، يمكن القول إن حركة الذهب في المرحلة القادمة مرهونة بمزيج معقد من العوامل الاقتصادية والسياسية. الدولار القوي، المدعوم بتفاؤل الأسواق بالسياسات الاقتصادية الأمريكية، سيظل يشكل عائقًا أمام ارتفاع الذهب. ورغم أن تخفيض الفائدة قد يوفر دعمًا مؤقتًا، فإن استمرار ارتفاع العوائد والتفاؤل العام بآفاق الاقتصاد الأمريكي قد يبقي الضغوط قائمة على الذهب في المدى القريب.
ومن رأيي، التحديات التي يواجهها الذهب حاليًا تعكس وضعًا غير مسبوق من ناحية تراجع جاذبيته كملاذ آمن وسط التوترات الجيوسياسية المعتادة، مما يؤكد أن الأسواق قد تميل لاستثمار أكبر في الأصول المدرة للعوائد، مستفيدة من استقرار الدولار وقوة الاقتصاد الأمريكي. ولكن، في حال حدوث أي تغييرات مفاجئة في سياسة الاحتياطي الفيدرالي أو تصاعد ملحوظ في التضخم بفعل سياسات ترامب، فقد يشهد الذهب عودة جزئية لجاذبيته، ولكن يبقى هذا السيناريو مشروطًا بتوجهات أكثر تحفظًا من قبل الأسواق التي تجد نفسها بين وعود ترامب الاقتصادية واحتياجات الفيدرالي للتحكم في التضخم.