كتب : نهله أحمد – رشا حسين
اخترعت الولايات المتحدة الرقائق الإلكترونية وهددت بفرض عقوبات على أي شخص يبيع أنواع محددة، إن لم يكن أغلبها إلى روسيا. رغم ذلك، تكشف التسريبات الأخيرة، وبعض البيانات العلنية عن ظهورها بالأراضي الروسية، وتتصدر الصين المشهد في تلك التجارة، هذا بالإضافة لعدد قليل من الدول الوسيطة من بينها تركيا.
إن قدرة شبكات التجارة العالمية على التكيف مع العقوبات والتعريفات الجمركية ليس بجديد، وليس أقرب لمثال أسواق الطاقة العالمية، التي تكيفت بسرعة مع عدم اعتماد الغرب على الطاقة الروسية. بينما يتسبب وقف تدفق أشباه الموصلات، المحرك اليومي للأجهزة والمعدات العسكرية، إلى روسيا مشكلة صعبة للغاية.
وأحد الأسباب الرئيسية في استمرار التدفق هيمنة الصين، التي رفضت الانضمام إلى العقوبات الغربية على روسيا، في تجارة الرقائق العالمية، باحتضانها أكبر مصانع الإلكترونيات عالمياً وباعتبارها أكبر مستورد عالمي للرقائق، إضافة إلى صدارتها تصنيع الرقائق منخفضة الجودة، هذا بالإضافة إلى حذف الصين إحصاءات التصدير المعلنة التي تضم بيانات عن شركاء الأعمال في الخارج.
تكشف البيانات العامة استمرار تدفق أنواع محددة من أشباه الموصلات إلى روسيا، لكنها لا تُظهر البائع أو إذا كانت خاضعة للعقوبات، ما يزيد صعوبة كبح تدفق أشباه الموصلات من الصين إلى روسيا مباشرةً أو عن طريق دول ثالثة "بعد إعادة تجميعها" كبضائع جديدة، دون وقف صادرات الرقائق إلى الصين تماماً وبالتبعية تعطيل صناعة الإلكترونيات في العالم.
بعد تراجعها مطلع 2022 عقب العقوبات الأميركية الأولية، تعافت واردات روسيا من أشباه الموصلات بقوة، وكان للشركات الصينية دور رئيسي في ذلك الزخم، حيث تُظهر تسريبات سجلات الجمارك الروسية بحلول نهاية 2022 عن اقتراب معدل واردات روسيا من الرقائق ومكوناتها من متوسط مستوياتها الشهرية قبل الحرب، وجاء ما يزيد عن نصفها من الصين، كما تكشف بيانات الجمارك الصينية المُعلنة عن تصدير شُحنات من الدوائر المتكاملة إلى روسيا بقيمة 179 مليون دولار في 2022، مقابل 74 مليون دولار فقط في 2021 كذلك تزداد صادرات الرقائق ومكونات الرقائق الصينية لأماكن أخرى مثيرة للانتباه، حيث تُظهر بيانات الجمارك الصينية تضاعف صادرات بعض أشباه الموصلات إلى تركيا، من بينها مكونات أساسية للإلكترونيات مثل الثنائيات والترانزستورات، في 2022، فيما نما إجمالي صادرات الصين من أشباه الموصلات 36% فقط.
في نفس الوقت، نمت صادرات تركيا من نفس أنواع أشباه الموصلات إلى روسيا من 79 ألف دولار في 2021 إلى 3.2 مليون دولار في 2022، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة، لتصبح بذلك تركيا، التي رفضت أيضاً تأييد العقوبات الأميركية والأوروبية على روسيا، مُصدراً رئيسيًا الإلكترونية إلى روسيا. وتظهر بيانات الأمم المتحدة زيادة إجمالي صادرات تركيا من الآلات الكهربائية والإلكترونيات إلى روسيا بأكثر من الضعف في 2022 لتصل إلى 559 مليون دولار.
مطلع فبراير، زار مسؤولو وزارة الخزانة الأميركية تركيا وبعض دول الشرق الأوسط في محاولة لتضييق الخناق على شبكات المشتريات الروسية. وفي 20 فبراير، قال وزير الخارجية التركي إن بلاده لا تصدر الإلكترونيات المستخدمة في الصناعة العسكرية إلى روسيا.
ويعد تقليص تصدير الرقائق الأكثر تقدماً إلى الصين وروسيا أمراً هاماً، لكن الغرب الذي اكتشف استياءه مجدداً تواجه محاولاته خنق التدفقات التجارية للسلع الأكثر استخداماً مثل أشباه الموصلات الأساسية صعوبة لأن الوضع مختلف، في ظل انخراط أكبر دولة تجارية في العالم مباشرةً، وتشكك العديد من الدول حول العالم علناً بشأن نظام العقوبات الذي يفرضه الغرب.
كما حدث في الحرب التجارية الصينية الأميركية في 2018 – 2019، شقت السلع الصينية الخاضعة للتعريفات طريقها إلى بلدان ثالثة ونمت الصادرات الصينية بمعدلات جيدة، واكتشفت واشنطن أن التدفقات التجارية كالحياة دائماً ما تجد طريقة للاستمرار.