بقلم : د.عادل اللقانى
خبير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
"شهدت القاهرة هذا الشهر احداثا مهمة تصب فى دعم مجال الابتكار وريادة الاعمال فى مصر، وفى نشر هذا المفهوم بين أوساط شباب الجامعات ورجال الاعمال من اصحاب المشروعات الصغيرة والناشئة فى مجال الاعمال الرقمية" .
الحدث الاول هو "قمة ريادة الاعمال" بتنظيم من جامعة القاهرة وجاء فى اطار جهود الحكومة لتعزيز الابتكار وريادة الاعمال بين اوساط الشباب الجامعى، وتم خلاله الاعلان عن انشاء مركز متكامل للذكاء الاصطناعى بجامعة القاهرة يهدف لدمج الذكاء الاصطناعى مع التخصصات المختلفة وتطوير تطبيقاته وتعزيز البحث العلمى والابتكار وريادة الاعمال . وهذه القمة جاءت بهدف حث شباب الجامعات المصرية واصحاب الابتكارات والمبادرات الجديدة على استثمار الفرص وتحويل الافكار الى مشاريع ريادية ملموسة.
جامعة القاهرة تنشىء مركز متكامل للذكاء الاصطناعى لتشجيع المبتكرين من شباب الجامعات .
والحدث الثانى هو "قمة الابتكار" وهذه المرة جاء من القطاع الخاص برعاية وتنظيم شركة "كانون" وهدف الى تعزيز التحول الرقمى فى مصر ودعم الشركات المصرية فى هذا التحول ، وبناء قنوات اتصال وعلاقات استراتيجية بين الشركات المحلية والدولية مما يعزز القدرة التنافسية للشركات المحلية، ودعم قطاعات بذاتها فى مصر العاملة فى مجال التكنولوجيا البصرية والطباعة والاعلام الرقمي والتى تعد اساسا لنمو الاعمال فى مصر .
ويعتبر كلا من الحدثين توجها ايجابيا من قبل قطاعات مختلفة فى الدولة نحو تعزيز الابتكار وريادة الاعمال باعتباره ركيزة اساسية فى تطوير عالم الاعمال والتحول الرقمى وتشجيع الشباب على الابتكار وريادة الاعمال فى مصر خلال الفترة القادمة.
"كانون"تطرح مبادرات لتعزيز قدرات الشركات والتحول الرقمى فى مجال التكنولوجيا البصرية والطباعة والاعلام الرقمى .
واذا نظرنا الى موقف ريادة الاعمال والابتكار الحالى فى مصر فالحقيقة انه شهد تطورا كبيرا فى السنوات الاخيرة نتيجة الوعى المتزايد باهميته على المستوى الحكومى والمجتمعى وتاثيره الكبير على الاقتصاد والتنمية المستدامة ، ويمكن تلخيص الوضع الحالى فى النقاط الاتية :
أولا : شهدت مصر العديد من المبادرات الحكومية لدعم رواد الاعمال مثل انشاء حاضنات الاعمال والمراكز التكنولوجية وتسهيلات تمويلية من خلال البنوك ومؤسسات الاستثمار وصناديق مالية مثل "صندوق مصر لريادة الاعمال" .
وثانيا: ظهور العديد من الشركات التكنولوجية الناشئة فى مجالات التكنولوجيا المالية والتجارة الالكترونية والتعليم الالكترونى والتى لعبت دورا مهما كاحد المحركات الرئيسية للنمو فى الاقتصاد الرقمى.
وثالثا : توافر دعم من العديد من المنظمات الدولية لرواد الاعمال فى مصر مثل "برنامج الامم المتحدة الانمائى UNDP "و"الوكالة الامريكية للتنمية الدولية USAID ".
الا انه فى المجمل ورغم وجود هذا التوجه الايجابى والمتسارع تجاه ريادة الاعمال والابتكار فى مصر فلازال يواجه تحديات كبيرة متمثلة فى نقص التمويل والبيروقراطية وضعف البنية التحتية فى عدد من المناطق على مستوى الجمهورية وغيرها.
وبالنظر الى التجارب الناجحة للدول المتقدمة فى هذا المجال يمكن ان نتوقف قليلاعند بعضا من هذه التجارب ومنها :
تجربة " سنغافورة " التى استطاعت ان تضع بيئة مناسبة جدا لهذين المجالين هناك وقدمت دعما ماليا وفنيا للمشروعات الصغيرة بالاضافة الى تسهيلات مالية ومزايا ضريبية كان من اثرها ان اصبحت سنغافورة واحدة من افضل الاماكن فى العالم لجذب الاستثمارات واحتلالها مركز رياديا فى اسيا .
تجربة "استونيا" وهى دولة رائدة جدا فى ريادة الاعمال حيث سمحت لرواد الاعمال بتاسيس الشركات عن بعد والحصول على التراخيص اللازمة عبر الانترنت مع تبسيط الاجراءات وتقليل التكاليف وجعل هذا من استونيا مركزا عالميا فى مجال التكنولوجيا الرقمية وحققت نموا ملحوظا فى اقتصادها .
