بقلم : خالد حسن
بالطبع شهد سوق العمل المحلي والعالمي في عام 2020 الكثير من التغيرات الهيكلية بسبب تداعيات جائحة فيروس " كوفيد – 19 " وتفاوت معدلات البطالة وفقا للإجراءات التي اتخذتها كل دولة للتخفيف من حدة تأثير الأزمة على اقتصادياتها وفرص العمل القائمة في كل قطاع وأيضا فرص العمل الجديدة .
وفي الحقيقة يعد قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أحد القطاعات التي نجحت في الصمود في وجه تداعيات " كوفيد – 19 " على مستوى الوظائف الحالية أو الوظائف الجديدة التي أتيحت.. إذ رغم التأثير المالي السلبي للأزمة على النتائج المالية للقطاع إلا أنه يمكن القول أن تأثير الأزمة لم يكن قويا على العمالة وفقا لتقرير مركز المعلومات ، بمجلس الوزراء ، فإن معدل البطالة رغم ارتفاعه إلى 9.6 % في ذروة أزمة كورونا ، بالربع الثاني من عام 2020 ، إلا أنه عاد وتراجع إلى 7.3 % في الربع الثالث من نفس العام وذلك نتيجة العديد من القرارات التي اتخذتها الحكومة وأهمها بالتأكيد زيادة الاعتماد على الحلول التكنولوجية من جانب الجهات الحكومية وإعطاء دفعة قوية لعملية التحول الرقمي كأحد أهم أدوات مواجهة الأزمة والتعامل مها بكفاءة وبما لا يؤثر سلبا على عملية التنمية الاقتصادية.. ناهيك عن استمرار العمل في العديد من المشروعات القومية الكبرى التي تعتمد على العمالة .
وفي الحقيقة بات لدى الجميع الآن قناعة تامة بجدوى الاستثمار في عملية التحول الرقمي بوصفه أحد أهم متطلبات مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية وإعطاء مساحة أكبر للحلول التكنولوجية الابتكارية في تطوير القدرات التنافسية للمؤسسات والأفراد وتحسين كفاءة الأداء والإنتاجية وكذلك وجود رؤية مشجعة للأفكار الابتكارية في مجال تكنولوجيا المعلومات ومساعدة الشركات الناشئة في هذا القطاع انطلاقا من مفهوم دعم مفهوم الإبداع التكنولوجي وريادة الأعمال .
ورغم التعريفات المتعددة لـ "الإبداع " إلا أنني أفضل تعريفها أنها مجرد أفكار جديدة لحل مشاكل متواجدة ، في البيئة المحيطة ، بطريقة بسيطة وسهلة وقابلة للتنفيذ أو التطبيق في صورة منتجات أو حلول ملموسة وبالتالي لا يشترط في الإبداع أن نختلق أفكارا معقدة وصعبة وإنما كلما كانت الفكرة بسيطة وسهلة كانت أكثر قدرة على النجاح والتطييق العملي .
ومع تفاقم مشكلة البطالة ، والتي تقدرها الإحصائيات الرسمية بنحو 7.5 % فإن الأمر يتطلب ضرورة التفكير في استراتيجية قومية تركز على تقديم حلول جذرية وسريعة تستهدف مساعدة الشباب في تحقيق أحلامه وبناء مستقبله وتحسين وضعه الاقتصادي والاجتماعي، إذ هناك الكثير من التحديات التي يصطدم بها شبابنا لتحقيق ذاته وهنا تأتي أهمية التوعية وتوطين ثقافة العمل الحر وريادة الأعمال وتبنى مفهوم المشروعات الصغيرة لدى أبنائنا بما يؤدي إلى اكتساب الثقة ومعرفة إمكانياته الحقيقية والطريق إلى وضع طموحاته موضع التنفيذ على أرض الواقع .
وفي الحقيقة ومن خلال تنظيم جريدة "عالم رقمي" لفعاليات الدورة الرابعة عشرة لمبادرة " الإبداع ..طريقك للنجاح " في الجامعات المصرية برعاية هيئة تنمية صناعة تكنولوحيا المعلومات ، التابعة لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ، والمعنية بتشجيع الإبداع التكنولوجي لدى الشباب وتوطين ثقافة ريادة الأعمال والعمل الحر ، فإنك تستطيع من خلال الحوارات والمناقشات مع الطلاب أن تكتشف أن شبابنا يمتلك بالفعل الشغف والشغب اللازم لتكون لدينا قاعدة واسعة من الشباب القادر على التفكير بصورة إبداعية وذلك من خلال الكورسات ودورات التدريب أون لاين " المجانية " والتأهيلية ،التى تقدمها هيئة "إيتيدا " عبر مبادرة الرئاسة للتعليم التكنولوجي " لهؤلاء الطلاب والشباب لتنمية قدراتهم سواء في طريقة التفكير أو اكتساب مهارات تكنولوجية جديدة.
