نبضات
بقلم : خالد حسن
تشكل صناعة الالكترونيات واحدة من اكبر الصناعات على مستوى العالم الا لم تكن الاكبر ، اذ تشير الدراسات أن حجمها تجاوز 2 تريليون دولار،تمثل 70 % من صناعة من خدمات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والاجهزة الالكترونية ، حيث باتت صناعة أمن قومى حقيقى ويتطلب الامر سرعة التحرك لتوطين هذه الصناعة محليا والتى يتجاوز حجمه حاليا نحو 5 مليار دولار . بجانب نحو 1.5 مليار دولار صادرات .
تُعد صناعة الإلكترونيات أحد أكبر الدعائم لنمو الاقتصاد المصري والمساهم الرئيسي في مضاعفة الصادرات المصرية وتقليل الواردات من الأجهزة الإلكترونية والكهربائية للسوق المحلي، وإدراكاً من الدولة لأهمية تلك الصناعة التى تدخل كمكون رئيسي في جميع الصناعات والمجالات الآخرى، وتسجل نمواً كبيراً في جميع أنحاء العالم، تم البدء في تطوير قطاع الإلكترونيات في البلاد والترويج لها، وذلك عبر محورين للعمل: الأول هو تصميم وتطوير الدوائر والنظم الإلكترونية ذات القيمة المضافة العالية، والثاني هو تصنيع الإلكترونيات ذات العمالة الكثيفة.
رصدت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات نحو مليار ونصف المليار دولار لتطوير صناعة الإلكترونيات وفقا للمبادرة القومية "مصر تصنع الإلكترونيات" ، تحت رعاية رئاسة الجمهورية، حيث تستهدف الوزارة الوصول إلى 3 مليارات دولار بحلول عام 2025 وجعل مصر مركزاً ومصنعاً إقليمياً وعالمياً للسوق الأفريقية والعربية والأوربية لتصميم وتصنيع الإلكترونيات المتطورة قبل نهاية عام 2030 .
وتستند المبادرة على مجموعة من الركائز والبرامج اللازمة لتفعيل تلك الرؤية، أهمها تحفيز الاستثمارات لتصنيع منتجات الكترونية واعدة لها مردود سريع وقوى وتتميز بتعاظم الطلب المحلى والإقليمى وتحديث الصناعات المغذية لها، وهي: (الهواتف الذكية، والحاسبات اللوحية، ولمبات الليد الموفرة، والعدادات الذكية، والخلايا الشمسية، والتليفونات والشاشات السطحية، والأنظمة الذكية)، بالإضافة إلى تعزيز البحث والتطوير والإبداع وتقوية التحالف بين الشركات والتعاون بين الصناعة والجهات البحثية، فضلا عن تشجيع الصادرات وتعظيم الاستفادة من اتفاقيات التجارة الحرة، وتنمية قدرات الموارد البشرية عن طريق برامج تدريبية متخصصة للقيادات والمهندسين والفنيين لتلبية احتياجات الصناعة من العمالة الماهرة والمتخصص ، مع تمكين البحث والتطوير والإبداع وتقوية التحالف بين الشركات والتعاون بين الصناعة والجهات البحثية وكذلك تشجيع الصادرات وتعظيم الاستفادة من اتفاقيات التجارة الحرة بالاضافة الى تنمية قدرات الموارد البشرية عن طريق برامج تدريبية متخصصة للقيادات والمهندسين والفنيين لتلبية احتياجات الصناعة من العمالة الماهرة المتخصصة علاوة على الترويج لمصر كمركز للتصميمات المبدعة ومصنع الكترونيات المنطقة وتحسين البيئة التشريعية والتحفيزية للصناعة وتنمية الطلب المحلى والحكومى للالكترونيات المحلية .
ومن ثمة فأننا نتفق جميعا على أن مفهوم الشراكة بين الشركات المحلية العالمية أصبح بالفعل أحد أهم الأدوات الحديثة لتسهيل الوصول إلي الأسواق العالمية حيث يمكن أن تلعب الشركات العالمية بما لديها من إمكانيات وقدرات كبيرة دورا مزدوجا هاما فهى تقوم فى المقام الأول بنقل التكنولوجيا والمعرفة الحديثة من الخارج إلى الداخل بجانب ما يمكن أن تقوم به من فتح منافذ جديدة لتسويق منتجات الشركات المحلية اعتمادا على قاعدة عملائها الواسعة على مستوى العالم .
وإذا كانت بعض دول جنوب شرق اسيا ، منها الصين وتايوان وماليزا وتايلاند والهند وكوريا الجنوبية ، نجحت على مدار السنوات الماضية فى تسويق نفسها – دوليا- على أنها مصنع العالم وإمكانياتها على تصنيع أى منتج الكترونى بتكلفة زهيدة جدا إلا أن الفترة الأخيرة وبعد ما شهدناع من اتهامات بالتجسس من جانب بعص الحكومة لشركات ، من دول اخرى ، تعمل فى مجال تصنيع بعض الاجهزة الالكترونية يجعلنا نتساءل وماذا عن وضعنا نحن ؟ لاسيما ونحن نستورد نحو 10 مليون هاتف محمول سنويا بجانب نحو 500 الف جهاز كمبيوتر " متنوع " سنويا ، قبل عام 2022 ، هذا بالاضافة الى استيراد اللوحة الرئيسية " المازر بورد " والتى تعد مكون الاجهزة الالكترونية المنزلية ومن ثمة فان لدينا طلب وسوق ضخم متنامى بصورة سنوسة يسمح بفتح الباب على كيفية توطين صناع الالكترونيات .
