بقلم : خالد حسن
نعلم جميعا أن المستقبل سيشهد تحولا جذريا إلى المجتمع اللا نقدي وأن الاتجاه العالمي هو تحفيز استخدام الوسائل والقنوات الإلكترونية في عمليات الدفع وقريبا جدا ربما لن نضطر إلى الذهاب لأي جهة حكومية لسداد أي مستحقات مالية ، منذ تفعيل قرار وزير المالية في مايو 2020 والزام المواطنين بسداد رسوم الحصول علي جميع الخدمات الحكومية وكل المستحقات الحكومية بما فيها الضرائب والرسوم الجمركية باستخدام إحدى وسائل الدفع الإلكترونية ، وذلك تنفيذا لقرارات المجلس القومي للمدفوعات الخاصة بالتحول إلي مجتمع رقمي وتحقيق الشمول المالي .
وللأسف ، وحتى وقتنا هذا ، ما زال هناك قطاع كبير من المواطنين المصريين الذين يرفضون التعامل مع الجهاز المصرفي وليس لديهم أي حسابات بنكية وبصرف النظر عن السبب " نقص الوعي أو خوف أو عدم القرب الجغرافي أو الثقافة الدينية ... الخ " إلا أنه حان الوقت ونحن نتحدث عن أهمية مضاعفة التحرك سريعا نحو الاقتصاد الرقمي فإنه لابد من تقديم نوعية جديدة من الحوافز لكسر الهواجس لعزوف هؤلاء عن التعامل بآليات الدفع الإلكتروني .
واستمرارا لحديثنا الذي بدأ الأسبوع الماضي حول دور المحافظة الإلكترونية في تطوير مستقبل المدفوعات الإلكترونية كشف الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات " NATR " عن تقرير " مؤشرات استخدام المحافظ الإلكترونية التابعة لشركات الاتصالات " للنصف الأول لعام 2021 وذلك في إطار دور الجهاز على رفع الوعي لدى المستخدمين بوسائل الدفع الإلكترونية وتعزيز انتشارها بوصفها تساهم في الإسراع من عملية التحول من مجتمع نقدي إلى مجتمع لا نقدي ودعم خطة الدولة لتحقيق الشمول المالي .
ونحاول في السطور التالية تحليل وتسليط الضوء على أهم ما كشف عنه التقرير والذى أكد أن إجمالي عدد المحافظ الإلكترونية بلغ 16.3 مليون محفظة على مستوى الجمهورية بالنصف الأول لعام 2021 بنسبة زيادة 16 % مقارنة بــ 14.1 مليون محفظة إلكترونية بالنصف الأول لعام 2020 مما يعنى ان المدفوعات الإلكترونية شهدت قفزة نوعية خلال جائحة فيروس " كورونا " وأن وعي المستخدمين بأهمية امتلاك محفظة إلكترونية شهد أكبر نموا ملموسا في عام واحد .
وفي الحقيقة يمثل تأكيد التقرير على أن عدد العمليات المنفذة ارتفعت إلى 81 مليون معاملة إلكترونية بالنصف الأول لعام 2021 بنسبة نمو 175%، مقارنة بـ 29.5 مليون عملية إلكترونية بالنصف الأول لعام 2020 وفي حد ذاته يشكل تحولا إيجابيا بدرجة كبيرة في مدى ثقة أصحاب المحافظ الإلكترونية في استخدام هذه المحافظ وأنها باتت أحد أكثر أدوات الدفع الإلكتروني " المؤمنة " والسهلة والسريعة في نفس الوقت .
كما رصد التقرير ارتفاعا في عدد عمليات التحويل من محفظة إلكترونية إلى أخرى بنسبة 300%، حيث بلغت 35.2 مليون عملية بالنصف الأول لعام 2021 مقارنة بـــ 8.8 مليون عملية بالنصف الأول لعام 2020، وبلغ متوسط قيمة العملية 1203 جنيه وفى نفس الوقت ارتفع عدد عمليات الإيداع بنسبة 109%، حيث بلغت 13.8 مليون عملية إيداع بالنصف الأول لعام 2021 مقارنة بــ 6.6 مليون عملية إيداع بالنصف الأول لعام 2020، وبلغ متوسط قيمة العملية 1580 جنيها وبالطبع فإن هذا النمو في حجم التحويلات يكشف عن ان المحافظ الإلكترونية كأداة رئيسية لنقل الأموال عبر هواتف المحمول أصبحت من أهم آليات الدفع الإلكتروني لتعزيز التحول الرقمي وتحقيق الشمول المالي ودمج الاقتصاد غير المرئي في الاقتصاد الرسمي .
