نمو التمويل الإسلامي وتعزيو التنمية المستدامة

  • بقلم: د. محمد دمق

     الرئيس العالمي للتمويل الإسلامي في ستاندرد آند بورز

     

    من المتوقع أن يشهد قطاع التمويل الإسلامي العالمي انتعاشاً بنسبة 10% تقريباً في 2023-2024 (باستثناء إيران). في حين أنه من المتوقع عموماً أن تتقلص أحجام الصكوك فيما تبقى 2023، ومن المرجح أن يتجاوز الإصدار الجديد الصكوك المستحقة، مما يؤدي إلى مساهمة إيجابية أخرى لسوق الصكوك في نمو القطاع خلال العام. ومن المرجح أيضاً أن تستمر الصناديق الإسلامية وقطاعات التكافل في التوسع.

    ومع ذلك، لا تزال نقاط الضعف الهيكلية تقيد الجاذبية الجغرافية والسوقية الأوسع لهذا القطاع. نعتقد أن التقدم نحو المزيد من التوحيد القياسي، المدعوم جزئياً برقمنة إصدار الصكوك، كفيل بأن يعزز إمكانات النمو الهيكلي للقطاع.

    في عام 2022، استمر قطاع التمويل الإسلامي في التوسع، حيث ارتفعت الأصول بنسبة 9.4% مقارنة بـ 12.2% في عام 2021، مدعومة بنمو الأصول المصرفية وصناعة الصكوك. وساهمت دول مجلس التعاون الخليجي، ولا سيما المملكة العربية السعودية والكويت، بنسبة 92& من نمو أصول الصيرفة الإسلامية. في الكويت، كان هذا بسبب استحواذ بيت التمويل الكويتي على البنك الأهلي المتحد  .

    في المملكة العربية السعودية، أدت رؤية 2030 والنمو المستمر في الإقراض العقاري إلى دعم أداء 2022. ومع ذلك، من المتوقع حدوث تباطؤ جوهري في نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي في الفترة 2023-2024، مقارنة بعام 2022، ويعتمد إلى حد كبير على انخفاض إنتاج النفط.

    وعلى الرغم من ذلك، سيستمر أداء النظام المصرفي في المملكة العربية السعودية في دعم جزء كبير من صناعة التمويل الإسلامي الآخذة في التوسع. في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، يبدو النمو بنسبة 5% معقولاً في غياب دورات استثمار حكومية رئيسية جديدة.

    وفي جنوب شرق آسيا، من المتوقع أن تشهد الصيرفة الإسلامية نمواً بنحو 8% خلال العامين المقبلين، على الرغم من التباطؤ الاقتصادي في الأسواق الرئيسية في ماليزيا وإندونيسيا. ويدعم هذا التوجه الطلب القوي على المنتجات والخدمات الإسلامية، لا سيما في إندونيسيا. في كلا البلدين، من المتوقع أن تستمر الخدمات المصرفية الإسلامية في اكتساب حصتها في السوق حيث يفوق النمو الخدمات المصرفية التقليدية. وفي الوقت نفسه، في تركيا، شكل انخفاض قيمة الليرة قيداً، كما أن الضغط على الجنيه المصري أثر سلباً على القطاع، وذلك بالرغم من أن مساهمة مصر وتركيا في الأصول المصرفية للقطاع لا تزال متواضعة بشكل عام.

    أما بالنسبة للصكوك، فمن المتوقع أن تستمر أحجام الإصدارات في الانخفاض في عام 2023، وإن كان ذلك بوتيرة أبطأ مما كانت عليه في عام 2022 ومن المرجح أن تحد من نمو السوق.

    ونتوقع أن تساهم الشركات في أحجام الإصدارات، لا سيما في البلدان التي أعلنت فيها الحكومات عن خطط التحول، كما هو الحال في المملكة العربية السعودية، حيث لن يكون النظام المصرفي قادرًا بمفرده على تمويل المشاريع المتعددة المتعلقة بتنفيذ رؤية 2030. من المرجح أيضًا أن تستفيد جهات الإصدار ذات الاحتياجات التمويلية العالية، كالموجودة في مصر وتركيا، من سوق الصكوك كجزء من استراتيجيتها لتعبئة جميع الموارد المتاحة.

