بقلم : خالد حسن
يؤكد البعض أن العالم بعد مرور أزمة فيروس "كورونا " لن يكون كما كان قبل ظهور الفيروس وحصد أكثر من 40 ألف إنسان وإصابة ما يقرب من مليون مريض لاسيما مع تطبيق تجربة التباعد الاجتماعي وتنظيم أو تقنين حركة الأفراد وأحيانا حظر التجول في الكثير من الدول، مما يحد أو يمنع وصول الموظفين إلى أماكن العمل، وهو ما يثير الكثير من التساؤلات عن مدى تفاعل المؤسسات والجهات مع هذا الواقع الذي تحتمه الظروف الحالية .
وبالطبع فإن هيكل سوق العمل المحلي والعالمي من المتوقع أن يشهد تغيرا كبيرا خاصة في ظل إشارة دراسة حديثة لمنظمة العمل الدولية أن إجمالي خسائر المالية للعمالة الناجمة عن فقدان الوظائف يمكن ان تتراوح بين 860 مليار دولار و 3.4 تريليون دولار خلال عام 2020 وفقا لإمكانية فقدان نحو 4.5 مليون أو 25 مليون فرصة عمل على مستوى العالم .
في ظل توقع استمرار تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي والدعوة إلى البقاء في المنازل وتنظيم وتقنين الحركة وصولاً إلى حظر التجول ليلاً، سيصبح " العمل عن بُعد " الخيار الوحيد والنظام المتبع في العديد من الدول، وهو ما يحتم على الشركات والمؤسسات وضع خطط عملية ورسم سيناريوهات جديدة من واقع المرحلة تركز على استمرارية أعمالها وبقائها، والحفاظ على صحة وسلامة موظفيها، من خلال اعتماد أساليب مرنة للعمل عن بعد، وإسناد مهمات متنوعة لموظفيها حسب الحاجة لإبقاء عجلة الأعمال ناشطة.
ولاشك أن فكرة أداء العمل من المنزل لها شقان أساسيان أولهما شق اقتصادي وهو ما فكرت به ونفذه العديد من دول العالم ، خاصة أمريكا وبريطانيا منذ مطلع التسعينيات في القرن الماضي ، لأن عدم الخروج من المنزل لنصف أو ربع العاملين من شأنه أن يوفر من مصاريف الانتقال على الموظف وعلى الدولة ، وكذلك توفير الوقت والتخلص من الزحام المروري .
أما الشق الثاني هو كيف يمكن أن نوظف تكنولوجيا المعلومات المتوافرة لدينا الآن لخدمة هذا الغرض فإذا كان الموظف لديه اللاب توب مع توافر خدمات الإنترنت فائق السرعة ،هناك سعة كبيرة في نقل البيانات ـ فان هناك شركات فى مصر تطبق حاليا أسلوب " العمل من المنزل" في بعض الأحيان ، إذا كان الموظف لدى يمكن أن يكون في المنزل لسبب أو لآخر وأنا أرى نتيجة أعماله وأنا في المكتب من خلال تطبيقات الإنترنت ليس هناك ما يمنع مادامت ليس هناك ضرورة تحتم وجوده .
وكذلك من يريد عمل أعمال تجارية معينة مادام ليس هناك ضرورة لمقابلة مع عميل بصورة مباشرة يمكن لأي موظف في أي شركة أو هيئة استخدام تلك التكنولوجيا لتسهيل الحياة والعمل في آن واحد .
وبالطيع يمكن أن تشكل الظروف الراهنة فرصة حقيقية تتيح لنا أن نبدأ بتجربة مفهوم " العمل من المنزل " في مصر والعمل على نشره وتعميمه لمتابعة الأثر الناتج والعائد من العمل من المنزل لربع عدد موظفي الدولة والشركات وما سيتيحه ذلك من انفراج مروري وجودة في العمل ، ولابد ان نعلم أن ذلك قادم لا محالة وعلينا إعداد وتسليح أنفسنا بأدوات التكنولوجيا التي أصبحت لغة العصر .
