بقلم : د . ياسر بهاء
بعد أن تحدثنا في المقالات الثلاث السابقة عن الخوف واستراتيجيات التعامل معه وأهمية العزيمة في حالة وجود الرغبة الحقيقة لحصد الإنجازات وتحقيق الانتصارات الحياتية المتنوعة، فقد حان الحديث عن الصفة الأهم في التعامل مع الخوف وهي "الشجاعة" فالصديقة الصدوقة للعزيمة هي الشجاعة، فالأشخاص الشجعان لديهم القدرة على مواجهة مخاوفهم، ولديهم الاستعداد لمواجهتها بكل ما لديهم من قوة. أنت على الأرجح تعلم بعض الأشخاص الشجعان في حياتك الشخصية، قد يكون قريبا، صديقا، زميلا، أو غيرهم.
الأشخاص الشجعان يظهرون كما لو أنهم لا يهابون شيئا. فعندما تصدمهم الشدائد يدفعونها بقوة كما لو كانت لا شيء. فهم لا ينسحبون من أي معركة ويبدون دائماً هادئون ورائعون.. ولكن علينا أن نعلم أن الوصول لهذه المرحلة لم يحدث في ليلة وضحاها ولم تصل لهذا المستوى من الإتقان وأيضاً الاستمتاع بسهولة ولكن يكفي أن يكون الهدف من إتقان هذه الصفة هو الحصول على الكثير في الحياة مما كان خارج تصوراتك فيما سبق.
حتى لو لم تكن تعلم بصورة شخصية أي شخص شجاع، لابد أن لديك مثلا أعلى حتى ولو لم تكن تعرفه شخصياً. كنجوم الرياضة، أو الموسيقيين، أو السياسيين، والذين قاموا بإحداث تغيير في العالم سواء كانوا على قيد الحياة أم لا. فتلك الشخصيات أصبحت أساطير بفضل شجاعتهم. فنحن نُجِلَّهُم لأنهم لطالما قاتلوا من أجل ما أرادوه، ومن أجل ما يؤمنون به حتى لو غلب على ظنهم أنهم سيخسرون.
تأمل الثلاثمائة اسبرطي الذين حاربوا جيشا من عشرة آلاف جندي. كان بوسعهم الاستسلام. إذ كان بإمكانهم إلقاء أسلحتهم وقبول المصير الذي ينتظرهم أياً كان. أعلم يقيناً أن أغلب الناس كانوا سيفعلون هذا.
فعندما يكون هناك جيش من المقاتلين يحدقون بك، فالغريزة الطبيعية إما أن تستسلم وإما أن تهرب. ولكنهم لم يفعلوا هذا ولا ذاك. لهذا تم تخليد ذكراهم في التاريخ، لأنهم قاموا بكل شجاعة بقتال هذا الحشد من الرجال، رغم معرفتهم أن جميع الاحتمالات ضدهم.
كيف يمكن لهؤلاء الرجال أن يقفوا هناك ويواجهوا هذه الاحتمالات؟
عندما تفكر في الإسبرطيين أو في أي شخص شجاع أخر فأنت على الأرجح تعتقد أن هؤلاء الأشخاص لا يخافون ـ صحيح؟
خطأ، فالحقيقة هي أن العديد من أكثر البشر شجاعة في العالم يخافون أيضاً. بل قد يرتعبون.
كيف لا يمكنك ألا تخاف؟ تخيل أنك لو كنت مكان أحد هؤلاء الإسبرطيين.. تخيل أنك تواجه عشرة آلاف رجل. تلتفت حولك لتجد بضع مئات من زملائك الجنود أصدقائك، وأنت تعلم جيداً أن أغلبكم إن لم يكن جميعكم ستلقون حتفكم. أياً كان من أنت، أنا متأكد من أنك ستكون خائفاً.
لا بأس من أن تكون خائفاً فالفرق بين الشجاع وغير الشجاع هو أن الشجاع سيقاتل رغم مخاوفه، فالشجاعة ليست ألا تخاف.
الشجاعة هي إنك رغم كونك خائفاً إلا إنك تمضي قدماً مهما كانت مخاوفك.
بعض من أكثر الناس شجاعة من الأشخاص الذين قرأت عنهم أو أعرفهم قد مرت عليهم مواقف كانوا فيها مرتعبين. كانوا على علم بأنهم يخاطرون بأمنهم المالي ومستقبلهم ومصدر رزقهم وسمعتهم وكل شيء لديهم فقط ليحققوا أحلامهم. وهل تعلم ماذا حدث؟ قاموا بالمخاطرة على أية حال.
بل إن بعضهم أخفق، في الحقيقة معظمهم أخفق. أنا أخفقت من قبل أيضاً عدة مرات. لم أنتصر في كل المعارك التي خضتها. ومع هذا ما زلت أقاتل وسأظل أقاتل حتى آخر يوم في حياتي. وأنت كذلك من الآن عليك أن تقاتل فيما تبقى من حياتك لتحصل على الأفضل.. وتكن من الأفضل.
وبالرغم من إنني ما زلت خائفاً من الإخفاق. فإن الفارق هو إنني لا أسمح لهذا الخوف أن يمنعني مما أريد في معظم الأوقات. بدلًا من ذلك، فأنا أنظر لمخاوفي وأعلم أنني أقوى منها. أعلم أنه بإمكاني هزيمتهم.
لا تقلق من أن تكون خائفاً. بل عليك أن تخاف من أن تستسلم. أو تخاف من ألا تبذل قصارى جهدك فهذا هو الفشل الوحيد الحقيقي، وهو أن تصيبك حالة من اليأس وتتوقف عن المحاولة فهذا هو الفشل بعينه.
تحلى بالشجاعة، انظر إلى مخاوفك، لا بأس إن شعرت بالخوف كما ذكرت، المهم أن تواجه تلك المخاوف مهما كان الأمر. فأياً ما كان الأمر ستخرج من التجربة أكثر قوة وأكثر ذكاءً عما كنت عليه قبل التجربة. وستكون قد تعلمت درساً قيماً، وستكون قد بذلت قصارى جهدك،. وسيكون بإمكانك أن ترفع رأسك عالياً بكل فخر لأنك تعلم أن الخوف لم يمنعك من العمل لتحقيق أهدافك.
عندما تكون لديك شجاعة وعزيمة قوية فلا شيء في العالم يمكنه إيقافك.
والسؤال الآن "هل يمكن أن يكون للخوف دور في تطويرك الذاتي؟" هذا ما سوف نتناوله في المقال القادم بعنون "لا تخف أن تخاف".
