بقلم : خالد حسن
بالتاكيد من الممكن أن نتفق أن اقتصاد المعرفة بات يشكل جزءا من الناتج الإجمالي العالمي تقدره إحصائيات الأمم المتحدة بنحو 7 % وبمعدل نمو يتجاوز 10 % سنويا كما باتت تدفقات البيانات عبر الحدود جزءا لا يتجزأ من الاقتصاد الرقمي العالمي ومدخلات ضرورية لجني فوائد الرقمنة ويعتبر اقتصاد أي دولة اقتصادا معرفيا عندما تفوق أعداد العمالة في القطاعات المعرفية العمالة في القطاعات الاقتصادية الأخرى، وهو ما حدث في مطلع سبعينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية عندما بلغت نسبة العمالة في قطاعات المعرفة نسبة 53 % من إجمالي العمالة لذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية هى التي تقود حاليا اقتصاد المعرفة.
وفي ضوء تحكم عدد من شركات تكنولوحيا المعلومات العالمية الكبيرة على مناجم البيانات الخاصة بالمستخدمين ، والتي أصبحت أكثر مما تمتلكه الحكومات ، الأمر الذي أصبح يثير العديد من علامات الاستفهام حول مدى استخدام هذه الكيانات الكبيرة لهذه المعلومات سواء لاستغلال المستخدمين إعلانيا أو استخدامها للحيلولة دون دخول لاعبين جدد في مجال الابتكار التكنولوجي وتقديم خدمات منافسة.
ومؤخرا كشفت 10 من الولايات المتحدة الأمريكية عن نيتها لمقاضاة شركة " جوجل " بتهمة انتهاك قواعد المنافسة في سوق الإعلانات كما أن " جوجل " نفسها متهمة بالتآمر مع منصة التواصل الاجتماعي الفيس بوك ،المتهمة أيضا في تحقيقات جديدة ، بممارسات بعض الأعمال الاحتكارية والتلاعب في سوق الإعلانات الرقمية المنتشرة على منصتها العالمية للتواصل الاجتماعي.
ويأتي ذلك بعد أيام فقط من إعلان لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية أنها تحقق 10 شركات كبرى لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومنها جوجل وفيس بوك وأبل وأمازون مايكروسوف بسبب عدم وضوح استراتيجيتها في التعامل مع بيانات المستخدمين خاصة أن هذه الشركات تتعامل مع كميات ضخمة من البيانات ، في الوقت الذي تتحرك فيه المفوضية الأوروبية أيضا لمقاضاة بعض شركات التكنولوجيا المعلومات العالمية نظرا لبعض ممارساتها الاحتكارية وخصوصية بيانات المستخدمين .
وفى نفس هذا الاطار كشفت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية " OECD " أن قيام لجنة سياسة الاقتصاد الرقمي ، التابعة لها ، ببدء مناقشة مدى اهمية الحوكمة والضمانات المناسبة لكيفية وصول الحكومات إلى البيانات الشخصية التي تحتفظ بها الكيانات والشركات الخاصة كجزءً مهمً من بناء الثقة وتقليل الحواجز أمام تدفق البيانات وسيجمع العمل معًا ويضع مجموعة من الممارسات الجيدة المشتركة والمتماسكة والضمانات القانونية من جميع دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من أجل التوفيق بشكل أفضل بين احتياجات إنفاذ القانون والأمن القومي للبيانات ، وحماية الحقوق الفردية".
وتحقيقا لهذه الغاية ستبدأ مجموعة مؤلفة من ممثلين حكوميين وخبراء ، بما في ذلك من وكالات إنفاذ القانون ووكالات الأمن القومي ، العمل في أوائل عام 2021 لإجراء المزيد من الدراسة وإمكانية تطوير ، على سبيل الأولوية ، توجيهات سياسية رفيعة المستوى لوصول الحكومة إلى البيانات الشخصية التي يحتفظ بها القطاع الخاص بما يعكس وجهات نظرها ومخاوفها المتعلقة بهذه القضية وخططها للمستقبل القريب.
أكدت المنظمة ان الرقمنة تستمر في تحويل الاقتصادات والمجتمعات الي الاقتصاد القائم على البيانات مما يبرز الأهمية المتزايدة لجمع البيانات والوصول إليها ومشاركتها واستخدامها .. مع ضمان الحماية اللازمة لحقوق الأفراد لاسيما أن إدارة البيانات تتعلق بجميع قطاعات الاقتصاد بما في ذلك القضايا الاجتماعية والثقافية والتقنية والقانونية.
يعتبر بناء الثقة وتقليل الاضطرابات في تدفق البيانات عاملاً أساسيًا في جني فوائد الرقمنة وهو ما أقره المجلس الوزاري لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لعام 2020 بالإمكانات التحويلية للاقتصاد الرقمي من خلال ضمان التدفق الحر للبيانات بثقة ، وهي ديناميكية أكدها دور البيانات في التعافي من أزمة COVID-19.
لطالما كانت إدارة البيانات والخصوصية محورًا لعمل لجنة سياسة الاقتصاد الرقمي ، والذي انعكس مؤخرًا في إنشاء فريق عمل مخصص لإدارة البيانات والخصوصية (WPDGP) بناءً على القيادة التاريخية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في هذه المجالات حيث حدد" WPDGP "الوصول الحكومي غير المقيد وغير المتناسب إلى البيانات الشخصية التي يحتفظ بها القطاع الخاص باعتباره قضية حاسمة لإدارة البيانات وحماية الأفراد الحقوق وكعائق محتمل أمام تمكين التدفق الحر للبيانات بثقة.
ونظرًا للطبيعة المترابطة عالميًا للاقتصاد الرقمي ، أثارت اللجنة مخاوف بشأن الممارسات الحكومية التي تفشل في الحفاظ على الثقة ، أي من خلال المتطلبات غير المقيدة أو غير المعقولة أو غير المتناسبة التي تفرضها الحكومات والتي تفرض الوصول إلى البيانات الشخصية التي يحتفظ بها القطاع الخاص. كما أثارت اللجنة مخاوف من أن عدم وجود مبادئ مشتركة لوصول الحكومة الموثوق بها إلى البيانات الشخصية قد يؤدي إلى قيود لا داعي لها على تدفق البيانات مما يؤدي إلى آثار اقتصادية ضارة.
وخلصت اللجنة إلى أن العمل على الوصول الموثوق للحكومة إلى البيانات الشخصية التي يحتفظ بها القطاع الخاص يمثل أولوية ملحة تتطلب مزيدًا من التعاون الدولي. وقررت اللجنة القيام بمزيد من العمل لتعميق فهم النهج في بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي ودراسة إمكانية وضع ، على سبيل الأولوية ، صك يحدد المبادئ أو إرشادات السياسة للوصول الحكومي الموثوق إلى البيانات الشخصية التي يحتفظ بها القطاع الخاص.
ومن شأن هذا العمل أن يجمع ويضع مجموعة من الممارسات الجيدة المشتركة والمتسقة والضمانات القانونية من جميع دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من أجل التوفيق على أفضل وجه بين احتياجات إنفاذ القانون والأمن القومي للبيانات وحماية الحقوق الفردية.
وفى تصوري ربما تشمل هذه الضمانات المتعلقة كل من الأسس القانونية التي ربما تفرض الحكومات على أساسها الوصول إلى البيانات الشخصية ؛ المتطلبات التي تلبي أهدافًا مشروعة ويتم تنفيذها بطريقة ضرورية ومتناسبة ؛ الشفافية ؛ الموافقات والقيود المفروضة على وصول الحكومة ؛ القيود المفروضة على التعامل مع البيانات الشخصية التي تم الحصول عليها ، بما في ذلك ضمانات السرية والسلامة والتوافر ؛ رقابة مستقلة والانتصاف الفعال. ومن شأن هذه الضمانات وتطبيقها أن تسهل تعزيز وحماية التدفق الحر للبيانات بثقة.
فى النهاية نؤكد ان البيانات باتت بمثابة المحرك الرئيسي لاقتصاد المعرفة " Economy Knowledge " وأن اقتصاديات المعرفة تعتمد على توافر تقنية الاتصالات والمعلومات وتستخدم الابتكار والرقمنة لإنتاج سلع وخدمات ذات قيمة مضافة مرتفعة حيث يضم الاقتصاد المعرفي، قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات إضافة إلى كل الأنشطة الرقمية في باقي قطاعات الإنتاج السلعي والخدمي الأخرى لاسيما المال والأعمال والسياحة والتأمين والنقل والمواصلات وأنه من غير المقبول أن يتحكم عدد محدود من الكيانات أو الشركات في بيانات عشرات الملايين من المصريين وعلينا إعطاء هذا الموضوع الأهمية المطلوبة خاصة أن حكومات أمريكا والصين والعديد من الدول الأوروبية ، وهى الدول التي تأسست بها شركات تكنولوجيا المعلومات العالمية ، هى التى بدأت تبحث فى تقنين وضع هذه الكيانات .