وفى هذا الاطار يأتى قيام الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بزيارة الهند مؤخرا والالتقاء مع عدد من الشركات الهندية المتخصصة فى مجال تصنيع الاجهزة الالكترونية والهواتف المحمولة الذكية ، منها شركة ميكروماكس" MicroMax المتخصصة فى تصنيع الهواتف المحمولة، و روهان أجاروال المدير العام لشركة "بلاى" PLAY المتخصصة فى تصنيع ملحقات الهواتف الذكية ، لبحث فرص دخولها السوق المصرية ودراسة إمكانية الشراكة والتعاون مع منشآت التصنيع المحلي للمكونات الإلكترونية، والاعتماد عليها والبناء عليها، بحيث يمكن النهوض بهذه الصناعة في مصر، آخذًا في الاعتبار وجود فرصة كبيرة لتحقيق طفرة في نمو هذه الصناعات بشكل واسع لخدمة الاقتصاد القومي.
نعتقد أنه حان الوقت لمناقشة اليات تشجيع الشركات المحلية المتخصصة فى مجال إنتاج السلع الالكترونية على أن تقدم نفسها للسوق العالمى – ليس كمجمع محلى للمكونات الالكترونية المستوردة - ولكن ككيانات قادرة على تصميم وتطوير وتقديم منتجات الكترونية بمستوى جودة عالية تستيطيع المنافسة عالميا وملتزمة فى نفس للوقت بمعايير الأمن والسلامة وهو ما يركز عليها المستهلك فى كل من السوق الاوروبى والامريكى .
نتصور أن الشركات المصرية العاملة فى مجال قطاع الإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات -بشكل خاص- أدركت قيمة هذا التحالف الاستراتيجي مع الشركات العالمية فنجد أن اغلب الشركات المحلية للإلكترونيات بدأت نشاطها كمجرد وكيل أو موزع لمنتجات الشركات العالمية فى السوق المصرى ثم ما لبث الأمر أن تطور هذا التعاون إلى قيام الشركات المحلية لزيادة القيمة المضافة فى المنتج بفتح مصانع محلية لتجميع مكونات هذا المنتج والتى يتم استيرادها من الخارج واليوم نحن فى احتياج لتطوير شكل هذه العلاقة بين الشركات الاهتمام الكبير الذى توليه الحكومة لتنمية وتوطين التكنولوجيا.
ويتمثل الشكل الجديد المطلوب لهذه الشراكة فى ضرورة قيام بعض الشركات المحلية بمحاولات جادة لتصميم واتتاج بعض مكونات تلك المنتجات بهدف تعظيم القيمة المضافة لا يتحقق إلا من خلال عنصر التصميم الابتكار والتميز .
نعلم أن صناعة الالكترونيات تحتاج الى استثمارات مالية كبيرة ، ربما لا تسطيع مؤسسة بمفرها توفيرها ، ولذلك يجب ان نفتح الباب أمام اقامة تحالفات بين عدد من الشركات المحلية ومساعدة هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات " ايتيدا " هذه التحالفات للاستفادة من مبادرة البنك المركزى المصرى ،والتى تتيح 200 مليار جنيه لتمويل الشركات فائدة ميسرة 5 % ، خاصة وان مصر تمتلك سوق محلى كبير وطلب متزايد على كافة الاجهزة الالكترونية ناهيك عن كونها بوابة للسوق الافريقى والعربى واتفاقيات التجارة الحرة التى تربطها مع كل من السوق الاوروبى والامريكى .
وفى اعتقادي أن المرحلة القادمة يمكن أن تأخذ أبعاد أكثر من ذلك فى تطور الشراكة الاستراتيجية بين الشركات المحلية والعالمية من خلال قيام الجهات الحكومية المعينة بصناعة الإلكترونيات بدعم هذا التحالف بوسائل مختلفة ستؤدى فى النهاية إلى تعميق مفهوم الشراكة المحلية والعالمية لتحقيق أهدافنا الوطنية من خلال المساهمة فى إنشاء شركات تصميم خاصة فى مجال الدوائر الإلكترونية .
علينا أن نتذكر أن الشراكة بين الشركات المحلية والعالمية كان هو الركيزة الأساسية التى استطاعت عن طريقها بعض الدول النامية بناء نهضتها التكنولوجية والإلكترونية وعلينا دائما أن نستفيد من التجارب الناجحة لاسيما تجربة دول جنوب شرق اسيا فى مجال توطين صناعة الإلكترونيات مع الحفاظ دائما على مصرية تلك النماذج دون القيام بمحاولة استنساخ فقط بدون مراعاة مدى ملاءمتها بالنسبة لنا فليس بالضرورة تكرار نجاح النموذج فى جميع البيئات .
وأخيرا نتطلع ان يكون لصناعة الالكترونيات وصناعة تكنولوجيا المعلومات حصة من المبادرة التى أطلقتها الحكومة المصرية لاتاحة قروض تمويلية بفائدة ميسرة تعادل 11 % فقط ، للقطاعات الانتاجية الصناعية والزراعية ، لتكون نواة لإيجاد نموذج مصرى لعلاقة الشراكة المحلية والعالمية فى مجال الإلكترونيات تتناسب مع طبيعة احتياجاتنا وإمكانياتنا وظروفنا الاقتصادية فى الوقت الحالى والمستقبل .