وليس أبلغ من أهمية بساطة الفكرة الإبداعية من الإشارة إلى عدد من قصص النجاح المصرية خلال هذا العام ومنها تطبيق " فيزيتا " للخدمات الصحية ، منصة حجز مواعيد الأطباء عبر الإنترنت ، على تمويل بقيمة 40 مليون دولار، في جولة تمويلية بقيادة صندوق جلف كابيتال لإدارة الأصول، بمشاركة صندوق رأس المال المخاطر إس تي في Saudi Technology Ventures، كما نجحت شركة " سويفل" الناشئة المصرية للنقل الجماعي الذكي، في جمع تمويل بقيمة 42 مليون دولار من عدة شركات رأس مال مخاطر، وذلك في جولة تمويلية ثانية، من شركة فوستوك السويدية لرأس المال المخاطر وبيكو كابيتال بدبي، و”إم إس إيه” الصينية وإنديفور ، وسواري فينشرز المصرية كما حصلت شركة " بشر سوفت " لخدمات التوظيف عبر الإنترنت على 4 ملايين دولار كتمويل من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية.
ولكن ماذا عن الجناح الثاني لتنمية الإبداع والمتمثل في " التمويل الميسر " ؟ حيث يعد التمويل أحد أهم تحديات نشر مفهوم تنمية الإبداع وريادة الأعمال وخلال السنوات العشرة الماضية أصبح هناك العديد من الجهات التمويلية ولكن غالبيتها يفرض شروطا يصعب أن تتحقق لدى شباب لا يمتلك سوى مجرد أفكار أو حتى شركات حديثة الناشئة .
وبالطبع بات الآن هناك العديد من الجهات التي يمكنها تقديم تمويل للمشروعات الناشئة وأصحاب الأفكار الإبداعية إلا أننى سأقتصر الحديث عن أقلها تكلفة وعبء بالنسبة للمشروعات لذلك سنركز على المواقع العالمية للتمويل الجماعي " Crowd funding " لدعم الأفكار الابتكارية والمنتجات الإبداعية والتي تستطيع تقديم خدمات جديدة للمستخدم النهائي ، وتم إنشاؤها منذ عام 2008 تقريبا ، ومن خلالها نجحت الآلاف من الأفكار في جمع مئات الملايين من الدولارات لتتمكن من التحول إلى منتجات ملموسة .
وهناك الكثير من مواقع التمويل الجماعي ، ومن أشهرها على المستوى العالمي " KickStarter ، Indiegogo ، RocketHub ، Peerbackers ، eureeca ، Grow VC ، Microventures ، Angel List بالإضافة CircleUp " أما على المستوى العربd فبدأت تتنشر فكرة مواقع التمويل التعاوني من خلال بعض المواقع الإلكترونية ومنها مواقع مثل بداية " https://bedaea.com " و موقع ذومال " http://ar.zoomaal.com/ " وموقع ومضة " http://ar.wamda.com/ " إذ تستهدف هذه المواقع دعم رواد الأعمال في الحصول على التمويل اللازمة لتتحول أفكارهم إلى منتجات إذ يحدد صاحب الفكرة قيمة الاستثمارات المطلوبة لفكرته ويتم الإعلان عنها عبر هذه المواقع وبالفعل الكثير من الأفكار نجحت في جمع اموال اكبر بكثير مما كانت متوقعة وتحولت إلى شركات ناجحة .
وتعتمد هذه المواقع في نشاطها على عدة أساليب فبعضها يشترك الحصول على نسبة من إجمالي التمويل الذي يحصل عليه صاحب الفكرة وبعضها يعتمد على الحصول على أسهم في المشروع وبعضها يعتمد على تشجيع رجال الأعمال على ضخ استثماراتهم المالية في بعض المشروعات وكسب الأرباح من حصيلة المبيعات أو إعادة بيع حصصهم .
في اعتقادي يلعب هذا النوع من التمويل دورا إيجابيا في تغلب المبدعين في مجال التكنولوجيا ورواد الأعمال على الكثير من التحديات التي تواجههم وعلى رأسها صعوبة الحصول على التمويل المناسب من الجهات التمويلية كالبنوك نظرا لعدم امتلاكهم أصولا ملموسة وإنما لديهم أفكار ابتكارية كذلك فإن عملية الإبداع بطبيعتها تحتاج إلى فترة زمنية للتطوير والتحقق من جودة المنتجات وعادة لا تجد جهات تمويلية تقبل بهذا النوع فهي تريد مشروعات لها دورة عمل زمنية محددة !!
في النهاية نؤكد أن المبدعين في مصر والمنطقة العربية لا يقلون كفاءة ، من حيث الأفكار الجيدة الجديدة وامتلاك الخبرة اللازمة ، إلا أن حجم التحديات والمشاكل التي يواجهها أبناؤنا المبتكرون تؤدي إلى فقدانهم رويدا رويدا إصرارهم على النجاح وتخليهم عن مفهوم ريادة الأعمال ويلجأ الكثير منهم إلى البحث عن مجرد وظيفة في شركة فهل نستطيع تنمية مفهوم التمويل التعاوني للأفكار الابتكارية وتنمية مفهوم رواد الأعمال وكذلك قيام الجهات الحكومية المعنية بتوفير البيئة الحاضنة للإبداع .