تجاوزت حاجز الـ 50 مليار دولار : تجارة بلا أصول " NFT " .. مليارات مشفرة في لوحات وأعمال فنية وألعاب لا وجود لها

  • كتب : أمير طه

     

    هل أنت على استعداد لدفع 69 مليون دولار مقابل لوحة رقمية يمكنك تخزينها على هاتفك أو الكمبيوتر الخاص بك؟ قبل أن تفكر في الإجابة فأنت هنا داخل عالم البيع المشفر أو ما بات يعرف بالـNFT وهي الرموز غير القابلة للاستبدال.. فما قصتها؟

    تجارة قدرتها الشركات المتخصصة بأكثر من 50 مليار دولار، أثارت جدلا كبيراً الفترة القليلة الماضية، إلا أنها بات هوس يشغل بال أناس يدفعون الملايين من أجله في شكل عقود رقمية إلكترونية تدور حول لوحات وقطط وقرود وألعاب رياضية وأعمال فنية ربما يصفها البعض بأنها غير مبهرة، فضلاً عن رسالة نصية قصيرة سعرها بحوالي 120 ألف دولار، وجميعها تسجل الحضور في دفتر العالم الافتراضي.

    ما هي الـNFT؟

    الـNFT هي اختصار لـ Non-fungible token أو ما يمكن تبسيطه بـ«الرموز غير القابلة للاستبدال»، وهي عبارة عن صور رقمية أو أعمال فنية أو مقاطع فيديو أو صوتيات يمكن ترميزها لإصدار شهادة ملكية خاصة بها، ويتاح شراؤها وإثبات أصلها من خلال قاعدة بيانات رقمية تعرف بـ«بلوكتشين» وتدعم العملات المشفرة، مثل «البتكوين» و«الإيثريوم».

    تلك الرموز المشفرة لا يمكن استبدالها لأنك ببساطة تصبح مستحوذاً على أصول رقمية فريدة مثل صور أو مقاطع فيديو وربما مقتنيات أو حسابات أو صفحات على مواقع إلكترونية أو منصات التواصل الاجتماعي.

    أي أن تلك الرموز الرقمية تصبح مختلفة عما هو معروف في علم الاقتصاد، فالأصل القابل للاستبدال هو شيء له وحدات يمكن الحصول بسهولة على ما يعادله مثل النقود.. فأنت يمكنك مبادلة 10 دولارات بورقتين من فئة الـ5.. وهكذا الحال مع أي عملة.

    وفقاً للمتداول، فهذه الأصول الرقمية يصعب التلاعب فيها لأنها تحظى بتوثيق تضمنه تقنية «بلوكتشين» عبر سجلات منتشرة على آلاف من أجهزة الكمبيوتر حول العالم.

     

    الفن الرقمي

    بتتبع الأمر باتت الـNFT في الأوساط العالمية معادلاً موضوعياً أقرب لما يعرف بـ«الفن الرقمي»، وهو ما دفع فنانين مثل غرايمز وستيف أوكي إلى جني ملايين الدولارات؛ بفضل تلك التقنية.

    من خلال هذه الرموز غير القابلة للاستبدال يمكنك شراء لوحة رقمية تضم مجموعة من الصور، مثل العمل الذي جاء تحت عنوان EVERYDAYS: THE FIRST 5000 DAYS أو «كل الأيام: أول 5000 يوم»، الذي حمل توقيع الفنان مايك وينكلمان المشهور باسم بيبل.

     

     بيبل جمع 5000 صورة داخل لوحة رقمية واحدة منذ مايو 2007، لتباع عبر «الإنترنت» في مزاد لدار كريستيز الشهيرة بحوالي 69.3 مليون دولار في مارس 2021 وسط متابعة من 22 مليون شخص ومشاركة مزايدين من 11 دولة.

    ثمة أمور عديدة صاحبت هذا الرقم القياسي للوحة بيبل تتلخص في كونها المرة الأولى التي تعرض فيها دار مزادات كبرى عملاً رقمياً للبيع برمز غير قابل للاستبدال، وهو ثالث أعلى سعر يجنيه أي فنان على قيد الحياة وقت كتابة تلك السطور، بعد جيف كونز وديفيد هوكني. كما أنها المرة الأولى التي يتم فيها استخدام العملة المشفرة للدفع مقابل عمل فني في مزاد، وهو ما قد يعلو بسقف التوقعات لدى البعض بأن تكون مستقبلاً للفن وتسويقه لدى فئات جديدة من الجمهور المتلقي.

    لم يكن مشهد الـNFT هو الفريد من نوعه في متابعة العالم لهذه اللوحة الرقمية، إذ باع جاك دورسي، مؤسس موقع التدوينات القصيرة «تويتر»، أول تغريدة له كتبها في مارس 2006: «فقط أجهز حسابي على تويتر»، وذلك مقابل 2.9 مليون دولار خلال مزاد علني للأعمال الخيرية.

    قرود وقطط وألعاب

    لا يقتصر الأمر على أعمال فنية بألوان صاخبة يغلب عليها الأحمر والأزرق، بل يشمل أيضاً رسوماً كارتونية لمجموعة من القرود تعرف تحت اسم Bored Ape Yacht Club، وتباع بملايين الدولارات.

    لكن منذ أيام معدودة كان المقابل لإحدى الصور الخاصة بمجموعة القرود الرقمية أن بيعت بمقابل 3000 دولار بدلاً من 300 ألف دولار بسبب خطأ كتابة علامة عشرية كلف صاحبها الكثير، إذ حدد سعر الإدراج بحوالي 0.75 إيثر بدلاً من 75. من القرود إلى القطط توجد الـNFT، إذ بيعت «قطة نيان» ذات الرسم الكارتوني المتحرك بجسد من الحلوى وتطير، وهي تترك أثراً من ألوان قوس قزح، كما تبدو في الفيديو القصير على موقع «يوتيوب» بسعر أكثر من 580 ألف دولار.

    عالم ويكيبيديا

    قائمة الـNFT شهدت دخول مؤسس موقع «ويكيبيديا» جيمي ويلز، إذ طرحت دار كريستيز للمزادات جهاز الكومبيوتر الشخصي الذي كان يستخدمه عند إطلاق الموسوعة الإلكترونية قبل نحو 20 عاماً وتحديداً في 2001، فضلاً عن الصفحة الأولى من الموقع الشهير حين كتب «Hello، World!».

    جهاز الكمبيوتر الشخصي لمؤسس الموقع الشهير وصلت تكلفته إلى حوالي 187.500 دولار، بينما الصفحة الأولى لويكيبيديا فكانت قيمتها 750.000 دولار

    قراءة المشهد

    من جهته قال أحمد عصمت، مدير منتدى الإسكندرية للإعلام واستشاري تكنولوجيا الإعلام والتحول الرقمي، أن الفن الرقمي جاء تماشياً مع واقع الميتافيرس الذي بات يفرض نفسه على ساحة التقنية وعالم السوشيال ميديا، وأوضح في معرض حديثه عن سبب توجه البعض إلى البيع والشراء والاقتناء عبر الـNFT، ملخصاً الأمر في «فكرة أن كل شخص سيمتلك أمراً فريداً من نوعه».

    وقال عصمت إن الأمر «فقاعة اقتصادية»، وشدد على أنه «لا توجد إجابة قاطعة لأن الموضوع لا يزال حديثاً»، وحرص على أن يعرض الآراء التي توصل إليها من خلال بحثه في هذا الأمر، لافتاً الانتباه إلى أن هناك رأياً يعتبر أن الـNFT هي «مستقبل المعاملات النقدية، والإنسان يصبح هو المالك الوحيد والمسيطر والمستفيد، ورأي آخر يرى أن لديها مشكلات كثيرة، من بينها العملات مشفرة التي تعتمد على التعدين الذي يتسبب في انبعاثات كربونية عالية، وهذا ضد التوجه العالمي الخاص بالتغير المناخي».

     

    أضاف عصمت أن الجزء الثاني من المعادلة أنها باب خلفي لغسيل الأموال والهروب من دفع الضرائب، ومجال لجني أرباح كبيرة، فتبدو مغرية للباحثين عن الربح السريع فيستثمرون فيها، ولكنها خادعة لهم، وفقاً للآراء التي تناقش هذا الأمر.

    احذروا الوهم

    في ختام حديثه، قدم عصمت نصيحته إلى البائع والمشتري للحماية من النصب والاحتيال، قائلاً: «علينا الحذر من المتاجر والأسواق الوهمية، والتعرف على الروابط الصحيحة للمواقع الإلكترونية، والتأكد من دقة بيانات حسابات البيع والشراء وخاصة الوسطاء، وهذا يعطي نوعاً من أنواع الطمأنينة من خلال العثور على مواقع إلكترونية لها اشتراطات ورسوم محددة ينبغي الإلمام بها، والدراية، بما سيتم دفعه والتعرف على مؤشرات الأسواق والأرقام والمبيعات وسعر المنتج على متاجر أخرى».

    الدراسة المستفيضة

    سمير رؤوف الخبير الاقتصادي المتخصص في العملات الرقمية، يرى أن فهم هذا العالم وتقنياته المتنوعة، مثل الـNFT، يحتاج إلى دراية ودراسة مستفيضة، مؤكداً أنه على الرغم من تخصصه العلمي في هذا المجال لسنوات عدة إلا أنه لا يلم بأبعاده كافة «فما بالك بالشخص العادي؟».

    وقال رؤوف إن «الأمر أشبه بوضع رقم على عملة ورقية ليصبح معك سند يحدد ملكيتك في العالم الافتراضي، والناس حالياً لا تفهم الأمر». وتحدث عن الجدوى الاستثمارية الخاصة بهذه التقنيات الرقمية وما يتعلق ببيعها وشرائها، فيقول: «عند الشراء من متجر في عالم افتراضي، هل سأحصل على هذا الشيء كما رأيته ويتم حفظ حقوقي أم يبقى فقط في العالم الافتراضي؟».

    فقاعة

    توقع رؤوف أن تكون هناك تقييمات لهذا العالم الافتراضي، من حيث كون هذه المتاجر جيدة أو لا يمكن التعامل معها مرة أخرى كما يتوقع أن يصبح الاستثمار في مثل هذه التقنيات موجوداً، وستتم عملية أشبه بالتعدين في ما يتعلق بتلك العملات الرقمية، و«سيكون هناك جزء من الشراء ولو حتى 100 دولار، وستكون عملة ملموسة في المستقبل».

    يفسر رؤوف سبب ارتفاع أرقام المبيعات في العالم الافتراضي إلى ملايين الدولارات، بقوله: «إنها تقنيات جديدة فيمكن ألا تقدّر الناس قيمتها الحقيقية حالياً»، معتبراً أن معدلاتها المطروحة للتداول مبالغ فيها.

    أمر آخر يلاحظه رؤوف، فكان تعليقه حول ماهية الكيانات التي تصدر تلك العملات، فيوضح: «الدول تصدر العملات العادية، بينما العملات الرقمية تعتمد على الأفراد وشركات التكنولوجيا».

    ويضيف: «من سيسيطر ويشغل هذه العملات الرقمية.. الدولة أم الأفراد وأصحاب شركات التكنولوجيا؟»، متابعاً بسؤال آخر: «من سيقبل هذه العملة وإصداراتها؟».

    سؤال جديد عاود طرحه رؤوف يلخصه بالقول: «هل سيقبل العالم أو يرفض هذه المبيعات الرقمية؟»، ليختتم بإجابة تحلل المشهد الراهن من وجهة نظره حين يقول: «الأمر فقاعة وسيحدث الانفجار الاقتصادي في الحالتين رغماً عن الناس، سواء تقبلها البنك الدولي ومعه العالم أو تم رفضها».

     

     



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن