الثقة في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي

  • بقلم : مارغو إيدلمان

    مدير عام مكتب «إيدلمان» في نيويورك (المنتدى الاقتصادي العالمي)

    أتاح النمو السريع للذكاء الاصطناعي وتقنياته فرصاً لا حصر لها للتقدم والازدهار بالنسبة لشركات التكنولوجيا. ومع ذلك، لا يمكن للقطاع المضي قدماً إلا إذا حاز ثقة الجمهور في تطوير الابتكارات ذات الصلة واعتمادها.

    واستطلع مقياس «إيدلمان للثقة 2024»، وهو تقرير سنوي عن ثقة المجتمع في المؤسسات، آراء 32 ألف مشارك في 28 دولة حول الثقة الممنوحة لعالم التكنولوجيا الحالي، ووجد أن الذكاء الاصطناعي عند مفترق طرق حقيقي.

    فعلى الصعيد العالمي، يؤيد 30% من المشاركين هذا الابتكار، في حين يرفضه 35% آخرون. لذا، يرى كثيرون أن الوقت مناسب الآن لإقناع المزيد من الناس بحرف قناعاتهم من الرفض إلى القبول، لأن الذكاء الاصطناعي وُجد ليبقى، ويمكن لميزاته «التوليدية» أن تضيف ما يصل إلى 4.4 تريليون دولار للاقتصاد العالمي سنوياً.

    وفي الوقت الذي لا تزال فيه شكوك المنظمين الحكوميين مشتعلة بخصوص فعالية الذكاء الاصطناعي وأخلاقياته، فإن شركات التكنولوجيا تحوز القدر الأكبر من الثقة عبر المشاركين العالميين، ب 76%. وهنا، تشير الفجوة بين الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا على نطاق أوسع إلى أن شركات التكنولوجيا يمكنها الاعتماد على الثقة العالية الممنوحة حالياً في القطاع المسؤول عن الذكاء الاصطناعي لجعل المزيد من الناس يتقبلونه.

    وعلى الرغم من أن التكنولوجيا هي قطاع الأعمال الأكثر موثوقية على مستوى العالم، إلا أنه القطاع الوحيد في مقياس إيدلمان للثقة لعام 2024 الذي لم يشهد زيادة في النسبة على أساس سنوي. في المقابل، شهدت جميع القطاعات الأخرى، بما في ذلك الرعاية الصحية والتصنيع والطاقة، زيادات كبيرة.

    والأمر الأكثر إثارة للقلق أيضاً هو أن التكنولوجيا تفقد تدريجياً صدارتها للثقة الممنوحة إليها من العالم، حيث انتقلت من كونها القطاع الأكثر موثوقية في 90% من الأسواق التي قمنا بمسحها في عام 2016، إلى حوالي النصف فقط هذا العام. ويمثل ذلك منعرجاً خطيراً، لأن الناس أصبحوا غير متأكدين بشأن هذا القطاع، تماماً كما أصبح الذكاء الاصطناعي في كل مكان.

    وبخصوص شركات الذكاء الاصطناعي، فهي تتمتع بسمعة أكثر سلبية بشكل عام من نظيراتها في التكنولوجيا، ولا تفاخر بنفس مستويات الثقة التي تتمتع بها الأخيرة، وقد شهدت انخفاضاً في الثقة على مستوى العالم خلال السنوات الخمس الماضية من 62% إلى 54%.

    ومن بين أولئك الذين يشعرون بقدر أقل من الحماس تجاه الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي، فإن الأسباب الرئيسية التي يستشهدون بها هي المخاوف المتعلقة بالخصوصية، وأن الذكاء الاصطناعي قد يقلل من قيمة ما يعنيه أن تكون إنساناً، وأنه لا يتم اختباره وتقييمه بشكل كافٍ، وأنه يمكن أن يضر الناس والمجتمع، من بين أمور أخرى. حيث أشار 22% من المشاركين في المسح إلى التهديد المحتمل الذي يشكله الذكاء الاصطناعي على أمنهم الوظيفي كسبب رئيس لقلقهم، ما يعني أن مخاوف الناس ترتبط بقضايا مجتمعية أساسية أكثر من اهتماماتهم الشخصية.

