كتب : وائل مجدي
شهد مطلع هذا الشهر إنجازاً طبياً غير مسبوق يزيل واحدة من أعقد العقبات المزمنة في زراعة الكلى، وهو أنزيم يحل مشكلة عدم توافق فصيلة الدم بين المتبرع والمتلقي ويحول أي كلية من متبرع إلى كلية متوافقة مع المريض بحسب خلاصة ابتكار من جامعة كولومبيا البريطانية UBC في كندا.
يتيح الأنزيم الذي تم اكتشافه تغيير فصيلة دم كُلية من الفصيلة (A) إلى الفصيلة (O) وزرعها بنجاح، وهو ابتكار يقلل من أوقات الانتظار للحصول على أعضاء جديدة، وينقذ آلاف المرضى.
ولا يمكن عادة لمرضى فصيلة الدم (O)، الذين يشكلون أكثر من نصف الأشخاص المدرجين على قوائم انتظار زراعة الكلى، نقل أعضاء إليهم إلا من متبرعين يحملون فصيلة الدم (O) فقط لكن هذا الأنزيم. ونجح الباحثون بمعالجة كلية من النوع A وضخّوها بإنزيم خاص وهي باردة، وعمل هذا الإنزيم كجهاز تنقية جزيئي، إذ يُذيب علامة النوع A (المستضد) من سطح الأوعية الدموية للكلية مما حول الكلية من النوع A إلى كلية “عالمية” من النوع O. وحتى اليوم، كان اختلاف الفصيلة يمنع الزراعة أو يفرض إجراءات معقدة وخطرة لتقليل الأجسام المضادة عند المريض.
ففي العادة، يؤدي زرع كلية من فصيلة دم غير متوافقة إلى رفض مناعي فوري خلال دقائق، إذ تهاجم أجسام المريض المضادة العضو الجديد وتدمره. لكن التجارب الحديثة أظهرت أن ابتكار الكلية التي خضعت لمعالجة إنزيمية خاصة استمرت بالعمل ليومين دون أي رد فعل مناعي سريع.
وتتمكن الإنزيمات من إزالة المستضدات السكرية التي تحدد فصيلة الدم من سطح الأوعية، فبدت الكلية للجهاز المناعي وكأنها من فصيلة O «عالمية»، مما منع الرفض الفوري وفتح الباب أمام مفهوم جديد تماماً في الطب.
ويلغي هذا الابتكار القيود الطويلة التي فرضها شرط التوافق في فصيلة الدم، ويعد بحل أزمة قوائم الانتظار التي يعاني منها مرضى الفشل الكلوي، ولا سيما أصحاب فصيلة الدم O الذين ينتظرون لفترات أطول لأنهم لا يتلقون سوى أعضاء من فصيلتهم، بإمكان التقنية تحويل الأعضاء من فصائل A أو B إلى فصيلة O، مما يوسع بشكل هائل من إمكانية التوافق بين المتبرعين والمتلقين، ويقلص زمن الانتظار القاتل للمرضى الذين يعتمدون على غسيل الكلى.
كما أن هذا التحول المذهل يبدل طريقة التعامل مع حالات التبرع الحي. ففي الوقت الراهن، يحتاج المريض إلى علاج معقد ومكلف يستمر لأيام لإزالة الأجسام المضادة من دمه قبل الزرع، وهي عملية محفوفة بالمخاطر. أما الطريقة الجديدة فتعالج العضو نفسه بدلاً من المريض، مما يجعل الزراعة أسرع وأبسط وأقل خطراً، خاصة عند التعامل مع أعضاء من متبرعين متوفين. يقرب هذا الإنجاز فكرة إنشاء “كلية عالمية” صالحة لأي مريض، بغض النظر عن فصيلة دمه، فاتحاً أفقاً لإنقاذ الآلاف ممن يموتون منتظرين العضو المناسب.
الباحثون يشيرون إلى أن موافقة الجهات التنظيمية للتجارب السريرية الموسعة هي الخطوة التالية، وهذا يعني أن التطبيق الواسع والمستقر لهذا الحل قد يحتاج إلى عدة سنوات قبل أن يصبح متوفرًا بشكل عملي في المستشفيات. وبالتالي، من المتوقع أن يستغرق هذا الابتكار من 3 إلى 5 سنوات على الأقل للوصول إلى مرحلة الاستخدام الطبي الواسع بعد اجتياز التجارب والمتطلبات التنظيمية بنجاح، مع إمكانية تسريع الفارق إذا تمت الموافقات بسرعة ودعمتها مراكز طبية متقدمة.
وستقوم شركة AvivoBiomedical، وهي شركة فرعية تابعة لجامعة كولومبيا البريطانية، بقيادة تطوير هذه الإنزيمات لتطبيقها في عمليات زرع الأعضاء وتمكين إنشاء دم عالمي للمتبرعين حسب الطلب لطب نقل الدم. يذكر أنه هناك أكثر من 18 ألف مريض فشل كلوي مُسجّل في المنصة الوطنية للتبرع وزراعة الأعضاء “أثر” في المملكة العربية السعودية.