    على سبيل المثال، أنشأت مصر برنامج صكوك بقيمة 5 مليارات دولار وأصدرت أول صكوك لها في أوائل عام 2023 بإجمالي 1.5 مليار دولار. ونحن ندرك بجاذبية هذه الخطوة للمستثمرين، مع طلب أكثر من 6 مليارات دولار و59% مخصصة للمستثمرين من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كما تم تحديد معدل ربح الصكوك ذات الثلاث سنوات عند 10.875%، والذي كان في ذلك الوقت متماشياً بشكل عام مع العائد على السندات التقليدية المصرية ذات تاريخ استحقاق مماثل في عام 2026 بشكل عام، من المحتمل أن يستمر حجم الإصدارات الجديدة في تجاوز الصكوك المستحقة السداد.

    سيولة عالمية منخفضة

    وعلى جهة أخرى، نلاحظ انخفاضاً كبيراً في إصدارات الصكوك المقومة بالعملات الأجنبية خلال الأشهر الماضية، ويعود ذلك بشكل أساسي إلى السيولة العالمية المنخفضة والأكثر تكلفة. بالإضافة إلى ذلك، يستمر السوق في مواجهة صعوبات بشأن التنظيم والتوحيد القياسي، إذ أدت التحديات المتعلقة بتبني معيار هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (AAOIFI) إلى انخفاض كبير في إصدار الصكوك المقومة بالعملات الأجنبية في دولة الإمارات العربية المتحدة. وقد يكون تقديم آليات لإعادة تقييم الأصول الأساسية إحدى العقبات التالية التي قد تواجهها السوق. إذا أصبحت الصكوك أداة شبيهة بالأسهم، فمن المرجح أن يتغير إقبال المستثمرين والمُصدرين وآليات التسعير بشكل كبير.

    لا يزال قطاع التمويل الإسلامي عبارة عن مجموعة من القطاعات المحلية أكثر من كونها قطاعاً قائماً بذاته. ويبدو أن الاهتمام بسوق الصكوك من قبل أطراف خارج الحدود الجغرافية للقطاع، يقتصر على الدول المستفيدة من فتح جميع خيارات التمويل المتاحة. لذلك، يستمر القطاع في إيجاد طرق لتعزيز قدرته التنافسية وجاذبيته للتميز عن سوق الدخل الثابت التقليدي. ويعد تبسيط المنتجات والعمليات لجعلها أكثر جاذبية للمصدرين الجدد إحدى هذه الأساليب. كما يمكن أن تساهم التدابير التي يتخذها المعنيون من أصحاب المصلحة، ولا سيما واضعو المعايير، وزيادة الرقمنة من دفع النمو.

    أخيراً، سيؤدي التركيز المتزايد على الموضوعات المتعلقة بالاستدامة من قبل الأطراف الأساسية في التمويل الإسلامي إلى خلق فرص جديدة لهذه الصناعة. نتوقع أن تستمر مساهمة الصكوك المرتبطة بالاستدامة في الزيادة خلال العامين القادمين، وإن كان ذلك من قاعدة منخفضة. تتبع العديد من دول التمويل الإسلامي استراتيجيات لمساعدتها على الانتقال إلى اقتصادات أكثر استدامة. نعتقد أن هذا يشير إلى إمكانية النمو لإصدار الصكوك الخضراء ونتوقع رؤية نشاط أكبر في هذا المجال حيث يستغل المصدرون اهتمام المستثمرين العالميين. من المرجح أيضاً أن تفتح البنوك الإسلامية فرص النمو المتعلقة بأجندة الاستدامة الخاصة بها. على مدى السنوات الثلاث الماضية، أعلن العديد من البنوك في البلدان الرئيسية للتمويل الإسلامي عن خطط الاستدامة الخاصة بهم. في حين أن البعض كان أكثر طموحاً من البعض الآخر، فإن هذا يدل على التزامهم العام بمستويات معينة من التمويل المرتبط بالاستدامة أو نسبة معينة من تمويلهم الإجمالي. لذلك نتوقع أن تساهم المنتجات والخدمات الخضراء للعملاء من الشركات والأفراد في نمو الأصول المصرفية الإسلامية

     



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن