ما بدأ كمغامرة تجارية محفوفة بالتساؤلات، تحوّل إلى قصة نجاح استثنائية تُروى، بعدما استطاعت "إكسترا" أن تحجز لنفسها مكاناً بين الكبار، بقيمة سوقية تتجاوز 6.7 مليار ريال، لتصبح واحدة من أبرز سلاسل التجزئة في المملكة.
في حوار حصري مع الإعلامية فاطمة الضاوي، يفتح الرئيس التنفيذي للشركة، محمد جلال، دفاتر الرحلة بكل ما حملته من تحديات، ويكشف السر وراء اتخاذه قراراً مصيرياً بترك منصب رفيع في عملاق عالمي مثل "P&G"، من أجل مطاردة حلمه: بناء شركة سعودية تُنافس على مستوى العالم.
يعد جلال أحد الرؤساء التنفيذيين البارزين في السعودية، حيث يرأس أكبر شركة في قطاع التجزئة الإلكترونية بمبيعات سنوية تتخطى 7 مليارات ريال، وحصة سوقية تناهز 20% من سوق الإلكترونيات في المملكة.
أخبار حصرية"إكسترا" للعربية: "تسهيل" تمثل 48% من صافي أرباح المجموعة
قال جلال لبرنامج "الدرجة الأولى" على قناة "العربية": "كان لدي نوع من الغرور المهني، شعور بأننا نفهم في كل شيء، لكن الطموح كان أكبر من مجرد وظيفة، كان الهدف أن أكون جزءاً من بناء شركة تمتلك رؤية طويلة الأمد، وتنافس عالمياً". استغرقنا عامين لتشكيل فريق عمل متكامل بداية من عام 2003 وحتى 2005، بخبرات متنوعة، شكلت ميزة تنافسية حقيقية في السوق.
لكن الأمور لم تسر بالطريقة التي كان يتوقعها قبل انتقاله، بحسب جلال، وقال للإعلامية فاطمة الزهراء الضاوي، "الجهل في بعض الأحيان يكون نعمة... عند انتقالي إلى إكسترا اكتشفت أني أجهل كل شيء تقريباً، ما دفعني إلى إحاطة نفسي بمجموعة من الأذكياء شكلت نواة الفريق الذي يعد أبرز المزايا التنافسية الداخلية للشركة ومركز قوتها". في "إكسترا"، الميزة التنافسية ليست ثابتة، بل متحركة، ويتم تحديثها باستمرار وفق جدول زمني واضح.
يرى جلال أن مقياس النجاح لأي شركة لا يكمن في الأرباح السنوية فقط، بل في قدرتها على تحقيق نمو مستدام، عبر بناء ثقافة مؤسسية قوية، مع التحلي بالشغف، وإنكار الإنجاز.
في السنوات الثماني الأخيرة، تحوّل تركيزنا من مراقبة أرقام المبيعات إلى رضا العميل، حيث تحول اهتمامنا إلى قراءة أعمق للبيانات وتحليل السوق بما يدعم إجراء 25 حملة تسويقية يومياً مخصصة حسب طبيعة العملاء المستهدفين.
وبالعودة إلى البدايات، يشير جلال إلى أن أحد أكبر التحديات التي واجهتها "إكسترا" كان في هوامش الربح التي تحققها مبيعات الأجهزة في السعودية مقارنة بشركات عالمية في الولايات المتحدة، حيث تحصل شركات مثل "Best Buy" على هامش ربح يصل إلى 24% من التعامل المباشر مع شركات مثل سامسونغ وآبل، بينما كنا نحصل على 12% فقط، بسبب وجود طبقات من الوسطاء.
لكن الوضع تغيّر. اليوم، نتعامل مباشرة مع جميع الشركات الكبرى، ونحقق حجم مبيعات ضخم، بحسب جلال، والذي قال "في قطاع التلفزيونات مثلاً، نمثل أكثر من 50% من مبيعات إل جي وسامسونغ في السعودية".
منحة "خيارات أسهم"
اشتهر عن الرئيس التنفيذي لشركة "إكسترا" أنه التنفيذي الأعلى أجراً في السعودية، بعدما حصل 5 من التنفيذيين في الشركة على منحة "خيارات أسهم" في عام 2022 بقيمة 47 ريال للسهم والذي تخطى لاحقاً مستوى 145 ريالا. وقال جلال إنها كانت "منحة لمرة واحدة"، وكان على إنجاز ضخم تحقق وليس أجراً سنوياً أحصل عليه، "بالتأكيد لست الأعلى أجراً ولست الأقل أجراً في السعودية".
انضم جلال إلى "إكسترا" في عام 2003 حيث يعتبر نفسه من المؤسسين للشركة، إلا أنه قرر الرحيل في عام 2013 عقب الإدراج العام. وقال "طلب من مجلس الإدارة اختيار رئيس تنفيذي يقود المرحلة القادمة للشركة كشركة عامة في البورصة، وساهمت في الترشيح والتدريب".
