بقلم : خالد حسن
منذ نحو عقدين من الزمان ونحن نعيش مع مفهوم التحول الرقمى كضرورة لمواكبة التطور التكنولوجى الكبير والتغلل فى حياتنا بل والتاثير على سلوكياتنا سواء على مستوى الفرد او مؤسسات الاعمال ناهيك عن التاثير الكبير على هيكل سوق العمل العالمى بل ومن المتعارف عليه ان مفهوم " التحول الرقمي " سيؤدي لاستحداث الوظائف والنمو الاقتصادي وتطوير الأداء الحكومي والاجتماعى .
ونعلم ان منافع الاستخدام المتزايد للتقنيات والتطبيقات الرقمية ليست اقتصادية فقط، بل تشمل المجالين الاجتماعي والسياسي أيضاً. وتؤدي عملية التحول الرقمي إلى نمو اقتصادي تراكمي، حيث تحقق البلدان الأكثر تقدماً على صعيد الرقمنة نسبة 20 % من المنافع الاقتصادية أكثر من البلدان التي هي في المرحلة الأولية للتحول الرقمي كما ان لمفهوم التحول الرقمي وقع مثبت على الحد من البطالة وتحسين نوعية الحياة ودعم وصول المواطنين إلى الخدمات العامة. كما تسمح الرقمنة للحكومات بالعمل بمقدار أكبر من الشفافية والكفاءة.
ولعلنا نتفق أن للتحول الرقمي وقع اقتصادي مادي يساهم في نمو إجمالي الناتج المحلي للفرد ويدفع عملية استحداث الوظائف ويحفز الابتكار ، اذ وفقا لدراسة أجرتها "بوز أند كومباني " أن ارتفاعاً في الرقمنة بنسبة 10 % يؤدي إلى ارتفاع بنسبة 0.6 % في إجمالي الناتج المحلي للفرد وأن ازدياد الرقمنة يدفع بشكل كبير الرفاه الاجتماعي في بلد متطور معين.
كما تؤثر عملية التحول الرقمي على الحكومة، حيث أن المزيد من الرقمنة يجعل مجتمعاً معيناً أكثر شفافية ويزيد من المشاركة العامة ومن قدرة الحكومة على نشر المعلومات بطريقة يمكن الوصول إليها. وتتيح التكنولوجيا الرقمية للسكان اطلاعاً أكبر على سياسات الحكومة ووظيفتها – وهو اطلاع ربما يؤدي في المقابل إلى مشاركة سياسية أكثر فاعلية وإلى دعم تطوير حقوق الإنسان.
وفي ظل تنامي التركيز على الاستدامة والتحول الرقمي وتجربة العملاء وإدارة المخاطر، تسارعت وتيرة التغيير في ممارسات المشتريات، بما في ذلك سُبُل عمل الشركات وتعاونها وشراكاتها على امتداد أنظمة سلاسل التوريد. وفي ضوء ذلك، تحرص الشركات على اعتماد حلول مخصصة وتقنيات متطورة سعياً لاكتساب ميزة تنافسية وهنا يجب الحديث عن الفرص التى تتيحها عملية التحول الرقمي التى تتبنها مؤسسات الاعمال " لحكومية والخاص " لشركات التكنولوجيا المصرية لتطوير حلول ابتكارية قادرة على الاستجابة للاحتياجات الحالية والمستقبلية لدعم القدرات التنافسية للمؤسسات وضرورة وجود منظومة متكاملة لتعظيم استفادة شركات التكنولوجيا المصرية ، بكافة فئاتها صغيرة ومتوسطة وكبيرة ، من تنفيذ مشروعات التحول الرقمي داخل الدولة المصرية .
ولعله من المهم هنا الاشارة الى ان التغيرات المتلاحقة التى شهدها سوق الاعمال ، فى السنوات الاخيرة ، ومنها زيادة حدة المنافسة وتوسّع الأسواق والتطورات التكنولوجية بالإضافة لتغيّر سلوكيات المستهلكين والتركيز على توفير التكاليف ورفع الكفاء هى متغيرات تدفع الى تسريع عمليات التحول الرقمي للمؤسسات كأحد اهم متطلبات الاستمرار والاحتفاظ بعملائها والنمو وزيادة القدرة التنافسية .
ووفقاً لما ذكره يوش مالفيا مدير العمليات العالمية الاداري في شركة موجليكس ، المتخصصة فى تطوير عمليات المشتريات الإلكترونية والتى تحولت من شركة هندية ناشئه صغيرة الى شركة عالمية لديها 1000 موظف حلول العالم وبقيمة تتجاوز 2.6 مليار دولار ، فأن رقمنة إجراءات المشتريات بكتسب أهميةً كبيرة في الحفاظ على مرونة الشركات وتعزيز تنافسيتها، ومواكبة التغيرات التي تشهدها الأسواق. وعلى هذا الصعيد، تسارعت وتيرة اعتماد الشركات على الحلول المخصصة لتحسين إجراءات المشتريات وتعزيز الكفاءة وخفض التكاليف وتحقيق نتائج أفضل. وعلى سبيل المثال، يمكن للشركات تسخير إمكانات التكنولوجيا المتقدمة كالحلول المدعومة بالذكاء الاصطناعي لمساعدتها في اتخاذ قرارات تعتمد على البيانات واستخلاص أفكار مُعمّقة من بيانات المشتريات، ما يُفضي إلى تعزيز كفاءة التخصيص.
