بقلم : اسلام محفوظ
قبل ثورة يناير وبعد تخرجي بعدة سنوات حاولت الحصول على وظيفة في إحدى الشركات العامة التي قدمت أوراقي للعمل بها ولأن كل شيئاً في هذه الفترة كان يسير بالواسطة والمحسوبية فقد ذهبت إلى أحد أعضاء مجلس الشعب عن دائرتي طالباً مساعدته في الحصول على هذه الوظيفة وقد أحسن السيد النائب استقبالي ووعدني بأنه سوف يبذل كل جهده من أجل تعييني في هذه الوظيفه لأنها من حقي نظراً لظروفى وتفوقي وانطباق كل الشروط علىّ وأنه سوف يحصل على موافقة السيد الوزير المختص على طلب تعييني بل وحدد موعداً لمقابلة السيد الوزير وأن أكون معه وأنه سوف يكون في انتظاري في الوزارة في الموعد المحدد ،وبالفعل في اليوم المحدد ذهبت إلي ديوان عام الوزارة وأنا أظن أن السيد النائب سيكون بانتظارى هناك ودخلت الوزارة وسجلت اسمي بالاستقبال وأن سبب قدومي هو مقابلة السيد الوزير مع السيد النائب عن دائرتي للتعيين في إحدى الشركات التابعة للوزارة ففوجئت بعدم وجود النائب وطلبوا منى الانتظار في إحدى القاعات لحين وصول السيد النائب ودخلت فوجدت يجلس بهذه القاعة عدد كبير من الشخصيات كلهم في انتظار مقابلة الوزير كان بعضهم أعضاء مجلس شعب والبعض الآخر كتاب وإعلاميين ورجال أعمال وموظفين كبار بالدولة كلهم في انتظار الوزير للحصول على توقيعه على طلبات مختلفة وعلى الرغم من عدم حضور السيد النائب وكذلك عدم حضور الوزير إلى الوزارة في هذا اليوم ، الا ان هذا الموقف كان من المواقف التى اثرت فى حياتي كثيراً حتى الان واستطعت من خلاله فهم وادراك الكثير من الامور على حقيقتها ومن هذه الأمور :
أولا: هذا الموقف جعلني أعرف حقيقة أعضاء مجلس الشعب أو كما يسمون النواب وأدركت أن أغلبهم انما يسعى من وراء عضويته في مجلس الشعب إلى تحقيق مكاسب ومصالح شخصية لهم ولذويهم وحاشيتهم وكل همهم من دخولهم المجلس هو استعادة الأموال التي أنفقوها في حملتهم الإنتخابية من خلال إنشاء مشاريع إستثمارية جديدة أو تنمية مشاريعهم القائمة أو الحصول على عقارات وأراضي من الدولة بأسعار زهيدة أو الحصول على وظائف ومناصب لهم ولذويهم وحاشيتهم وغيرها من المصالح الخاصة ، أما خدمة المواطن فهو آخر ما يفكرون فيه ولا يتواجدون في دوائرهم إلا أيام الانتخابات لخداع الناس وإقناعهم بأنهم كانوا سبب في تعيين بعض الأفراد في الوظائف العامة أو أنهم هم السبب في تنفيذ مشروع خدمي قامت به الدولة ناسبين هذا المشروع إلى أنفسهم مستغلين جهل بعض الناس وسذاجة وطيبة البعض الآخر، وعزوف البعض الثالث عن المشاركة فى العملية الإنتخابية من الأساس.
الأمر الثاني: الذي استفدته من هذا الموقف أننى وأثناء جلوسي في فترة الانتظار أكثر من ثلاث ساعات مع هذا العدد الكبير من الشخصيات ومن خلال الحوار الذى دار بينهم تعلمت وتعرفت على الكثير من الأمور التي تحدث في البلد في ذلك الوقت وفهمت طبيعة وحقيقة هذه الأمور حيث تناول الحضور في حديثهم الكثير من القضايا السياسيه والاقتصاديه والاجتماعيه، ففهمت على أي أساس يتم اختيار بعض الشخصيات لتولي بعض المناصب العليا في الدولة وأن هذه الشخصيات أحيانا يتم صناعتها لتتولى بعض المناصب العليا في الدولة رغم مؤهلاتهم العلمية المتواضعة وخبراتهم البسيطه في مجال تخصصهم ، وكيف يتولون مناصبهم متجاوزين الكثير من أقرانهم الذين يفوقونهم في المؤهلات العلمية والخبرة في التخصص ، وان هذه الصناعه لهذه الشخصيات تكون بغرض أن يبدو أمر توليهم لمناصبهم بعد ذلك أمرا طبيعيا قانونيا و لا تشوبه شائبه.