ولعل أهم ما جاء بالتقرير تحديده لأكثر 3 خدمات استخداماً من قبل المشتركين ، وفقاً لعدد المعاملات ، حيث جاء في المرتبة الأولى " التحويلات " أي تحويل مبالغ مالية من حساب محفظة إلكترونية إلى حساب محفظة إلكترونية أخرى من محافظ الهاتف المحمول بنسبة بلغت 43% من إجمالي عدد العمليات على حين جاءت عمليات " الإيداع والسحب النقدي من المحفظة الإلكترونية للهاتف المحمول " فى المرتبة الثانية ويتم ذلك بشكل مباشر إما عن طريق منافذ تقديم الخدمة لشركات المحمول، أو ماكينات الصراف الآلي للبنوك بنسبة بلغت 30% من إجمالي عدد العمليات واحتلت المرتبة الثالثة " شحن رصيد (المحمول/الإنترنت)" أي شحن رصيد الهاتف المحمول أو دفع فاتورة الإنترنت بقيمة مالية تُخصم من رصيد المحفظة الإلكترونية للهاتف المحمول، بنسبة بلغت 20% من إجمالي عدد العمليات .
ومن أهم ما أشار إليه التقرير فيما يتعلق بالتوزيع الجغرافي للمحافظ الإلكترونية للهاتف المحمول على مستوى الجمهورية، فقد لوحظ انتشار الخدمة في جميع المحافظات، وجاءت محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية والدقهلية والشرقية في طليعة المحافظات بنسبة 47% من حاملي المحافظ الإلكترونية للهاتف المحمول، بالإضافة إلى انتشار الخدمة بين كل الفئات العمرية في المجتمع مع الزيادة النسبية للفئة العمرية من 26-45 عام وبالتالي فإننا نحتاج الى مضاعفة جهود ، الجهات المعنية ، لتحفيز استخدام وسائل الدفع الإلكترونية في باقة المحافظات خاصة في أقاليم محافظات الصعيد ووسط الدلتا وسيناء .
وفي تصوري أننا لا نسطيع أن نقول هناك تقصير كبير من جانب الجهات المعنية بتحفيز الدفع الإلكتروني في توعية المواطن بمميزات المنظومة الإلكترونية وما تقدمه من تيسيرات للتعاملات المالية مع الجهات الحكومية لتتم بشكل أسهل وأسرع وأكثر أمانا إلا أن الخطوة التالية المطلوبة تتمثل في ضرورة البدء وبصورة فورية بتكثيف حملات التوعية لمؤسسات ومجتمع الأعمال بكيفية الاستفادة من التقنيات الحديثة وأهمها " البلوك تشين " للحفاظ على حقوقهم في عصر الاقتصاد الرقمي .
في اعتقادي أنه يجب طرح آليات جديدة لتنمية وسائل الدفع الإلكتروني وما نقصده هنا هو البطاقات الذكية .. ففي ظل اتجاه الحكومة نحو التقليل من الإجراءات الورقية وزيادة الاعتماد على بيئة التعامل الإلكترونية فمن الضروري أن تحتاج هذه البيئة لنوعية جديدة من الأدوات والآليات والتى تتمثل في الكلمات السرية والشهادات الرقمية والبطاقات الذكية إذ تسمح هذه البطاقات للمستخدمين بتلبية احتياجاتهم بطريق مميكنة وآمنه بدرجة كبيرة حيث تتميز هذه الكروت بصعوبة تزويرها أو تقليدية علاوة على قدرتها على استيعاب كمية كبيرة من البيانات والمعلومات الخاصة بمستخدمها بجانب سهولة استخدامها وتداولها بين الأفراد وقدرتها على استخدام بعض التطبيقات الإلكترونية من خلال الشريحة الإلكترونية التى تتضمنها
في النهاية نؤكد أن الحديث عن تعظيم الاستفادة من مشروع الحكومة الإلكترونية لدينا يستوجب بالتأكيد أن يكون هناك تفكير جدي في كيفية تعظيم الاستفادة من الكروت الإلكترونية الذكية ، وما يمكن أن تتضمنه من دمج لخدمة التوقيع الإلكتروني ، والتى يتوقع أن تجد قبولا كبيرا بين فئات المستخدمين بمختلف فئاتهم الاجتماعية والوظيفية والثقافية .