ورغم استمراره في الشركة ولكن كعضو في مجلس إدارتها، إلا أنه اضطر للعودة في عام 2016، بعد أزمة تعرضت لها الشركة في أهم مواسم البيع، وقال جلال إن "Mega Sale" كان يمثل ربع إيرادات الشركة السنوية، إلا أنه خلال الموسم الأبرز للشركة أغلقت محالها ولم تستطع بيع بضائع بمئات الملايين ما تسبب في خسائر كبير وفوات موسم رئيسي.
"استطعنا تحويل خسائر بـ 45 مليون ريال في الربع الأول من عام 2016 إلى أرباح بـ 500 مليون ريال العام الماضي" بحسب جلال.
خلال السنوات العشر الأخيرة نمت فروع "إكسترا" إلى أكثر من 50 فرعا في 3 دول (السعودية والبحرين وعمان)، فيما حققت الشركة نمواً سنوياً مركباً بأكثر من 6.3% لتصل الإيرادات السنوية إلى 7 مليارات ريال.
وقال إن تجربة الفترة بين عامي 2013 و2016، تطلبت إعداد مخطط للتتابع الوظيفي "Succession Plan"، يضمن تتابع القيادة في الشركة لضمان الاستدامة.
وأضاف: "اليوم، بات لدى الشركة أكثر من رئيس تنفيذي لكل قطاع، وتحولت من الإدارة التفصيلية إلى التركيز على بناء خطط للسنوات الثلاث المقبلة وما بعدها". "أصبحت أكثر وعياً بإمكانات الشركة، وأعرف متى يجب أن نضغط على قدراتنا، ومتى نمنح أنفسنا مساحة للتراجع وإعادة التقييم"، بحسب جلال.
قرار صحيح في الوقت الخاطئ
وقال الرئيس التنفيذي لشركة "إكسترا"، إن من أصعب القرارات التي اتخذتها الشركة كان قرار الخروج من السوق المصرية. وقال "لم يكن قراراً سهلاً على المستوى المهني أو الشخصي، خاصةً وأننا كنا نوظف أكثر من 200 شخص هناك".
الظروف الاقتصادية في عام 2021 لم تكن مناسبة، وفرضت علينا إعادة النظر. وقال إن إمكانيات السوق تجعله الخيار الأمثل للانتقال إليه كمرحلة تالية في خطة التوسع، لكن التوقيت لم يكن كذلك، خاصةً في ظل تقلبات سعر صرف الجنيه.
تجربتنا في مصر أكدت لنا أن القيم لا يجب أن تتغير مهما تغيرت الظروف. تعاملنا مع الموظفين هناك باحترام متبادل، وحرصنا على أن تبقى العلاقة إيجابية حتى بعد الانسحاب.
خلال عام 2021، واجهت مصر أزمة اقتصادية وتباين كبير في سعر صرف العملة قبل الحصول على برنامج من صندوق النقد الدولي وتحرير سعر الصرف لاحقاً، ونتيجة لبعض الإجراءات الاحترازية المؤقتة، كان تدبير العملة يستلزم أولية في الإنفاق ودفع ذلك بعدد من الشركات للخروج من السوق.
سوق استهلاكية بقيمة 500 مليار ريال
استفادت "إكسترا" من النمو الاستهلاكي الكبير للسوق السعودية، والتي يقدر حجمها بنحو 500 مليار ريال.
وقال جلال، إن السوق ككل تضخم حجمها، إلا أن المنافسة على محفظة السعوديين تجعل توزيعها لا يتماشى بالضرورة لكل قطاع بنفس نسب النمو.
وأوضح أن "رؤية 2030" عززت من نسب تملك المساكن للسعوديين إلى 64%، وهو ما يقترب إلى أهداف الرؤية عند 70% بعد نصف عقد من الآن، كما أن ارتفاع نسب التوظيف بين السعوديين ودخول النساء في سوق العمل، عزز من الطلب الاستهلاكي، لكن هذا الطلب موزع على عدد كبير من القطاعات والأنشطة.
ويرى جلال أن "موسم الرياض" والعديد من الفعاليات، وتزايد أعداد السائحين يعزز فرص القطاع للنمو، كما أن الضغط على محافظ السعوديين مع انخفاض معدل ديونهم، والتي تعد الأقل عالمياً، يمثل فرصة كبيرة لنمو خدمات التمويل والرهن العقاري والتقسيط.
ويرى جلال أن التحدي الأكبر اليوم يتمثل في قدرة التجار، خاصةً الصغار منهم، على مواكبة هذه التغيرات. كلما زاد التنظيم في القطاع، يكبر الكبار أكثر، ويختفي جزء كبير من الصغار.