الأمر الثالث: الذى تعلمته من خلال هذه الجلسة أيضا أن التعليم أحد مجالات الاستثمار الهامة والمربحة جداً بشكل يفوق الكثير من التوقعات ، فقد كنت أظن أن التعليم خدمه تقدمها الدولة بدون مقابل كأحد مهامها الأساسية مثل الأمن والدفاع وغيرها إلا أنني فوجئت بأحد الأشخاص يتكلم عن التعليم وقال هذه العبارة نصاً (التعليم في مصر بيكسب اكتر من المخدرات) وبدأ يدلل على صحة عبارته ذاكراً المدرسين وكيف أن بعضهم يحصلوا على مئات الآلاف من الجنيهات سنوياً من الدروس الخصوصية ،وأن بعض المدرسين أنت في حاجة إلى حجز مكان لولدك عنده قبل بداية العام الدراسي بشهور وأحياناً تحتاج لواسطة حتى يقبل ولدك في احدى المجموعات نظرا لاكتمال العدد .
ثم انتقل الحديث الى مراكز الدروس الخصوصية وأن هذه المراكز والتي تعمل بترخيص من وزارة التربية والتعليم تحقق الملايين من الجنيهات سنويا ،ناهيك عن المدارس الخاصة وكيف اصبحت مجالاً خصباً للإستثمار والربح لكل من يمتلك المال، وأن الكثير من أصحاب هذه المدارس يعملون في مجالات بعيدة كل البعد عن التعليم ولكن دخلوا هذا المجال لأرباحه المرتفعة وسرعة استرداد رأس المال في فترة زمنية قصيرة قد لا تزيد عن سنتين.
ثم تطرق الحديث الى الجامعات والمعاهد العليا الخاصة والتي كانت في بدايتها في ذلك الوقت والتي كان الغرض من تأسيسها تحقيق العديد من الأهداف النبيلة مثل تخفيف العبء عن الجامعات الحكومية وإتاحة الفرص لبعض الطلاب الذين فاتتهم بعض الكليات على درجات بسيطة فكان بعضهم يضطر إلى الذهاب للخارج لدراسة التخصص الذي يريده والذي لم يستطع الالتحاق به في مصر بسبب المجموع ، وبالتالي فوجود الجامعات الخاصة في مصر كان سيوفر على البلاد الكثير من العملات الصعبة بالإضافة لحماية أبنائنا من الوقوع في براثن بعض الأفكار الهدامة . هذه كانت بعض المبادئ النبيلة التي سعت الدولة لتحقيقها من وراء إنشاء هذه الجامعات إلا أن الواقع كان مغايرا لهذا إلى حداً كبير ، فالجامعات الخاصة لم يكن يستطيع التقدم لانشائها حسب الشروط إلا رجال الأعمال الذين وجدوا فيها فرصة إستثمارية هائلة، وذكر المتحدث أن أحد رجال الاعمال تقدم لإنشاء جامعة خاصة وبعد الموافقة استطاع بضمان الأرض الحصول على قرض من أحد البنوك ،وبالقرض استطاع استكمال المبنى والتجهيزات واستطاع خلال عام واحد من بدء الدراسة إسترداد ثمن الأرض والمبانى والتجهيزات وتسديد القرض ، وأن الجامعة الخاصة ما هي إلا مشروع استثماري يقع تحت السيطرة الكاملة لملاك الجامعة ، فرغم خضوع الجامعة لإشراف وزارة التعليم العالي والمجلس الاعلى للجامعات و قانون تنظيم الجامعات الخاصة إلا أن ملاك الجامعة لهم الكلمة الأولى في التعيينات وفى تبسيط المناهج حتى لا يتعقد الطلاب من المناهج الكبيرة مثل التي في الجامعات الحكومية بالإضافة إلى بساطة الإمتحانات وسهولتها ،فالمهم عندهم هو إقبال الطلاب على الدراسة بالجامعة حتى تزيد شهرتها وبالتالي تزيد أرباحها بغض النظر عن مستوى جودة الخريج ومدى اكتسابه المعارف والمهارات اللازمة ففي النهايه سوف يحصل على شهاده معترف بها رسميا من الدولة في مجال تخصصه .