تجربة "المانيا " حيث نجحت فى تحسين بيئة الاعمال من خلال تحسين القوانين الضريبية والمالية الموجهة لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة وادت هذه التحسينات الى زيادة كبيرة فى عدد الشركات ودعم الابتكار فى الصناعات الهندسية.
تجربة "الولايات المتحدة" والتى بفضل الدعم المالى والتقنى الذى قدمته للشركات الناشئة فقد زاد عددها بشكل كبير بل ان "وادى السيلكون" فى كاليفورنيا احتضن الكثير من هذه الشركات وساهم فى تحويل هذه الشركات الصغيرة الى شركات كبيرة ذات تاثير كبير عالميا مثل "جوجل " و"ابل" و"فيسبوك" .
وهناك تجارب اخرى دولية ناجحة لايسع ذكرها الان .
ويمكن للمحللين الاقتصاديين والمتخصصين ان يرصدواعددا من النتئائج المهمة على تبنى هذه الدول سياسات ومبادرات ناجحة فى مجال الابتكار وريادة الاعمال أهمها : خلق الاف من فرص العمل الجديدة بالقطاعات المختلفة، ودفع عجلة التقدم الاقتصادى والتحول الرقمى فى هذه الدول، وتحسين تنفيذ المشروعات الاقتصادية الكبرى، ورفع مستوى المعيشة والرفاهية المجتمعية ، وتقليل الفجوة بين المدن الحضارية والريفية ، هذا فضلا عن تحسين الصناعات التقليدية، وتقديم حلول مبتكرة للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية مثل الصحة والتعليم والفقر والبيئة والطاقة وغيرها .
لكن كيف يمكن ان نحدث نهضة حقيقية فى مجال الابتكار وريادة العمال فى مصر من خلال اجندة وطنية فى هذا المجال ؟
ستكون الاجابة فى البداية مرتبطة بشكل كبير بالبيئة القانونية والتنظيمية المشجعة لرواد هذه المجال من المبتكرين ورجال الاعمال الرواد ، وهذه البيئة التشريعية ستعمل على تبسيط الاجراءات اللازمة لانشاء الشركات مع تقديم اعفاءات او تخفيضات ضريبية للشركات الناشئة خاصة فى السنوات الاولى للتأسيس، واطلاق مجموعة من الحوافز التمويلية للشركات مع التركيز اكثر على القطاعات التى تشهد نموا فى الاقتصاد المحلى بالاضافة الى دعم اكبر من مؤسسات التمويل الدولية . ثم ياتى دور تشجيع الابتكار واهمية انشاء عدة مراكز للابتكار على مستوى الجمهورية تعنى بتطوير الحلول التكنولوجية المبتكرة التى تساهم فى حل مشاكل مصر المجتمعية ، وفى هذا الاطار لابد من تشجيع البحث والتطوير، وتخصيص جوائز مالية لتحفيز التفكير الابتكارى بين الشباب.
ويجب ان تتضمن الاجندة حصول الشباب على التدريب الكافى فى مهارات البرمجة والتصميم والتحليل البيانى ، وان تقوم بتشجيعهم على التحول الرقمى واكتساب المهارات الرقمية وانشاء شركات ناشئة فى تلك المجالات ، ودعم رواد الاعمال والمبتكرين على تقديم حلولا مبتكرة للمجتمع والاقتصاد الوطنى مع التركيز فى الوقت نفسه على المناطق الريفية واشراك الشباب والمراة هناك فى المشاريع الريادية .
من المهم ايضا ان تتضمن الاجندة انشاء منصات للتواصل والتعاون بين رواد الاعمال والمبتكرين وبعضهم لتوجيه النصح لهم من الرواد الناجحين وتعزيز تبادل الخبرات والمعرفة فيما بينهم .
واخيرا تنظيم حملات توعية مجتمعية عبر وسائل الاعلام المختلفة وتوعية الجمهور باهمية ريادة الاعمال ، مع تنظيم مسابقات على مستوى الجامعات وتقديم جوائز تشجيعية للمبتكرين ورواد الاعمال ودعم الشراكات بين الحكومة والقطاع الخاص ، واخيرتوسيع فرص التواجد الاقليمى والدولى للمشروعات المتميزة وغزو الاسواق العالمية مع توفير الدعم اللوجيستى لها .
"الخلاصة ان مصر تتمتع بامكانات كبيرة تتمثل فى النسبة الكبيرة من السكان من الشباب القادر على الابتكار وخوض مجال ريادة الاعمال، ووجود نمو كبير فى قطاع تكنولوجيا المعلومات التى تمثل سوقا لابتكارات وشركات الشباب فى المجالات المالية وتطبيقات المحمول والتجارة الالكترونية وغيرها ، هذا فضلا عن جهود واضحة فى الفترة الاخيرة من الحكومة والقطاع الخاص لتشجيع الرواد والمبتكرين ، كما تتمتع مصر بموقع جغرافى متميز فى افريقيا والشرق الاوسط والعالم باسره. ويمكن لمصر بمزيد من الجدية والتعلب على التحديات ان تصبح مركزا اقليميا رائدا للابتكار وريادة الاعمال على المستوى الاقليمى والدولى .. فهل نستطيع ان نحقق هذا الهدف فى القريب العاجل ؟" .