أوضح تتجه العديد من شركات السلع الاستهلاكية متعددة الجنسيات في الوقت الحالي إلى تجسيد فكرة الاستخدام الأمثل للتقنيات المتقدمة لتقييم الموردين المحتملين على أساس التزامهم بالممارسات المستدامة، بينما تستكشف الشركات في الوقت ذاته إمكانات تقنية التعاملات الرقمية “بلوك تشين” لكونها توفر الشفافية وإمكانية التتبع عبر سلسلة التوريد، ما يساعد الشركات أيضاً على تعزيز الثقة والمساءلة.
في ضوء تنامي أهمية الميكنة، تسير الشركات بخطىً متسارعة لإحداث تحول في إجراءات المشتريات من خلال دمج التقنيات المتطوّرة والحلول المخصصة في منظومة عملها، لتسهيل إجراءات المشتريات وأتمتة المهام الروتينية، إضافةً إلى تحسين عمليات تخصيص الموارد لرفع مستويات الكفاءة والمرونة. وتعد تكنولوجيا أتمتة العمليات الآلية (RPA) إحدى التقنيات التي تعتمد عليها الشركات حالياً لتسريع آليات أتمتة إجراءات المشتريات.
كما تساعد الحلول المخصصة لقطاع المشتريات بين الشركات على توسيع نطاق الأعمال، ما يسهم في إحداث تحول نوعي في إجراءات المشتريات أيضاً، فعبر التحول الرقمي وتحديداً استخدام الذكاء الاصطناعي مثلاً يمكن ميكنة إجراءات تحليل عروض الموردين، والمساعدة في اتخاذ قرارات مبنية على البيانات، ما يفضي إلى توفير الوقت وتحسين الكفاءة. كما تساهم التحليلات القائمة على التكنولوجيا في توفير معلومات دقيقة وشاملة حول أنماط الإنفاق واتجاهات السوق، وبالتالي تعزيز كفاءة استراتيجيات المشتريات.
إن الدور الحيوي الذي تؤديه مرونة سلسلة التوريد وإدارة المخاطر في ضمان استمرارية الأعمال يدفع الجهات الفاعلة في الصناعة إلى تطبيق حلول مصممة خصيصاً للتخفيف من مخاطر سلاسل التوريد بناءً على نقاط الضعف وتبعياتها. وتعد التحليلات التنبؤية إحدى أهم التطبيقات على التحول الرقمي فهي من الأدوات المستخدمة في المجال الذي يستخدم خوارزميات تعلم الآلة للتنبؤ بتقلبات الطلب ونقص الإمدادات وتأخير عمليات النقل، فهي تتيح إمكانية اتخاذ تدابير استبقائية لتحديد المخاطر وتعديل الاستراتيجيات وفقاً لذلك وبالتالي تقليل الاضطرابات المحتملة قبل حدوثها.
مؤكدا في ظل التحولات التي يشهدها قطاع المشتريات بين الشركات، يتطلب حفاظ الشركات على تنافسيتها تبني منهجياتٍ أكثر مرونة، تركز على تبني التحول الرقمي واعتماد التكنولوجيا المبتكرة وتوفير الحلول المخصصة، وإدارة المشتريات وسلاسل التوريد بصورةٍ أكثر فعالية. وتسهم هذه المنهجيات في تعزيز النمو المستدام وتسريع وتيرة الأتمتة، فضلاً عن كونها تتيح للشركات آفاق وفرص أوسع ضمن بيئة الأعمال الحالية التي تتسم بالديناميكية.
فى النهاية أود التاكيد أن مؤسسات الاعمال باتت مطالبة حاليا ، فى اكثر من اى وقت مضي، بتوفير منتجات وخدمات قادرة على كسب رضاء عملاءها عبر تبنى مزيد من حلول التحول الرقمي ولكن سيظل التحدى الرئيسى بالنسبة لها هو مدى امتلاكها للكفاءات البشرية اللاومة لقيادة وتنفيذ علمية التحول الرقمي وهو يالتالى يتطلب ضرورة قيام هذه الموارد البشرية لتأهيل نفسها والتدرب على نوعية الوظائف الجديدة التى يتطلبها هذا المفهوم وخاصة مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات حيث ستكون المهارات التكنولوجية هو مكون رئيسى لاى وظيفة مستقبلية وبدون تفهم واستيعاب هذا التغير فى سوق العمل ، المحلى والعالمى ، سيكون من الصعب ان تجد هذه الموارد فرصة عمل لها فى المستقبل.