لقد ساهمت التكنولوجيا في بناء مميزات الحروب اللا متماثلة من التمرد والإرهاب إلى الاختراق، لذلك فإن فهم وإتقان كيفية التعامل وبسرعة مع ما تقدمه التكنولوجيا المتقدمة للمساهمة في التفوق في الحروب اللا متماثلة (الحروب الحديثة)، أصبح أمرا حتميا، حتى نستعد لهذا النوع بامتلاك أدوات الدفاع والردع، فساحات المعارك في المستقبل سوف تتغير كثيرا علي ما هي علية الآن خاصة عند تطبيق الذكاء الاصطناعي على أسلحة الحرب.
فقد ذكر في مقال نشر في الجارديان في أبريل من العام الماضي، أن استخدام الروبوتات سيكون واسع الانتشار في الحروب في غضون السنوات القليلة القادمة، وأكد المقال على أنه تم نشر ما لا يقل عن 381 من أنظمة الروبوتات والأجهزة العسكرية المستقلة جزئيا أو قيد التطوير في 12 دولة بما في ذلك الصين وفرنسا وإسرائيل والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
وأيضا جاء في تقرير صادر في نوفمبر ٢٠١٧ عن معهد ستوكهولم لبحوث السلام الدولية، أن سباق إنتاج الأسلحة الذكية أضحى مركز اهتمام رئيسيا لجميع شركات إنتاج الأسلحة. ولعل هذا هو السبب وراء زيادة ميزانية وكالة مشاريع البحوث المتقدمة الأمريكية (داربا) المعنية بتطوير أجيال جديدة من الأسلحة والتي قفزت ميزانيتها بمقدار٢٧٪ في عام ٢٠١٨.
ونتيجة لذلك ستكون هناك مجموعة من التقنيات التي يجب أن تحاول الدولة امتلاكها حتي تتمكن من مواجهة هذا النوع من الحروب، حيث إن الحروب اللا متماثلة كما عرفتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية هي "استخدام الاستراتيجيات والتكتيكات والتكنولوجيات المبتكرة من قبل خصم - دولة أو جهات فاعلة من غير الدول- بهدف تجنب نقاط القوة واستغلال نقاط الضعف المحتملة في الدولة المستهدفة" .
ومن أمثلة تلك التكنولوجيات: تكنولوجيا إنترنت أشياء المعركة، صحيح أن مفهوم إنترنت الأشياء أضحي دارجا في عالم التطبيقات الحياتية للتكنولوجيا المتكاملة، ولكن الجديد الآن هو أنه أدخل في أدوات الحروب اللا متماثلة. وتكنولوجيا الروبوتات المقاتلة، حيث يرى الكثير من المختصين أن الثورة الثالثة في أسلحة الحرب بعد البارود والقنابل النووية هي الروبوتات المقاتلة (بكل أشكالها الزاحفة والسابحة والطائرة) .
والدليل علي ذلك إحياء بعض التطورات الأخيرة في الأسلحة شبه الأوتوماتيكية (مثل الطائرات بدون طيار من طراز MQ-9)، وتكنولوجيا أسراب الطائرات بدون طيار، حيث بدأت وزارة الدفاع الأمريكية عام 2017 بعرض لمناورة عسكرية لسرب 103 طائرات بدون طيار مكروئية (أسلحة طائرة متناهية الصغر بدون طيار) في كاليفورنيا، حيث تتعاون فيما بينها في صنع القرار والتكيف في تشكيل الطيران والتعديل الذاتي لتموضعها.
ويقول خبير شركة جلوبال داتا: "إن أنواع الدفاعات المضادة للصواريخ والقذائف الموجودة حاليا ليست مصممة لتتبع أشياء بهذا الحجم وبهذه الكثرة". هذا إلى جانب تطوير القوارب ذاتية القيادة في البحر، فالآن تقوم وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية الأمريكية المتقدمة (داربا) بتجريب سفينة غير مأهولة تتعقب الغواصات وتسمى " مقاتلة البحر" والتي يمكنها السفر آلاف الأميال دون أي شخص على متنها.
وأيضا تكنولوجيا الواقع المعزز (Augmented Reality) فمن الشائع الآن استخدام تطبيقات الاستحواذ على ساحة المعركة، حيث إن الواقع المعزز والواقع الافتراضي هما مجالان آخران للتكنولوجيا الاستهلاكية تسخرهما القوات المسلحة، ومنذ فترة طويلة تم نشر سماعات الرأس AR في خوذات مقاتلات F16. و هناك تكنولوجيا الأسلحة المجتمعية Social Weapons وهي كل التكنولوجيا التي يمكن أن تؤدي إلي التشويش اللاسلكي وقرصنة الكمبيوتر وتعطيل الإرسال واختطاف الطائرات بدون طيار وحتى تحويل الأسلحة ضد مشغليها.
مثال ذلك: البرمجيات الخبيثة، مثل الفدية الخبيثة "رانسوموير" الذي أصاب المؤسسات والأجهزة الحكومية والخاصة في كثير من دول العالم (حوالي 100 دولة) في عام 2017، حيث استهدف القراصنة غلق الأنظمة التكنولوجية في الحكومات والمؤسسات المختلفة بحيث لن يتمكن أصحابها من فتحها واستخدامها إلا بعد دفع مبلغ من المال.
مثل هذه التهديدات تكون سببا للتأثير سلبا وبقوة علي الاقتصاد وتسبب الفوضى وتصيب الدولة بالشلل وإذا استمر ممكن أن تسقط الدول. ومن الأسلحة المجتمعية أيضا وسائل الإعلام الاجتماعي التي استخدمت في تعبئة الاحتجاجات الشعبية، وكذلك استُخدمت أيضاً كسلاح من أشكال الارتباك للدول، كما حدث في الثورات التي حدثت في المنطقة في عام 2011. وأيضا كما فعلت القوات الروسية التي تقاتل في أوكرانيا والتي قيل أنها استخدمت تويتر وفيس بوك لنشر معلومات كاذبة حول الأحداث على الأرض، وكما اتهمت روسيا باستخدام البرمجيات الخبيثة لاختراق تطبيق الأندر ويد الذي تستخدمه القوات الأوكرانية لتحسين دقة مدفعيتها من أجل تحديد الموقع الجغرافي للوحدات.
وتكنولوجيا العمليات النفسية والتحكم الآلي للأجهزة المتصلة بالنت، مثل عملية "botnet" والتي هي عبارة عن عدد من الأجهزة المتصلة بالإنترنت، كل منها يشغّل واحدًا أو أكثر من برامج الروبوت، لنشر الأخبار المزورة للتأثير على الرأي العام في المجتمع المستهدف خاصة علي منصات وسائل الإتصال الاجتماعي، وذلك عن طريق تنفيذ هجوم رفض الخدمة الموزع (هجوم DDoS) ، وسرقة البيانات، وإرسال رسائل غير مرغوب فيها، ويسمح للمهاجم بالوصول إلى الجهاز المستهدف و التحكم به وحتي استخدامه كآلة تسجيل.
وقد اشتهرت "البوت نت" الروسية في العالم السيبراني والتي تسمى ب "مزعة رأي عام" ، حيث يحاولون الترويج للرأي العام بطريقة تكون مفيدة لبلادهم.
لكن هذا الفعل ليس مقصورا على روسيا فلدى كل من أمريكا وإسرائيل والصين وبريطانيا (وهذا ليس على سبيل الحصر) أيضا أنظمتهم التي تقوم بنفس الوظيفة مع اختلاف الأسماء. ولعل أضخم ما نشر عن التحكم الآلي للأجهزة المتصلة علي النت جاء في تقارير بثتها وسائل الإعلام البريطانية والأمريكية عن فضيحة شركة "كامبردج أناليتيكا" البريطانية. وفي ورقة علمية صدرت عن اجتماع لـ ٣٠ شخصية علمية مختصة في هذا المجال تم استعراض ما توصلت له المختبرات من تطبيقات حيوية للذكاء الصناعي والتحكم الآلي حتى حذر الكثير منهم إلى ما انجرفت له المختبرات الدولية ومنها وحدة "داربا" التابعة للجيش الأمريكي من محاولات لزرع شرائح تحكم في دماغ الإنسان نفسه، جاء ذلك في مجلة "نيتشر" التي لها مكانة علمية وعالمية وموثوقية عالية في عددها رقم ٧٦٧٩ الصادر يوم ٨ نوفمبر ٢٠١٧!!!