    وفي ظل انقسام الناس حول الذكاء الاصطناعي بين معارض ومؤيد، أصبح الابتكار قضية أخرى تساهم في عدم الاستقرار والاستقطاب المجتمعي. لأنه مع تغلغل التقنيات الحديثة في كل مفاصل المجتمع، فإن الثقة والقبول لم يعودا من الأشياء الجيدة فحسب، بل الضرورية أيضاً.

    إلى ذلك، استطلع مقياس «إيدلمان للثقة 2024»، آراء الأشخاص حول ما يمنعهم أو يحثهم على تبني الذكاء الاصطناعي. ولفت بعض المشككين، إلى أن أفضل الطرق التي سيشعرون من خلالها بمزيد من الإيجابية تجاه الذكاء الاصطناعي هي فهمه بشكل أفضل، ورؤية الفوائد التي ستعود عليهم وعلى المجتمع جراء مساعدة تقنياته لهم.

    وهذه بعض التوصيات التي يجب على شركات التكنولوجيا مراعاتها عند محاولة تقليل العوائق التي تحول دون اعتماد الذكاء الاصطناعي.

    أولاً، شرح كيفية عمل الذكاء الاصطناعي. فكلما قل فهم الناس لشيء ما، قل احتمال قبولهم له. وبالنسبة للكثيرين ممن لديهم خبرة محدودة في مجال التكنولوجيا، بخلاف استخدام هواتفهم الذكية وأجهزة الكمبيوتر الشخصية، قد يبدو الذكاء الاصطناعي غامضاً. بالتالي، على شركات التكنولوجيا أن تسحب الستار وتكشف آليات استخدام الذكاء الاصطناعي، وكيفية دمجه في الأدوات التي يستخدمها المستهلكون بالفعل.

     

    ثانياً، إظهار فوائد الذكاء الاصطناعي للمجتمع. حيث يركز قدر كبير من الخطاب المناهض للذكاء الاصطناعي على تأثيره في المجتمع والاقتصاد العالمي، وقدرته على تسريع انتشار المعلومات المضللة والتسبب في فقدان الوظائف.

    وهذه بالطبع مخاطر جسيمة ينبغي لشركات التكنولوجيا أن تتعامل معها بالتعاون مع الهيئات التنظيمية. لكن بعض تلك الشركات تعتمد بالفعل تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين جودة المجتمع، وهي تحتاج فقط إلى نقل هذه الجهود للعلن بشكل أفضل.

    ثالثاً، إظهار المزايا الشخصية. فالذكاء الاصطناعي قد يظل بمثابة تغيير نظري لقواعد اللعبة بالنسبة لبعض الأشخاص الذين لا يدركون أنهم جربوه بالفعل بشكل مباشر من خلال أدوات مثل خرائط غوغل، ومرشحات البريد العشوائي، وغيرها من المنتجات.

    وبينما يشق الذكاء الاصطناعي طريقه إلى المزيد من المنتجات الاستهلاكية، يجب على شركات التكنولوجيا أن تكون شفافة بشأن كيفية عمل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، وكيف تجعل حياة الأفراد أسهل وأقل تكلفة وأكثر متعة.

    يبدو كسب الثقة واسعة النطاق بالذكاء الاصطناعي وقبوله أمراً شاقاً ولكنه ممكن. وإذا اتخذت شركات التكنولوجيا الخطوات المناسبة لشرح وإظهار فوائد الابتكار، يمكنها تهدئة مخاوف الناس. لقد حان الوقت للتحرك إذا أردنا أن يجمعنا الذكاء الاصطناعي ويحسن المجتمع على المدى الطويل.

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن