أخر الأخبار

جفافُ الأسئلةِ ومجاعةُ الفرصِ للمبتدئين Stack Overflow ؟

  •  

    بقلم دكتور : هبه صالح

    رئيس معهد تكنولوجيا المعلومات  " iTi  " 

    لم يكن انهيار عدد الأسئلة على موقعStack Overflow  مجرّد نقصٍ في الفضول التقني. حيث تراجعت المشاركات الجديدة  من مبرمجى العالم على الموقع بنسبة تفوق 70% في غضون أسابيع من إطلاق ChatGPT، توقف المبرمجون عن طرح الأسئلة على بعضهم، لأنهم وجدوا من يجيب أسرع الآلة أصبحت الزميل والمعلّم في آنٍ واحد.

    فهاجرت المعرفة.
    غادرت المنتديات المفتوحة التي كانت ساحات للتعلم الجماعي، لتسكن محادثات مغلقة مع نموذجٍ لغوى لا يشارك أحدًا بما دار بينه وبين مستخدمه. ومع هذه الهجرة، يتبدل كل يوم وجه المجتمع المهنى ويُعاد تشكيله...

    إنتاجية تتسارع، ومساحات تتقلص، وفرص تظهر، وحكام جدد.

    الأداء يرتفع بمعدلات مذهلة — تقارير تُنجز في دقائق، وأكواد تُكتب في ثوانٍ، وأفكار تُصاغ بلغة أنيقة.
    ما كان يحتاج إلى فريق أصبح يُنجز بخبرة فرد وخوارزمية، وما كان يتطلّب شهورا من الاعداد صار يُختصر في سطر من التعليمات وفى أقل من دقائق.

    ومع ارتفاع معدلات الإنتاج، تتقلص مساحات فرص المبرمجين الجدد، ويتكدس الداخلون الجدد عند قاعدة السلسلة الإنتاجية، ويُعاد تشكيل سلم الدخول إلى المهنة من جديد.

    حيث تولد طبقة جديدة من الفرص بهدوءأدوار ناشئة مثل مصموا ومشغلوا الوكلاء الذكية، مقيموا المخرجات، مهندسوا السياق، ومصمموا ومدربوا النماذج الذكية ومراقبوها ومؤمنوها
    بوابات جديدة لجيلٍ قادم، أكثر صعوبة... ولكنها ممكنة. ليست كغيرها من المهارات النقلية أو النسخية، بل مهارات تفكير نقدي وتوجيه وابتكار. المطلوب اليوم ليس من ينفذ الأوامر، بل من يصيغها بوعى وإبداع وبحكمة.

    السلطة أيضا تغير مكانها. ويتم الآن نقل مراكز القوة. ففي المؤسسات لم يعد السؤال: “كم موظفا لديك؟ بل: “ما نموذج عملك؟ ما بياناتك؟ ومن يستطيع تشغيلها؟ طبقة جديدة من المشغلين والوكلاء الأذكياء تظهر — وبعض من البشر يقودون الخوارزميات، ويراقبونها حتى حين. أما في المشهد العالمي، فسطوة المعرفة صارت تُدار من أعلى. شركات قليلة تمتلك الخريطة الذهنية للعالم، تُحدّد ما نراه وكيف نُفسر وما يصل إلينا من معرفة. الاحتكار لم يعد في السلعة، بل في الخوارزمية التي تختار لك أي سلعة تراها أولًا.
    ولم يعد في المعلومة، بل في النموذج الذي يقرر ما يُقال وما يُحجب. وفي هذا العالم، لا يحتاج المحتكر إلى أن يقمعك؛ يكفي أن يُعيد ترتيب أولوياتك دون أن تشعر، أن يجعل السؤال الأقل أهمية يبدو أكثر إلحاحًا، ويقدّم لك الإجابة التي يراها "أنسب" لا "أصدق".

    ومع كل هذا التحوّل، يبقى الباب مفتوحًا لمن يعرف من أين يدخل.

    فالدول النامية ليست مضطرة لمطاردة الكبار في سباق السرعة أو بناء النماذج الضخمة، بل يمكنها أن تبني ميزتها بتغيير زاوية البحث، حيث تكمن مزايها التنافسية... البيانات كنز يجب تسييله. اللغة والقوة الفنية الناعمة، اللغة والقوة الدينية الجامعة، التوظيف المحلى لهذا المربك الأكبر لخدمة السياحة والزراعة والمياه...تكريس الجهود للشركات الناشئة فرصة جديدة ننعم بها اذا ما تم رعايتها... التكنولوجيا والأمن الداخلى ليس فقط لضبط ميزان الشارع الملقى تحت وطأة المشهد الاقتصادى، بل لأنها عامل مشترك لبناء قدرة أمنية خارجية في وجه بلطجة متجبرة .. ولنا في معمل غزة المفتوح لتجريب تطبيقات الذكاء الاصطناعى مثال محلول من تطبيقات عرفنا عن بعضها زى "البشارة" و "وين بابا" و"لافاندر" و "سماش" و"الذئب الأزرق" وغيرها مما لم يعلن عنه بعد... ولا عزاء لمعايير التطبيقات المسئولة ومعدلات الدقة والأمان ومخاطر الانحياز... المعمل مفتوح بلا حساب!!! ألا يحفزنا ذلك للاستعداد؟
    المعرفة تهاجر… لكنها لم تغادرنا بعد. يمكننا أن نعيد توطينها، إذا امتلكنا الوعي، وركزنا على الأسئلة الصحيحة الواجبة. لأن المستقبل لن يذهب إلى الأسرع، بل إلى الأكثر وعيًا
    .

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن