على غرار أفلام هوليوود حول الفضاء، نجحت وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" في تجارب حماية الأرض من التهديدات الكونية، بعدما نفذت أول عملية من نوعها لتغيير مسار أحد الكويكبات عبر الاصطدام المباشر، لتفتح بذلك فصلاً جديداً في علم الدفاع الكوكبي.
من مركز تحكم في مدينة تورينو الإيطالية، انطلقت إشارة راديوية خافتة نحو مركبة "دارت" (DART) التابعة لناسا، لتبدأ مهمة تاريخية على بعد أكثر من 8 ملايين كيلومتر من الأرض، وهي الاصطدام بالقمر الكويكبي "ديمورفوس" وتغيير مساره.
وقبل لحظات من الاصطدام، أطلقت "دارت" رفيقتها الصغيرة "ليتشيا كيوب"، وهي قمر صناعي مصغر مهمته توثيق الحدث لحظة بلحظة، بحسب ما نقله موقع "Rudebaguette"، واطلعت عليه "العربية Business".
اصطدام غير الأرض.. ونتائج مذهلة
عند لحظة الاصطدام، تحولت الطاقة الحركية إلى انفجار هائل، قذف نحو 16 ألف طن من الصخور والغبار في الفضاء، أي ما يعادل وزن نحو 100 طائرة جامبو ممتلئة. هذا الحطام شكّل ذيلاً فضائياً امتد لأيام، شبيهاً بذيل مذنب، رغم أن الكمية المطرودة لا تمثل سوى أقل من نصف بالمئة من كتلة "ديمورفوس".
لكن التأثير كان عميقاً، فقد تقلص مدار "ديمورفوس" حول كويكب "ديديموس" بمقدار 33 دقيقة، وهو تغيير يمكن رصده من الأرض، ويؤكد فعالية تقنية "الاصطدام الحركي" في تغيير مسارات الأجسام الفضائية.
دقيقة واحدة.. وثلاث ثوان فارقة
القمر الصناعي "ليتشيا كيوب"، الذي كان يسير بسرعة 24 ألف كيلومتر في الساعة، امتلك دقيقة واحدة فقط لتوثيق الحدث. التقط صوراً كل ثلاث ثوانٍ، وأقربها كانت من مسافة 85 كيلومتراً فقط. كاميرته "LUKE" استخدمت أطوالاً موجية متعددة لرصد تفاصيل السحابة الناتجة عن الاصطدام.
الصور كشفت عن توهج ساطع في البداية، ثم تحول إلى وهج خافت مع مرور الوقت، ما يدل على وجود جسيمات أكبر داخل السحابة، بعضها بحجم ميليمتر. الجزء الداخلي من السحابة كان كثيفاً لدرجة أنه تطلب نماذج حاسوبية لتقدير كتلته، وكشفت النتائج أن نحو 45% من الحطام لم يكن مرئياً.
ماذا يخبرنا الحطام عن الكويكب؟
باستخدام نماذج مخبرية وحاسوبية، أعاد العلماء تقدير كمية الحطام من 8 آلاف طن إلى 16 ألف طن، بعد احتساب الجزء غير المرئي. توزيع حجم الجسيمات اتبع نمطاً رياضياً يُعرف بـ"قانون القوة"، حيث كانت الجسيمات الصغيرة أكثر عدداً بكثير من الكبيرة، وهو نمط شائع في الانفجارات عالية الطاقة.
أما "ديمورفوس" نفسه، فقد اتضح أنه ليس صخرة صلبة، بل "كومة أنقاض" ضعيفة التماسك، بقوة أقل من الثلج المضغوط، ما يفسر سهولة تفككه عند الاصطدام. هذا الاكتشاف له أهمية بالغة، إذ أن العديد من الكويكبات القريبة من الأرض قد تكون ذات بنية مشابهة، ما يستدعي تعديل استراتيجيات الدفاع الكوكبي وفقاً لتركيبة كل كويكب.
دفاع الأرض يبدأ من الفضاء
رغم أن معظم الكويكبات لا تشكل خطراً مباشراً، إلا أن احتمالية حدوث دمار إقليمي يجعل من الدفاع الكوكبي أولوية. تجربة "دارت" أثبتت أن مركبة صغيرة يمكنها إحداث تغيير كبير في مسار كويكب، وأن الحطام الناتج يمكن أن يعزز هذا التأثير.
لكن التحدي الأكبر يكمن في تنوع تركيبة الكويكبات. فبينما يتفكك "الرُكام الفضائي" بسهولة، قد تمتص الصخور الصلبة الاصطدام دون تغيير يُذكر. كما قال الباحث تيموثي ستوبس: "كل اصطدام يحمل مفاجآت جديدة"، ما يؤكد أن البحث مستمر، وأن كل تجربة تقربنا خطوة نحو حماية الأرض من تهديدات الفضاء.