وفي الحقيقة هناك بالفعل أكثر من تطبيق ليتناسب مع مفهوم " العمل من المنزل " وهناك أكثر من طريقة أولها أن تكون كل التطبيقات على الويب أو على شبكة الإنترنت بحيث يمكن بذلك الدخول إلى البريد الإلكتروني مثلا من أي مكان فقد يكون الموظف في المنزل أو ربما يكون في إجازة ومن خلال الـPC الخاص به في البيت او اللاب توب يمكنه العمل من أي مكان والدخول مع اتخاذ الإجراءات التي تكلف لها اتصال أمن مع الشبكة الإلكترونية لجهة العمل التابع لها .
في اعتقادي أن فكرة العمل من المنزل ممتازة وأكثر ما تتناسب والسوق المصرية من حيث انها تقلل من الكثافة المرورية اليومية وتساعد على حل مشاكل البطالة للعديد من الشباب الذي يمكن أن يعمل من المنزل بجهاز كمبيوتر وخط تليفون ليتصل بالإنترنت ،إضافة الى أن توظيف التكنولوجيا واستخدامها من المنزل يجعلنا نستفيد من طاقة إنتاجية لم تكن مستغلة وهي المرأة سواء ربة بيت أو في إجازة لرعاية الأطفال ، فإذا نجحنا في ذلك يمكننا أن نغزوا الأسواق العالمية في العديد من المجالات .
وفي تصوري أنه رغم تطبيق نحو 16 % مؤسسات الأعمال على مستوى العالم بمفهوم " العمل من المنزل " في العديد من المحالات " التكنولوجيا ،الاتصالات، الصحية والطبية ، التسويق الإلكتروني ، السويشال ميديا ، التجارة الإلكترونية والأعمال اليدوية " إلا أنه على المستوى المحلي فإن " العمل من المنزل" ما زال يواجه الكثير من التحديات ، رغم نجاح البعض فى تقديم خدماتهم عبر المنصات الإلكترونية العمل الحر " Freelancer" ، ولابد هنا من التأكيد على ضرورة الاهتمام بالناحية التعليمية والتثقيفية لشبابنا خاصة طلاب الجامعات ، بكل تخصصاتهم النظرية والعملية ، وتوعيتهم بكيفية الاستفادة من هذا النموذج الجديد للعمل وضرورة امتلاكها الأدوات والمهارات اللازمة للدخول إلى عالم العمل الحر .
نؤكد أن مفهوم"العمل من المنزل" بصورته الحالية فإن تزايد قاعدة مستخدمي شبكة الإنترنت ،البرود باند والمحمولة ، وكذلك انتشار الهواتف الذكية والأجهزة الإلكترونية المحمولة ستسهم في انتشار هذه الفكرة علي مستوي العالم وجعلت سوق العمل لا يقتصر على الأسواق المحلية أو الإقليمية بل العالم كله أصبح سوقا للعمل أمام الآلاف والملايين ممن يبحثون عن فرصة عمل.
في النهاية أود الإشارة في تجربة شخصية لي في تطبيق مفهوم " العمل عن بعد " حيث تم اتخاذ قرار منذ أكثر من 10 سنوات فى مجلس ادارة جريدة " عالم رقمي " على تطبيق مفهوم العمل عن بعد على كل العاملين في الجريدة واعتمادنا على قياس حجم الإنجاز والإنتاجية والإبداع وليس مجرد التواجد في مقر العمل ، حتى أن بعض الموظفين لم ألتق بهم مباشرة مطلقا منذ أكثر من 6 سنوات ، وهو ما أعتقد أنه انعكس إيجابيا على الجريدة وجميع العاملين بها واستمرار العمل بطريقة أسرع وأسهل وأكثر ذكاء .