كتب : نيللي علي - محمد شوقي
يقف الباحثون أمام ملايين الاحتمالات عند البحث في القوائم النظرية للمواد الجديدة المحتملة لتطبيقات معينة؛ مثل البطاريات أو أجهزة الطاقة الأخرى، فضلًا عن صعوبة المعايير المتعددة الواجب تحقيقها وتحسينها في وقت واحد. ووجد باحثون من معهد ماساتشوستس للتقنية، حديثًا، طريقة لتبسيط عملية الاكتشاف وخفض الاحتمالات بشكل كبير، باستخدام التعلم العميق للآلات.
واختبر الباحثون التقنية الجديدة ووجدوا أنها نجحت في تحديد أفضل ثماني مواد تلائم صناعة نظام لتخزين الطاقة يسمى بطارية التدفق بعد أن قدموا إليها نحو 3 ملايين مادة. واستغرقت هذه العملية خمسة أسابيع، مما يجعلها أفضل كثيرًا من الوسائل التحليلية التقليدية التي تحتاج 50 عامًا لإنجاز المهمة ذاتها. ونُشِرت النتائج في مجلة إيه سي إس سينترال ساينس الأمريكية، في ورقة بحثية، أعدتها هيذر كوليك، أستاذة الهندسة الكيميائية في معهد ماساتشوستس للتقنية وفريقها البحثي.
ودرس الفريق مجموعة مواد تُدعى المعقدات المعدنية الانتقالية، توجد في عدد كبير من أشكال مختلفة؛ وقالت كوليك إن «هذه المواد رائعة ووظيفية ولا تشبه الأطوار المادية الأخرى. الأسلوب الوحيد لفهم سبب عمل تلك المواد بهذه الطريقة هي دراستها باستخدام ميكانيكا الكم».
ويتطلب التنبؤ بخصائص أي مادة من ملايين المواد هذه إما تحليلًا طيفيًا يستغرق وقتًا طويلاً ويستهلك موارد كثيرة وأعمال مخبرية أخرى، أو نمذجة حاسوبية معقدة جدًا قائمة على الفيزياء وتستغرق وقتا طويلًا لكل مادة مرشحة أو لكل مجموعة مواد، وتحتاج كل دراسة منها إلى ساعات عمل عديدة قد تصل إلى أيام.
وأخذت كوليك وفريقها عددًا صغيرًا من مواد مختلفة محتملة واستخدموها لتعليم شبكة تعلم آلية عصبية متقدمة، العلاقة بين التراكيب الكيميائية للمواد وخصائصها الفيزيائية. وطُبِقَت هذه المعرفة لإنتاج اقتراحات للجيل المقبل من المواد المحتملة لاستخدامها في الجولة التالية من تدريب الشبكة العصبية. وتحسنت الشبكة العصبية بشكل ملحوظ في كل تكرار من خلال أربعة تكرارات متتالية، حتى وصلت إلى نقطة يتضح فيها أن التكرار الإضافي لن يؤدي إلى أي تحسينات أخرى.
وسهل نظام التحسين التكراري عملية الوصول إلى حلول محتملة تحقق المعيارَيْن المتضاربَيْن المطلوبَيْن في هذه المواد إلى حد كبير، ويُعرف هذا النوع من عمليات البحث عن أفضل الحلول في الحالات التي يؤدي فيها تحسين عامل إلى تراجع الآخر، باسم جبهة باريتو، ويمثل على شكل رسم بياني للنقاط، إذ إن أي تحسين إضافي لعامل واحد سيزيد من سوء العامل الآخر، أي أن الرسم البياني يمثل أفضل نقاط التوافق الممكنة، اعتمادًا على الأهمية النسبية المعينة لكل عامل.
ويتطلب تدريب الشبكات العصبية النموذجية مجموعات بيانات كبيرة جدًا، تتراوح من آلاف إلى ملايين الأمثلة، إلا أن كوليك وفريقها نجحوا في استخدام العملية التكرارية استنادًا إلى نموذج جبهة باريتو، لتبسيط العملية وتقديم نتائج موثوقة باستخدام عينات تُقدر بعدة مئات فقط.
وعند استعراض مواد بطارية التدفق نجد أن الخصائص المطلوبة فيها متعارضة كالعادة، إذ يجب أن تكون للمادة المثلى قابلية عالية للانحلال وكثافة طاقة عالية (القدرة على تخزين الطاقة بالنسبة لوزن معين) إلا أن زيادة الانحلالية تؤدي إلى تخفيض كثافة الطاقة والعكس صحيح.
وتمكنت الشبكة العصبية من التوصل بسرعة إلى ترشيحات واعدة مع تعيين مستويات الثقة لتوقعاتها المختلفة من خلال كل تكرار، مما ساعد على تحسين اختيار العينة في كل خطوة؛ وقالت كوليك «طورنا تقنية تفوق أفضل تقنيات قياس عدم اليقين، لمعرفة متى يمكن أن تخفق هذه النماذج.. ننظر إلى التقنية على أنها إطار قابل للتطبيق على أي تحدٍ لتصميم المواد، إذ تُعالج أهدافًا متعددة في وقت واحد. ويعلم الجميع أن أكبر التحديات في تصميم المواد يتمثل في وجود مواد يؤدي تحسين شيء ما فيها إلى خفض جودة شيء آخر» وفقًا لموقع إم آي تي نيوز الأمريكي.